الشيطان والزواج

روى مسلم من حيث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الشيطان يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه في الناس، فأقربهم عنده منزلة أعظمهم عنده فتنة، يجيء أحدهم فيقول: ما زلت بفلان حتى تركته وهو يقول كذا وكذا.. فيقول إبليس: لا والله، ما صنعت شيئا.

ويجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله.
فيقربه ويدنيه ويلتزمه، ويقول: نِعْم أنت(

فالشيطان يستخدم كل الطرق الممكنة لمنع الزواج أو إفساده، وقد استخدم لذلك طرقا كثيرة، منها:
1-  إلقاء حب الدنيا في قلوب الناس والتفاخر بها، فذلك حملهم على تعسير أمور الزواج، رغبة في البهرجة والزينة البالغة، وحديث الناس، فبالغوا في المهور، واشترطوا شروطا ليست في كتاب الله، وليست من العقل، من دار واسعة، وأثاث فاخر، وحفل كبير، ونفقات كثيرة، حتى تعسر الزواج على كثير من الشباب..

2-  ومنها: السعي في إخراج المرأة من بيتها، للعمل والتسوق والنزهة والزيارة، وغير ذلك.. فتركت المرأة قرارها في البيت، وصار الأصل عندها الخروج، كالرجل تماما، مخالفة بذلك الفطرة والعقل وأمر الله تعالى، وكان من جراء ذلك أن صارت المرأة العاملة مستغنية بعملها عن الزواج، فتأخر زواجها، وإذا ما تزوجت فشل زواجها بسبب أنها عاملة، والرجل في العادة يريد السكون في البيت، والسكن قد لا يتحقق في ظل عمل المرأة..

ثم مجرد خروجها الدائم سبب في انتشار الفتنة في المجتمع، فيكثر المتربصون بها من الرجال، الساعون للإيقاع بها، فكم من فتاة وقعت فريسة وهتك عرضها، ومن ثم كان ذلك سببا في بقائها بلا زواج..

3- وإذا ما سلم الشاب والفتاة من كل تلك العوائق السابقة، ونفذا إلى ساحة الزواج بادر الشيطان بمكيدة جديدة، تتمثل في العين أو السحر أو المس أو النفس، أو الإصابة بأمراض نفسية وعصبية وبدنية، تصرف عن الزواج.
فإن استطاعا أن ينفذا من كل تلك المكائد حتى يصلا إلى سكن الزوجية، لم تمض عليهما مدة حتى يلاحقهما الشيطان بتلك الأدواء، فيصاب بها، أو تصاب بها، فينظر الزوج إلى زوجته فلا يرى فيها ما يشتهي، وتنظر إليه فلا ترى فيها ما تتمنى.. وتنقلب الحياة جحيما، فإذا لم يتسارعا بالدعاء والرقية والتحلي بالصبر.. تطالقا، وتفرقا..

وفي نهاية الأمر: هذا ما يريده الشيطان، وهو من أفضل الأعمال عنده، لماذا؟..
إن العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة حتمية، وميل كل منهما إلى الآخر ميل غريزي، لا يمكن قطعه ولا منعه، فإن لم يجتمعا في الحلال اجتمعا في الحرام – إلا من رحم – والاجتماع في الحرام هو الزنا، وهو سبيل الشيطان، وهذا ما يريده الشيطان بالضبط..
إنه يسعى في منع الزواج، يسعى في إفساد الزواج، حتى إذا سدت أبوابه، بعسر طرقه، وكثرة مشاكله، وتعقد أموره، وتعدد أمراضه النفسية والعصبية، أدبر الناس عنه..

لكن الغريزة الجنسية في نفوسهم تشتعل بلا انقطاع، وهنا تظهر المشكلة، فمع وجود الدعوات الصريحة للفساد، من خلال صور النساء في المجلات والصحف والتلفاز، وسهولة السفر، وكثرة خروج النساء، وسهولة الالتقاء بهن..
هنا، وفي هذه الحالة إذا لم يكن ثمة خوف من الله تعالى، انحرف الإنسان إلى طريق الحرام لإشباع نزواته، وإذا فعل ذلك صار أسيرا في يد الشيطان يصرفه كيفما يشاء، فيلعب به وينتقم منه شر انتقام، وربما استطاع أن يسلك به إلى طريق جهنم، فكم سمعنا أن شابا مسلما أحب فتاة كافرة، كفر لأجلها، ومات على كفره..

إذن إفساد الطريق الحلال وتعطيل العلاقات المشروعة بين الذكر والأنثى، مطلب رئيس للشيطان، لذا فهو يسعى في ذلك حثيثا، ويوعز لأولياء أن ينشطوا في ذلك دعوة وعرضا وتسهيلا وتزيينا..

عرفنا لماذا يصاب المتزوجون أو المقبلون على الزواج بمثل تلك الأمراض: العين والمس والسحر والنفس..
لماذا هذا العصر بالذات؟.
لكن لقائل أن يقول: أليس الشيطان هو الشيطان منذ خلق، والإنسان هو الإنسان منذ خلق.. فلم انتشرت هذه المشكلة في هذا العصر بالذات؟..

يقال: لذلك أسباب:
منها: انتشار الفساد في كل مكان، بشكل لم يعهد في التاريخ البشري، منذ آدم وإلى هذا العصر، والفساد إذا كثر كان سببا في تسلط الشياطين

فالبيوت مليئة بالصور والأغاني، والملائكة تنفر من تلك البيوت، ففي الأثر:
(لاتدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة) رواه البخاري..
وإذا صارت البيوت على هذا النحو لم تدخلها الملائكة، وحين ذاك تدخلها الشياطين، فلا تجد من يردعها أو يبعدها، فتعبث وتؤذي كما تشاء..
والأسواق قد خلت من ذكر الله بانتشار الغش والخداع والبيع فيها، وكثر تبرج النساء وما يسبب ذلك من فتن، ومن ثم فالشياطين قد اتخذت فيها مجلسا دائما، ورفعت رايتها تؤذي من تشاء.
• هذا عدى الأماكن التي يحصل فيها الاختلاط الرجال بالنساء من أعمال وملاهٍ،..
• بالإضافة إلى التجارات المحرمة كالربا، ومجالس منكرة، كمجالس الأغاني..

كل تلك الخطايا والمنكرات هي من أسباب تسلط الشياطين.
ومنها الحياة المادية الطاغية، حيث إن تلك الحياة تجتاح النفس البشرية فتقتل فيها الطمأنينة وتزرع القلق والاضطراب الدائم، وذلك مما يتسبب كذلك في تسلط الشياطين، فالقلوب الخاوية، والنفوس المادية أكثرها تعرضا لعداوات الشياطين، لما فيها من الضعف.. والضعيف دائما مستهدف من عدوه..

ومنها الحسد الناتج عن اتساع الدنيا وإقبالها، فالمال إذا كثر أورث الحسد، والحسد داء عظيم يحمل الحاسد على إرادة أذية محسوده بالعين أو بالسحر أو غير ذلك، رغبة منه في إزالة النعمة عنه..
ولست في مقام الحصر لأسباب العين والمس والسحر والنفس والأمراض النفسية، إن سببها باختصار:
البعد عن الله تعالى وقلة ذكره، والإقبال على المعاصي وامتلاء البيوت منها والشوارع والأسواق والأعمال والملاهي وغير ذلك..

فكل معصية فهي وسيلة لتسلط الشيطان، وكل طاعة وانتهاء عن معصية هي وسيلة لمنع تسلط الشيطان.
قال تعالى: { وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله{..
إن هذه الشياطين ليس بمقدورها أذى الناس إلا بإذن الله تعالى، هذا ليعلموا أن الأمر لله تعالى من قبل ومن بعد، وما الشياطين إلا خلق من خلقه: { إن كيد الشيطان كان ضعيفا{..
لذا فالتسلح بالثقة في الله تعالى والإيمان به، سلاح قوي يرفعه المؤمن في وجه عدوه الذي يريد أذاه في كل حين..
فإذا اجتمع إلى ذلك التخلي عن المعاصي والتباعد عنها سدت طرق تسلط الشياطين..

وهذا ما كان عليه الناس قديما:
لم تكن المادية المتسببة في ضعف النفس وخلوها من الإيمان موجودة أو منتشرة في عهدهم، كانت حياتهم بسيطة، ليس فيها تعقيدات المدنية، لذا كانت أرواحهم أكثر فرحا واستقرارا من أرواحنا، ولم يكونوا يعانون أنواع الفساد التي نعانيها، لذا لم تجد الشياطين سبيلا إلى أذاهم مثل ما وجدت إلينا..

العلاج..
علاج هذه الظاهرة يكون بتقوية الصلة بالله تعالى بالذكر والإيمان والعمل الصالح، والبعد عن السيئات..
1-  أما الذكر فإن منه ما هو مختص بمثل هذه الأدواء، فهناك أذكار للحفظ من العين والسحر والمس والنفس، مثل آيات السحر في سورة البقرة والأعراف ويونس وطه، وهناك سورة الفاتحة، ومن المشروع ألا يبيت المرء إلا بعد قرآءة وقل هو الله أحد، والمعوذتين، وأية الكرسي وآخر آيتين في سورة البقرة.. وهي أيضا حافظة..
ذلك من القرآن.. أما من السنة فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ( أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة) رواه البخاري.. الفتح 6/293

( أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون).
( بسم الله أرقي نفسي، من كل شيء يؤذيني، من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيني، بسم الله أرقي نفسي).. رواه مسلم..
( بسم الله .. ثلاث مرات… أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر، سبع مرات).. مسلم.
( اللهم رب الناس، اذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما)..
وغيرها..

ويستحسن لكل إنسان أن يحصن نفسه بهذه الرقى، حتى لو كان سليما، ومن كان مقدما على زواج، فعليه أن يحرص على هذه التعويذات في كل وقت، وكذا الفتاة، حتى بعد الزواج، بل على كل الأزواج اليوم بالذات أن يحرصوا على هذه التعويذات..

وهناك أذكار للتخلص من الكآبة والإرهاق النفسي مثل قوله عليه الصلاة والسلام: ( دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت) أبو داود..

وعن أسماء بنت عميس قالت: قال لي رسول الله: ( ألا أعلمك كلمات تقوليهن عند الكرب ـ أو في الكرب ـ الله الله ربي لا أشرك به شيئا)، أبو داود

وقال: ( دعوة أخي ذي النون إذ دعا ربه وهو في بطن الحوت: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}، لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب له) الترمذي
وكان إذا أكربه أمر قال: ( يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث) الترمذي

2-  ثم الثقة بالله تعالى واليقين أن أحد لن يضر إلا بإذن الله تعالى..
3-  والتجلد والصبر فيما إذا أصيب الإنسان بشيء من تلك الأدواء، فليس الجزع من صفات الرجال، وكل صبر يعقبه غنيمة..
فمبادرة الزوج إلى الطلاق لأجل ما يجد في نفسه تعجل ينافي الحكمة والعقل.. ليصبر، وليصبر، وسيجد الخير أمامه..
4- ثم الحرص على الطاعات والصلوات في جماعة، فإنها من أعظم أبواب التحصين..
5- ثم الإقلاع عن كافة المنكرات، سواء كان في النفس أو في البيت أو خارج ذلك.. فكيف يمكن لإنسان أن يبرأ من الداء الذي هو فيه، وأسبابه كامنة وباقية وموجوده في نفسه وبيته، يلازمه ويرافقه؟..
قال تعالى: { ومن أعرض عن ذكر فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى{..
نعوذ بالله من همزات الشياطين، ونعوذ به أن يحضرون

المصدر: شخصي
  • Currently 155/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
51 تصويتات / 136 مشاهدة
نشرت فى 15 سبتمبر 2009 بواسطة moneelsakhwi

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,167,521