من الحقائق المسلم بها في وقتنا الحاضر أن السمنة وزيادة الوزن من الظواهر الصحية السلبية التي بدأت تأخذ مكانها على المستويين المحلي والعالمي, ونتيجة لذلك تصدى لها المجتمع بحملات رفع مستوى الوعي الصحي والتوعية بمضارها في مختلف وسائل الإعلام, إلى جانب افتتاح المنشآت الرياضية ومحال بيع الأغذية الطبيعية وأغذية الرشاقة والحمية, وتخصيص ممرات وأرصفة في الشوارع لممارسة رياضة المشي والركض، كل ذلك بهدف القضاء على الخمول وزيادة لياقة الجسم, عملاً بالمقولة المعروفة: "العقل السليم في الجسم السليم".
خلاصة لما سبق نرى أنه في الوقت الذي ينصحنا فيه خبراء التغذية بالحركة واللياقة والرياضة بهدف الرشاقة، نجد أن خبراء الإدارة الحديثة يسيرون في اتجاه معاكس, فقد برز أخيرا اتجاه إداري حديث يدعو إلى التمتين, تمتين الموظف! فالتمتين منهج أو أسلوب إداري حديث تحدث عنه ماركوس بكنكهام Marcus Buckingham في أحد المؤتمرات العالمية عام 2006, التي نقلت عبر الأقمار الصناعية لعدد من مدن العالم ومن بينها مدينة الرياض، ومن أبرز النقاط عن هذا المفهوم ما يلي:
* العاملون هم من أصول المنظمة, ونقاط القوة والتميز في الأداء - وليس نقاط الضعف ـ لدى هؤلاء العاملين ـ هي الأصول الحقيقية التي تمتلكها المنظمة.
* درجت العادة على أن الإدارة تبحث عن نقاط الضعف لدى الموظف وتعمل خطط التدريب لتقويتها على حساب نقاط القوة لتتحول الأخيرة بمرور الوقت إلى نقاط أداء متوسط.
* يجب على الإدارة التوقف عن البحث عن نقاط الضعف في الأداء والتغاضي عنها, والبدء في البحث عن نقاط القوة في أداء العاملين, والتعرف عليها واستثمارها وتحويلها إلى سلوكيات وظيفية وأداء مؤسسي راق.
* يصبح الموظف متيناً وظيفياً عندما يتم تعيينه في المكان المناسب, وتتاح له فرصة العمل والإبداع بطريقته الخاصة, بعيدا عن القولبة بأنماط وطرق محددة للعمل والإنجاز.
* يمضي العاملون جل وقتهم في نشاطات ومهام وأعمال لا تستثمر نقاط قوتهم.
وقد يتساءل القارئ الكريم: ما نقاط القوة التي يجب البحث عنها؟ وكيف يمكن للموظف وجهة عمله التعرف عليها وتوظيفها؟
إن نقاط القوة التي يجب البحث عنها لدى العاملين عديدة, منها على سبيل المثال: مهارات استشراف المستقبل والتفكير المنطقي, مهارات القيادة وتحمل المسؤولية والمبادرة، مهارة التنظيم وإدارة الوقت، المرونة الذهنية والعقلية، مهارات بناء النماذج, مهارات الاتصال, مهارات إعداد الأهداف والخطط, , ومهارات ابتكار الحلول، وهناك عدد من مصادر البيانات والمعلومات للتعرف على جوانب القوة ومنها:
تخصيص حقول في استمارات التوظيف والتعيين, توجيه الأسئلة في مقابلات التوظيف، دراسة نقاط القوة في تقارير الأداء الوظيفي, إعداد استمارة استطلاع رأي الموظف عن النشاطات والمهام التي تثير الدافعية للعمل والإنتاجية العالية, وأخيراً استطلاع آراء الرؤساء والزملاء.
إن أهم ما يميز التمتين كأسلوب إداري حديث هو أنه أسلوب جديد في اسمه وفلسفته, ولكن أهدافه وأدواته ليست جديدة, فكل ما تحتاج إليه عملية تمتين الموظف هو مبادئ وممارسات إدارية متوافرة بين أيدينا في مجال الإدارة مثل تفويض الصلاحيات, الاستقلالية في العمل، الثقة والاحترام, التدوير الوظيفي، الإثراء الوظيفي, ولجان العمل التي يشارك فيها كل عضو من أعضائها بنقاط قوته وليس بالمسمى الوظيفي.
كلمة أخيرة: يصف رائد التمتين العربي نسيم صمادي التمتين بقوله: أن يتعلم الإنسان ما يريد ويعمل ما يجيد, ليصل إلى مستوى عال من التميز في الأداء يقترب من الكمال في نشاط معين، فالتمتين هو أن ندع الأرانب تركض، فهي تجيد الركض فلماذا نعلمها السباحة والطيران؟ التمتين هو قوة الأسد في البيداء, وقوة التمساح في الماء, وقوة النسر في السماء, فمتى نرى جميع موظفينا متينين وظيفياً رشيقين جسمانيا؟
ساحة النقاش