أولا :تعريف الحدث
” يشير مصطلح الحدث من الناحية الزمنية إلى عمر يتراوح ما بين ستة إلى عشرة سنوات كحد أدنى و إلى عمر يتراوح ما بين ستة عشر سنة إلى واحد و عشرين سنة في حده الأعلى، و ينظر إلى هذه الفترة بصفة عامة، و خاصة من الناحية الاجتماعية على أنها تشتمل على سني العمر التي يطلق عليها ” الطفولة و المراهقة” و يشير المصطلح من الناحية الوظيفية إلى الخصائص و الإمكانيات و المسؤولية الفردية التي تفوق مرحلة الطفولة و لكنها أقل من مرحلة النضج.) غيث، 1999م: 259)
أما الجنوح فيعرفه العلماء على أنه:
فشل الفرد في أداء واجباته و التزاماته ، و يستخدم الأخصائيون هذا التعبير للإشارة إلى أفعال الصغار الذين يخرقون القانون أو يفشلون في التكيف أو الطاعة للمطالب المعقولة و المعتدلة للقائمين على رعايتهم أو أي سلطات أخرى لها ولاية عليهم كالمدرسة أو مركز التدريب … الخ ( السكري،2000م: 142)
ثانيا : النظريات المفسرة للانحراف
طرح العلماء العديد من النظريات لتفسير ظاهرة الانحراف ، منها ما يتعلق بالنواحي النفسية أو البيولوجية أو الاقتصادية أو الاجتماعية ، و من هذه النظريات نجد ( نظرية العصبة ، نظرية الوصم الاجتماعي، نظرية النوافذ المحطمة ) .
أ ـ نظرية العصبة لـ( تراشر ) :
يرى ( فريدريك تراشر ) واضع هذه النظرية أن العصبة الجانحة ذات تأريخ طبيعي كأي جماعة أخرى حيث تتكون بنفس العمليات والظروف التي تتكون بها الجماعات الأُخَر ، إلا أنه لا يرى أن هذه العصبة الجانحة سبباً مباشراً للجنوح ، بل هي عامل مهم يسهل لأفرادها ممارسة الانحراف .
ويرى ( تراشر ) أن تنظيم العصبة الجانحة وما تقدمه من حماية لأفرادها قد يساعد في تسهيل تنفيذ الأعمال الانحرافية وتبادل الخبرات الانحرافية ، كما يرى أن العصبة الجانحة تطورت بصورة تلقائية عن جماعات اللعب التي ينتمي إليها المراهقون ولكنها تحولت إلى عصبة جانحة بسبب قيام صراعات شخصية بين جماعات اللعب ، مما أدى إلى تكتل أفراد كل عصبة وتكوين تنظيم معين لحماية حقوق أفراد العصبة ومصالحهم المشتركة،ولإشباع ما حُرموا منه من حاجات من قبل أسرهم .
ويقرر ( تراشر ) أن العصبة الجانحة لا تنشأ إلا في ظل ظروف ملائمة كغياب الضبط الأسري مثلاً ، إلا أنه يستدرك في توصيف سلوك أفراد العصبة الجانحة من خلال تقرير أن تصرفات أفراد العصبة الجانحة ليس بالضرورة أن تكون انحرافية في كل الأحوال ، فقد يمارس فيها أي تصرف يمارس في أي جماعة كاللعب الرياضي ، إلا أن العصبة كتنظيم اجتماعي تُكون لأفرادها ولاء يزرع فيهم روح المغامرة وارتكاب بعض السلوكيات في ظل هذا السياج الانتمائي للعصبة .
ويؤخذ على هذه النظرية أخذها بمبدأ العامل الواحد في تفسير الانحراف ، واغفالها للإرادة الذاتية للفرد ، إضافة إلى عجزها عن تفسير عدم انحراف بعض أفراد العصبة نفسها .(الدوري، 1405هـ:210)
ب – نظرية الوصم :
يُعَد العالم الأمريكي ( أودين لمبرت ) أبرز من يتبنى هذه النظرية التي ترى أن الطريقة التي يتعامل بها المجتمع مع الفرد هي التي تؤدي إلى استمراره في ذلك السلوك المنحرف ، وما ذلك الانحراف إلا نتيجة تفاعلية بين فعل الفرد المنحرف ، وردود أفعال المجتمع تجاهه ، وبتناميها في عملية تصاعدية تصل في النهاية إلى استقرار المنحرف على ذلك السلوك المنحرف ، ثم وصمه بالانحراف .
ونظرية الوصم تقوم على فرضيتين أساسيتين، هما :
1 – أن الانحراف لا يقوم على نوعية الفعل وما هيته بقدر ما يقوم على نتيجة ما يوصف به الفاعل من المجتمع .
2 – أن الانحراف عملية اجتماعية تقوم بين طرفين : الفعل الانحرافي ، وردة فعل المجتمع تجاه ذلك الفعل الانحرافي ووصمه بالانحراف من جانب آخر( الطخيس،1405هـ: 98)
ومن هنا فإن النظرية ترى أن للمؤسسات الإصلاحية دوراً كبيراً في إضفاء صفة الجنوح على أفرادها ، وبالتالي تكريس الانحراف فيهم نتيجة تلك الصفة أو الوصمة التي يطلقها المجتمع عليهم .
وقد وضع ( لمبرت ) عدداً من المراحل لتبلور الجنوح واكتماله :
§ يرتكب الفرد انحرافه الأول كبادرة لاختبار ردة فعل المجتمع تجاهه .
§ تحدث ردة فعل المجتمع في صورة معاقبة الفرد على تصرفاته الانحرافية .
§ يكرر الفرد انحرافه وبحجم أكبر من الانحراف الأول .
§ يقوم المجتمع بردة فعل أكبر وذلك بعقاب الفرد على سلوكه المنحرف بشكل أشد ورفض أقوى من عقاب المرة الأولى .
§ يزداد الانحراف لدى الفرد ويصاحبه شعور بالعداء على الذين يمارسون العقاب ضده .
§ تبدأ الردود الرسمية للمجتمع وتأخذ شكلاً جديداً بإضفاء صفة الانحراف على الفرد .
§ يزداد الانحراف كرد مباشر على المجتمع
§ في هذه المرحلة يقبل المنحرف صفة الوصم بالانحراف مع محاولة التكييف والتوافق مع مركزه الاجتماعي الجديد بوصفه فرداً منبوذاً من المجتمع .
وهذه النظرية يؤخذ عليها عدم قدرتها على تفسير كيفية نشوء بداية الانحراف، وعلى هذا فقد تصلح هذه النظرية لتفسير ظاهرة العود إلى الانحراف والاستمرار فيه وليس بدايته .
بقي أن نشير بعد استعراض بعض النظريات الاجتماعية التي حاولت تفسير الانحراف إلى مقولة للعالمين الأمريكيين ( الينور ، وشيلدون جلوك ) بعد دراستهما المستفيضة لألف طفل جانح حيث قالا : “لاشك أن باستطاعة الكثير من علماء الجريمة وأطباء البدن والعقل وضباط المراقبة القضائية والإفراج الشرطي أن يكتشفوا من خلال دراستهم أو تعاملهم مع الأحداث الجانحين مجموعة كبيرة من العوامل ذات الصلة بتكوين الجناح ، إلا أن أحداً من هؤلاء جميعاً لا يستطيع أن يجزم بانفراد عامل واحد أو مجموعة من العوامل في إحداث النتيجة وهي الجناح ، كما وليس بمقدور واحدٍ من هؤلاء أن يؤكد لنا بصورة قاطعة عدم وجود عوامل أُخَر غير معروفة له ، وقد تكون على درجة كبيرة من الأهمية السببية في تكوين السلوك الجانح وربما تطغى في أهميتها فوق كل العوامل المعروفة من قبل ” .( الدوري، 1405هـ: 109)
ج ـ نظرية النوافذ المحطمة
مثلت فترة الثمانينات من القرن الماضي قمة منحنى عدد الجرائم المرتكبة في مدينة نيويورك الأمريكية، لكن لسبب لم يُحدد بدقة، انخفض هذا المعدل بمقدار 75% في فترة التسعينات التالية. كثرت التحليلات والتفسيرات، لكن تبدو نظرية النوافذ المحطمة الأكثر قبولاً ومنطقية.
نظرية النوافذ المحطمة هي نتاج فكر المُنظرين في علم الجريمة:جيمس ويلسون و جورج كلينج. و النظرية بسيطة للغاية، ويمكن تعريبها إلى الكبائر تبدأ بالصغائر، أو عظيم النار من مستصغر الشرر، أو صغائر الأمور بدايات عظائمها.
يرى المنظران أن الجريمة هي نتاج الفوضى وعدم الالتزام بالنظام في المجتمعات البشرية. إذا حطم أحدهم نافذة زجاجية في الطريق العام، وتُركت هذه النافذة دون تصليح، فسيبدأ المارة في الظن بأنه لا أحد يهتم، وبالتالي فلا يوجد أحد يتولى زمام الأمور، ومنه فستبدأ نوافذ أخرى تتحطم على ذات المنوال، وستبدأ الفوضى تعم البيت المقابل لهذا النافذة، ومنه إلى الشارع، ومنه إلى المجتمع كله. لا تقتصر النظرية على النوافذ المحطمة، بل تشمل السيارات المهجورة، ومراتع القمامة، والأركان المظلمة من الحواري والطرقات.
في مدينة مثل نيويورك، تمثلت هذه النافذة المحطمة في الرسومات على المباني ووسائل المواصلات العامة (جرافيتي)، والتعرض للمارة في الشوارع، والسرقات والنشل والاغتصاب والقتل وما وراء ذلك. موجز القول أن الجرائم عدوى تصيب المجتمع وتتنقل ما بين أفراده، وكما أن الطاعون القائل يأتي عن طريق جسيم لا يُرى بالعين المجردة، فإن النظرية ترى أن ميكروب الفوضى يأتي من مستصغر الشرر والفوضى.
في منتصف الثمانينات، عينت بلدية نيويورك جورج كيلنج مستشارًا لقطاع المواصلات العامة – قطارات الأنفاق، وهو ناشدهم أن يضعوا هذه النظرية قيد الاختبار، بدءًا بالرسومات على القطارات. رضخ قطاع المواصلات في النهاية، وعينوا ديفيد جان مشرفاً على خطة تطوير مترو الأنفاق، والذي بلغت ميزانيتها أكثر من ملياري دولار.
كان النقاش هل البداية تكون بشراء قطارات حديثة، أم القضاء على تلوين الفتيان للقطارات، وعلى ظاهرة التهرب من ماكينات تحصيل نقود تذاكر ركوب القطارات، وعلى الجرائم التي تحدث في حرم محطات القطارات. أصر ديفيد على البدء بصغائر الأمور: الرسومات. لقد رأى فيها الدليل على فساد النظام، وبالتالي لن يجدي أي شيء آخر ما لم يعالج هذه العدوى أولاً.
دحض ديفيد فكرة شراء القطارات الحديثة أولاً وتشغيلها ثم القضاء على الرسامين بالتساؤل: ما فائدة غسل سطح سفينة تايتنك وهي في طريقها للاصطدام بجبل الثلج الذي أغرقها في دقائق؟ رسم ديفيد خطته المعتمدة على غسيل القطارات بشكل دوري وإزالة أي رسومات داخل أو خارج القطارات. أنشأ ديفيد محطات غسيل في نهايات رحلات القطارات، تتولى إزالة أي رسومات تظهر على القطارات، وإذا استلزم الأمر الطويل من الوقت، خرج هذا القطار من الخدمة حتى الانتهاء من إزالة الرسومات التي لحقت به.
استمر ديفيد في عمله التنظيفي هذا من 1984 إلى 1990، دون كلل أو ملل، حتى عين قطاع المواصلات ويليام براتون ليرأس شرطة المواصلات، ليبدأ المرحلة الثانية من تنظيم قطاع مترو الأنفاق.
كان ويليام رجلاً ملتزماً من عينة ديفيد جان، ومؤمناً بنظرية النوافذ المحطمة، وممن تتلمذوا على يد كيلنج. قرر ويليام البدء بالقضاء على ظاهرة التهرب من دفع قيمة التذاكر، لأنه رأى فيها ما رآه ديفيد في الرسومات. إنها الميكروب حامل العدوى.
بدأ ويليام فوجد أنه عند قيام بعض الركاب بالتهرب من ماكينة تحصيل النقود، بالقفز فوقها أو الالتفاف حولها، فسيبدأ الباقون في التقليد وعدم الدفع، رغم أنهم كانوا في طريقهم للدفع طواعية. لاحظ ويليام كذلك تقاعس رجال الشرطة عن ملاحقة هؤلاء المتهربين، ذلك أن الجري ورائهم والقبض عليهم كان يستغرق منهم يوماً كاملاً من العمل وملء النماذج وكتابة البيانات، وحين يعودون بالمتهرب إلى المخفر، كان يفرج عنه في نهاية الليل.
وفر ويليام حافلة حولها لتكون مكتباً متكاملاً متنقلاً، فلا يضطر رجال الشرطة للعودة إلى المخفر بطريدتهم، وجرى العمل بانتشار عشرات من رجال الشرطة المتنكرين، بدأوا في المحطات ذات أعلى نسب تهرب، والذين يقبضون على المتهربين واحداً تلو الآخر، ثم يكبلوهم بالأصفاد خلف ظهورهم، ويجعلونهم يقفون في طابور على المحطة، ليراهم الجميع، ومع توفر المكتب المتنقل، استلزمت الإجراءات الورقية للقبض عليهم أقل من ساعة.
من ثم بدأ رجال الشرطة الذين كانوا ينفرون من ملاحقة المتهربين يلاحظون أن الموقفين هم هدايا السماء لهم، فمن كل سبعة متهربين، تبين بالبحث في سجلاتهم أن واحدًا منهم هارب من أحكام سابقة، ومن كل عشرين مهرب هناك واحد يحمل سلاحاً أو ممنوعات، وهكذا، بدأ رجال الشرطة يبحثون عن مفاجآت القبض على المتهربين.
بعد فترة، بدأ رجال العصابات يتوقفون عن التهرب من دفع تذاكر الركوب، وبدأوا يتركون أسلحتهم ورائهم قبل ركوب القطارات. تحول رجال ويليام للجرائم الأخرى مثل ركوب القطارات تحت تأثير الخمور والمخدرات، ومنها إلى من يقضون حاجتهم جهاراً نهاراً، وهم ركزوا على الصغائر والدقائق قبل الكبائر والمصائب.
ثالثا :أسباب انحراف الأحداث:
طرحت النظريات الاجتماعية العديد من التفسيرات للسلوكيات المنحرفة، و يتداخل ذلك مع العديد من الأسباب المؤدية بالحدث إلى الجنوح و الانحراف عن معايير المجتمع ، فمنها ما يتعلق بالأسرة و منها ما يتعلق بالأصدقاء كما أشارت نظرية العصبة و منها ما يتعلق كذلك بوسائل الإعلام و أثرها على الحدث .
أ ـ الأسرة
1 – ويتمثل دورها في جنوح الحدث بالإهمال وسوء التربية، وغياب التوجيه والمراقبة والإشراف، والعنف في المعاملة، أو التدليل الزائد، وعدم التعليم الديني وإهمال العلاقات الاجتماعية للحدث . وفقدان القدوة الحسنة .
2 – ومن الأسباب المساعدة على الانحراف وسوء التربية ظاهرة انتشار الخادمات والاعتماد عليهن في تربية الطفل بشكل رئيسي، مما يترتب عليه آثار سيئة على الطفل وعلى المراهق أيضا .
3 – وكذلك من الأسباب الرئيسية في الأسرة والتي تسبب انحراف الأحداث :
التفكك الأسري، وما يرافقه من تزعزع العلاقات والصلات الإنسانية والاجتماعية والتربوية .
تفشي ظاهرة الطلاق، وهجر الزوجة، وإهمالها أو إهمال الأبناء وعدم الاهتمام بهم أو السؤال عنهم، وعدم الإنفاق عليهم . انشغال الأبوين، كل منهما في عمله أو هواياته أو مشاكله، وإهمال الأولاد وعدم إتاحة المجال لهم للعيش ضمن جو أسري سوى يشعر فيه الحدث أو الطفل بأهميته ووجود من يرعاه أو يحبه ويعالج مشاكله، وبالتالي يجد الحدث نفسه مهملا وحيدا وهدفا سهلا للعادات السيئة ورفاق السوء وهم أقرب الطرق إلى الانحراف .
ب ـ المدرسة :
المدرسة أداة تقويم وتوجيه وتربية وتعليم، ودورها – ولا سيما في المراحل الأولى – مكمل لدور الأسرة، ولذلك فإن لها من الأهمية ما للبيت والعائلة .
وعندما تصاب المدرسة – كمؤسسة – في مناهجها أو إدارتها أو جهازها التربوي أو نظامها الداخلي بالقصور، فإنها تكون كالأسرة المفككة التي تسبب للطفل التعقيد والانحراف
ومن أمثلة قصور المدارس التي ينتج عنها انحراف الأحداث :
1 – قصور المناهج التربوية وضعفها ولا سيما ما يتعلق بتكوين شخصية الطفل وإذكاء اعتماده على نفسه، وتنمية علاقاته الاجتماعية وتوجيهها، وتنمية المهارات السلوكية السوية لديه، ومعالجة أسباب الانحراف والاضطراب النفسي أو الشذوذ الخلقي .
2 – عدم اهتمام المدرسة بالطفل أو الحدث، وإهمال الجوانب الصحية والنفسية لديه بشكل يؤدي إلى الإحباط، وبالتالي تكون العقد النفسية والاضطرابات التي تسبب الجنوح .
3 – التمييز في المعاملة بين الطلبة سواء من الإدارة أو أعضاء الهيئة التدريسية، بحيث لا تأخذ بأيدي المتعثرين وتهمل غير المتفوقين أو أبناء طبقة معينة .
4 – عدم مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب، والتشدد في التركيز على كثرة الواجبات والمظاهر الشكلية التي تضايق الطفل وتجعله يكره المدرسة بل يجعلها لديه رمزا لما هو مزعج وسيئ .
5 – ضعف دور وفاعلية المشرف الاجتماعي وفقدان الطلاب للثقة في التعامل معه .
ج ـ وسائل الإعلام :
تأثير هذه الوسائل على الأحداث أشد خطورة وفاعلية، لأن الطفل أو المراهق، وهو فارغ البال عادة، ومستعد للتأثر ويحب البطولة وتقمص شخصية البطل، فهو بذلك أكثر وأسرع تأثرا بما يشاهد من أفلام ومسلسلات وهنا يبدو الأثر السيئ لأفلام ومسلسلات الرعب والجنس والجريمة، في جعل الحدث يتفاعل معها ويتقمص شخصياتها ويعيش أحداثها، ثم الإحساس بما ينبني على ذلك من تناقضات واضطرابات نفسية، وهي سبب مؤكد للانحرافات، ويزداد الأمر سوءا مع عدم الرقابة على ما يشاهده الطفل أو الحدث من أفلام الجنس والجريمة والرذائل التي يمكن الإطلاع عليها عبر الوسائل الحديثة كالساتلايت أو حتى عن طريق الكمبيوتر .
ومن أمثلة مساوئ الإعلام المؤثرة على الأحداث :
1 – المسلسلات التي تمجد الفرد وتعمق روح الفردية الخرافية مما ينعكس تأثيره سلبا على الروح الاجتماعية لدى الأطفال، مثل ” سوبرمان … وما إلى ذلك ” .
2 – عرض المسلسلات المناسبة للحياة الأمريكية أو غير العربية أو الإسلامية عامة، بحيث تجعل المشاهد ولا سيما إذا كان طفلا أو مراهقا يعيش حالة من التناقض بين الواقع والمثل وما يعرض عليه، وغالبا ما تعرض هذه المسلسلات في صورة من التشويق والإثارة، وينطبق ذلك أيضا على مجال الإعلانات كالإعلانات عن التدخين والدعاية للشركات العالمية للسجائر وما تقيمه من مسابقات وجوائز عالمية وضخمة .
3 – غياب التوجيه العلمي والتثقيف المهني، وعدم الاهتمام بالهوايات النافعة والبرامج المشوقة للأطفال والأحداث كالمسابقات والترفيه والتسلية الممتعة .
4 – تمجيد المطربين والرياضيين والفنانين على حساب بقية شرائح المبدعين والعلماء، والنشاطات الشبابية التي هي أحق بالتقدير والتعريف بها، والتنبيه إليها . رابعا: وسائل علاج انحراف الأحداث
تختلف وسائل علاج انحراف الأحداث حسب حالة كل حدث، و هناك الكثير من النماذج المطروحة في الخدمة الاجتماعية للتعرف على أدق الأسباب المتعلقة بحالة ما و من ثم العمل على علاجها، و من هذه النماذج نجد نموذج الشجرة و الذي يتفاعل فيه كلا من الأخصائي الاجتماعي و العميل(الحدث) للتعرف على أسباب المشكلة وآثارها و من ثم العمل على حلها.
نموذج الشجرة Tree Model
لهذا النموذج عدة خطوات يقوم بها كل من الأخصائي الاجتماعي مع الحدث للوصول إلى أسباب المشكلة و من ثم التوصل لحل لها.
1. حدد المشكلة المراد تحليلها.
2. ارسم شجرة.
3. أكتب الأسباب الرئيسية للمشكلة على الجذور الرئيسية للشجرة.
4. أكتب الأسباب الثانوية للمشكلة على الجذور الفرعية الصغيرة للشجرة.
5. أكتب النتائج الرئيسية للمشكلة على الفروع الرئيسية للشجرة.
6. أكتب النتائج الثانوية للمشكلة على الفروع الصغيرة للشجرة.
7. اجعل العميل /العملاء يرسمون الشجرة من وجهة نظرهم.
8. قم بعقد مناقشة جماعية مع العملاء حول رسم الشجرة الخاص بك و رسم الشجرة الذي قدمه العميل/ العملاء.( أبو النصر، 2009م: 267ـ 277)
و إن افترضنا أن الحدث قد وقع في مشكلة السرقة ، فمن خلال هذا النموذج يمكن التعرف على أسباب المشكلة هل هي الأسرة و ما تعتريها من مشاكل و تفكك ، أو أصدقاء السوء كما أشارت نظرية العصبة ، و معرفة أثر هذا الانحراف على الحدث و علاقته مع المحيطين به من أسرة وأصدقاء و مجتمع أكبر قد يجد نفسه معزولا عنه بسبب ما ارتكبه من سلوكيات غير مقبولة، و بناء على تداول الأسباب و النتائج بين الأخصائي الاجتماعي و الحدث يمكن الوصول إلى الحل المناسب لهذه المشكلة، و من المهم أن يتم الحوار مع الحدث حتى يقتنع بعظم جريمته و باستحقاقه لما يتم تقريره من عقوبة.
خامسا: النظريات التي يعمل الأخصائي الاجتماعي وفقها :
يعمل الأخصائي الاجتماعي لأجل التوصل لأسباب المشكلة و من ثم العمل على حلها و كل هذا لا يكون منفصلا عن نظريات تسير أداءه المهني و ترشده في تحركاته حتى يخرج بأفضل الحلول ، و من هذه النظريات هناك نظريتين رئيسيتين يعمل الأخصائي الاجتماعي وفق فرضياتها و هي( نظرية النسق الاجتماعي و نظرية الدور).
أولا : نظرية النسق الاجتماعي :
تعتبر نظرية النسق الاجتماعي من الأسس المهمة للممارسة المهنية للأخصائي الاجتماعي، حيث تعتمد هذه النظرية على أن النسق الاجتماعي يعني وجود تفاعل له معنى بين اثنين أو أكثر من الأفراد بحيث يكون هناك تأثير من أحد الطرفين على الآخر بشكل واضح، و أن المنظم الاجتماعي عندما يقوم بأي مجهود إنما يستهدف إحداث تغيير، و أن النسق الذي يعتبر مسئول عن التغيير يتكون من الممارس “الأخصائي الاجتماعي” و الناس الذين يعملون معه سواء في المجتمع أو المؤسسة.( عبد اللطيف، 2007م: 21ــ22)
و قد عرف باركر مفهوم نظرية الأنساق بأنها مجموعة المفاهيم التي تؤكد على العلاقة التبادلية بين مجموعة العناصر التي تكون الكل، و هذه المفاهيم تؤكد أيضا على العلاقات المتبادلة بين الأفراد و الجماعات و المنظمات و المجتمعات و العوامل المؤثرة في البيئة المحيطة.( أبو عباة، و نيازي، 2000م: 76)
أنساق الممارسة المهنية في الخدمة الاجتماعية :
و يمكن للأخصائي الاجتماعي أن يستخدم هذه النظرية عند ممارسته لمهنته و توضح هذه النظرية أن هناك عدة أنساق للممارسة المهنية يحددها أبو النصر حسب تصنيف بيولا كمبتون تصنيفا ممتازا لأنساق المؤسسة المهنية في الخدمة الاجتماعية كالتالي:
1ـ النسق المسئول عن إحداث التغير:
يعتبر الأخصائي الاجتماعي مغيرا اجتماعيا، لما له من أدوار عديدة في عملية إحداث التغيير المطلوب في جميع عناصر مهنة الخدمة الاجتماعية ، و في المساهمة في إحداث التغيير المطلوب في المجتمع.
كذلك تعتبر المؤسسة التي يعمل من خلالها الأخصائي الاجتماعي نسقاً مسئولا عن إحداث التغيير، لما لها من أدوار عديدة في ذلك، و منها على سبيل المثال: تقديم البرامج و الخدمات و الموارد و المساهمة في إشباع الحاجات و حل المشكلات و وضع السياسات، و المساهمة في اقتراح و تعديل و تنفيذ التشريعات الاجتماعية في المجتمع…. الخ .
2 ـ نسق العميل
أحيانا يتحول جزء من الناس إلى عملاء و ذلك عندما يطلبون الخدمات من الأخصائيين الاجتماعيين ، أو عندما يذهب إليهم الأخصائيون الاجتماعيون لتقديم الخدمات التي يحتاجونها.
و قد يكون العميل فردا أو أسرة أو جماعة أو منظمة أو مجتمعاً ( سواء محلي أو إقليمي أو قومي أو دولي) .
3 ـ نسق الهدف أو النسق المستهدف:
هو النسق الذي توجه نحوه عمليات المساعدة المهنية، بهدف إحداث التغيير فيه، بمعنى أنه هو النسق الذي توجه نحوه جهود التدخل المهني التي يقوم بها الأخصائيون الاجتماعيون و المؤسسات التي يعلمون بها.
و قد يكون نسق العميل هو نفسه النسق المستهدف، عندما يكون التغيير المطلوب هو تغيير العميل نفسه ومساعدته، و قد يكون جزء من نسق العميل هو النسق المستهدف، عندما يكون التغيير المطلوب هو تغيير هذا الجزء فقط.
4 ـ نسق الفعل أو العمل :
نسق الفعل أو العمل يتضمن: أ ـ المهنيون العاملون في المؤسسة التي يعمل بها الأخصائي الاجتماعي و على الأخصائي الاجتماعي الاستفادة منهم و التعاون معهم كفريق عمل لتحقيق أهداف التدخل المهني.
ب ـ المؤسسات الأخرى القائمة في المجتمع و التي قد يحتاج إلهيا الأخصائي الاجتماعي في عملية تحقيق أهداف التدخل المهني.
5 ـ النسق المهني:
يتضمن النسق المهني في مهنة الخدمة الاجتماعية من المكونات التالية:
أ ــ المنظمات المهنية الخاصة بالخدمة الاجتماعية مثل : النقابة التي تضم الأخصائيين الاجتماعيين في عضويتها و مجلس تعميم الخدمة الاجتماعية و مجلس مدارس الخدمة الاجتماعية. . .
ب ــ النسق التعليمي الخاص بالخدمة الاجتماعية و المسئول عن تعليم الخدمة الاجتماعية ، و يتضمن هذا النسق شعب و أقسام و مدارس ومعاهد و كليات الخدمة الاجتماعية المسئولة عن منح الدبلوم المتوسط و البكالوريوس و دبلومات الدراسات العليا و الماجستير و الدكتوراة في الخدمة الاجتماعية. ( أبو النصر، 2008م : 40ــ42)
ثانيا ـ نظرية الدور
تعتبر الأدوار رباط اجتماعي يحدد توقعات و التزامات تقترن مع المواقع الاجتماعية، فالدور مهم جدا بسبب توجيهه للأفراد عن كيفية تصرفهم و انجاز أنشطتهم.(العمر،2000م:326)
و يعرف الدور على أنه: ” نماذج محددة ثقافيا للسلوك و ملزمة للفرد الذي يحتل مكانة محددة” (السكري،2000م: 451)
و تتحدد أدوار الفرد بطرق متعددة، فقد تتحدد بشكل تلقائي عن طريق السن أو الجنس أو بسبب شغل الفرد لمكانة مهنية معينة، أو ربما لأنها تشبع حاجة معينة لدى الفرد. ( عبد الخالق، 1999م: 220)
و في دور الملاحظة الاجتماعية نلاحظ أن الأخصائي الاجتماعي يتحدد دوره من خلال اللوائح و الأنظمة الصادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية، و كذلك دور الحدث و دور أسرة الحدث و كافة العاملين في هذه الدور، فعلى كل منهم يقع دور معين يقوم به للوصول نهاية إلى تحقيق هدف إيجاد دور الملاحظة و هو إصلاح الهدف و وقاية المجتمع من هذه الانحرافات.
وترتبط نظرية الدور بعدد من المفاهيم و التي يعتبرها البعض الجوانب الرئيسية للدور الاجتماعي و منها:
أ ـ متطلبات الدور : وهي المقومات اللازمة لأداء دور معين و هي تنشأ من المعايير الثقافية و من شأنها أن توجه الفرد عند اختياره و سعيه للقيام بأدوار معينة.
ب ـ توقعات الدور: و هي التصورات أو الأفكار أو المعارف التي تكون لدى أشخاص معينين لمدى مناسبة أنماط سلوكية يقوم بها شاغل مكانة معينة، بالنسبة لتلك المكانة. ( عبد الخالق، 1999م: 221)
و في هذه دراسة الحالة هذه إن نظرنا للأخصائي الاجتماعي فإن عليه دورا رئيسيا في تحقيق أهداف الخدمة الاجتماعية بدور الملاحظة و عليه أن يتصف بالمقومات اللازمة لأداء هذا الدور من شهادة علمية و مهارات و خبرات، و من المتوقع أن يقوم بالممارسة المهنية لهذه الخدمة بحيث يتحقق هدف المؤسسة، و كذلك الحدث و أسرة الحدث يتوقع سلوكيات معينة من كل منهما وخاصة عند تواجد الحدث في هذه الدار تنفيذا لقرارات صدرت بحقه، و من المهم في هذه الدارسة الكشف عن مدى توافق سلوكيات هؤلاء الأفراد مع ما هو متوقع منهم في داخل دور الملاحظة الاجتماعية.
ج ـ تكامل الأدوار: توافق قيام الفرد بدورين أو أكثر، و أيضا الطريقة التي يتم بها توافق أدوار معينة لفرد مع أدوار أفراد آخرين لهم علاقة به. (السكري،2000م: 109)
فمن المتوقع أن تتكامل الأدوار بين الأخصائي الاجتماعي و المؤسسة التي ينتمي إليها و الحدث المستهدف بهذه الخدمة و كذلك أسرة الحدث، فكلما تكاملت هذه الأدوار و تناسقت �