للشيخ سعيد عبد العظيم
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال بن زيدٍ وغيره: إن الله تعالى أعلمهم أن الخليفة سيكون من ذريته قومٌ يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء، فقالوا هذه المقالة، إما على طريق التعجب من استخلاف الله من يعصيه، أو من عصيان الله من يستخلفه في أرضه وينعم عليه بذلك، وإما على طريق الإستعظام والإكبار؛ وذلك لأن الأرض كان فيها الجن قبل خلق آدم، فأفسدوا وسفكوا الدماء؛ فبعث الله إليهم إبلبيس في جندٍ من الملائكة فقتلهم وألحقهم بالبحار ورؤوس الجبال، فمن حينئذ دخلته العزة في قولهم : (أَتَجْعَلُ فِيْهَاْ) على جهة الاستفهام المحض.
قال سعيد بن الجبير: إنما سُمِى آدم؛ لأنه خُلِق من أديم الأرض، وإنما سُمِى إنساناً لأنه نسِىَ. ذكره بن سعد في الطبقات.
وفي قوله تعالى: (وَعَلَّمَ آَدَمَ الأَسْمَاْءَ كُلَّهَاْ)، قال القرطبي:أن أول من تكلم باللغات كلها من البشر آدم عليه السلام والقرآن يشهد له، قال تعالى (وَعَلَّمَ آَدَمَ الأَسْمَاْءَ كُلَّهَاْ) واللغات كلها أسماء آدم فهى داخله تحته، وبهذا جاءت السنة، قال ((وعلم آدم الأسماء كلها حتى القصعة والقصيعة)).
العبرة من خلق آدم: لم يكن خلق آدم من تراب، ثم تناسل ذريته من بعده أمراً عادياً طبيعياً.. إنما هو أمر هام، وخلق عظيم، فيه تجلت مظاهر القدرة الربانية، والعظمة الإلهية التي تقول للشئ كن فيكون، إنه أمر منتهى الإبداع والأعجاز، فإن أهل الأرض جميعاً لو اجتمعوا على خلق ذبابة أو بعوضة لما استطاعوا، فكيف بإنسان له عقل وسمع وبصر وإدراك!! فتبارك الله أحسن الخالقين.. إنها القدرة الإلهية الفائقة التي تخلق من العدم وجوداً، وتجعل من الضعف القوة، ومن السكون حركة، ومن الجماد حياة وروحاً، فإذا التراب يتحرك، والطين يتكلم، وإذا الجماد بشر يسوى في أجمل صورة وفي أحسن تقويم.. (وَمِنْ آيَاْتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَاْبٍ ثُمَّ إِذَاْ أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُوْنَ) هذا هو آدم وهذه هى ذريته، بل هذه قصته وقصة الخليقة أجمعين، مخلوق يخلقه الله من طين، ويملَّكها الوجود، ويجعل هذا الإنسان خليفة عن الله، فإذا عصيان أوامر الله، أليس عجباً أن ينكر وجود الله من لم يكن بالأمس شيئاً مذكوراً؟؟! أليس عجيباً أن يكفر بنعم الله من وجوده برهان على وجود الله؟؟! وصدق الله حيث يقول : (قُتِلَ اْلإنْسَاْنُ مَاْ أَكْفَرَهُ مِنْ أَىِّ شَئٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَرَهُ ثُمَّ الْسَّبِيْلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَاْ شَاْءَ أَنْشَرَهُ كَلا لَمَّا يَقْضِ مَاْ أَمَرَهُ)
يا عجباً ممن ينكر وجود الله، وكل ذرة في الكون ناطقة بوجوده!!.
يا عجباً ممن يغمض عينيه حتى لا يرى نور الشمس الساطع، ويصم أذنيه حتى لا يسمع صوت الكون الرائع!!.
وحقاً كما قال الله تعالى (فَإِنَّهَاْ لا تَعْمَىَ الأبْصَاْرُ وَلَكِنْ تَعْمَىَ القُلُوْبُ التِيْ فِيْ الصُدُوْرِ )
فيا عجبا كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد؟
ولله في كل تـحــريكة وتسكينة أبــدا شاهد
وفي كـــل شئ له آية تــدل على أنه الواحد
أفليست قصة آدم عليه السلام قصة عجيبة؟..أفليس وجود هذا الإنسان في هذا الكون يستدعي منه البصر والانتباه؟! أفليس خلقه من تراب وطين يستلزم منه الإيمان واليقين (فَلْيَنْظُرْ الإنْسَاْنُ مِمَاْ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاْءٍ دَاْفِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُلْبِ وَالتَّرَاْئِبِ إنَّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَاْدِرٌ)
فإليكم بعض العبر والعظات المستخلصة من قصة آدم أبو البشر:
أولاً: أن الله سبحانه وتعالى قد كرم هذا النوع البشري حين خلق آدم بيده، ونفخ فيه من روحه وأسجد له الملائكة، وجعله خليفة في الأرض، وهذا تكريم لآدم وذريته.
ثانياً: أنا الله تعالى قادر على كل شئ فقد يجعل من الأمر الحقير أمراً مهماً وعظيماً، فقد خلق آدم من تراب، ثم جعله بشراً سوياً، وأفاض عليه من أسرار قدرته وبدائع حكمته ما أهلاً للإستخلاف في الأرض، كما علّمه أسماء كل الأشياء مما عجزت عنه الملائكة الأطهار.
ثالثاً: إن على الإنسان أن يحذر مكائد الشيطان، فقد كان السبب في خروج أبينا آدم من الجنة، وعداوته قديمة منذ ظهور آدم (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌ فَاتَّخِذُوْهُ عَدُوَّاً) فلا ينبغي أن ننخدع بوساوس الشيطان اللعين فهو حرب علينا إلى يوم الدين.
رابعاً: إن الإنسان مجبول على الخطأ، معرّض للنسيان؛ لأنه خلق من ضعف وما وقعت مخالفة آدم لأمر الله إلا بسبب ذلك الضعف البشري حيث استجاب لنداء اللعين إبليس ونسى أمر الله.
خامساً: على الإنسان ألا يقنط من رحمة الله، ولا ييأس من عفوه فيما إذا وقع في خطيئة وحصلت من سقطة أو ألمّ بذنب، فقد علمنا الله كيف نتوب إليه، وكيف نتخلص من الذنوب والآثام (فَتَلَقَّىَ آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاْتٍ فَتَاْبَ عَلَيِهِ إِنَّـهُ هُوَ التَّوَابُ الرَّحِيْمُ
ساحة النقاش