باب صحبة السلطان وآدابها وتغير السلطان وتلوّنه
حدّثني محمد بن عبيد قال: حدثنا أبو أسامة عن مجالد عن الشّعبي عن عبد الله بن عباس قال: قال لي أبي: «يا بنيّ إني أرى أمير المؤمنين يستخليك «1» ويستشيرك ويقدّمك على الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني أوصيك بخلال أربع: لا تفشينّ له سرا، ولا يجرّبنّ عليك كذبا، ولا تغتابنّ عنده أحدا، ولا تطو عنه نصيحة» قال الشّعبي: قلت لابن عباس: كل واحدة خير من ألف. قال: إي والله ومن عشرة آلاف.
كان يقال: «إذا جعلك السلطان أخا فاجعله أبا، وإن زادك فزده» .
قال زياد لابنه: «إذا دخلت على أمير المؤمنين فادع له ثم اصفح صفحا جميلا، ولا يرينّ منك تهالكا عليه ولا انقباضا عنه» .
قال مسلم بن عمرو: «ينبغي لمن خدم السلاطين ألا يغترّ بهم إذا رضوا عنه ولا يتغير لهم إذا سخطوا عليه ولا يستثقل ما حمّلوه ولا يلحف في مسألتهم .
وقرأت في كتاب للهند: «صحبة السلطان علي ما فيها من العز والثروة عظيمة الخطار، وإنما تشبّه بالجبل الوعر فيه الثمار الطيبة والسّباع العادية، فالإرتقاء إليه شديد والمقام فيه أشدّ، وليس يتكافأ خير السلطان وشره لأنّ خير السلطان لا يعدو مزيد الحال، وشر السلطان قد يزيل الحال ويتلف النفوس التي لها طلب المزيد، ولا خير في الشيء الذي في سلامته مال وجاه وفي نكبته الجائحة «1» والتلف» .
وقرأت فيه: «من لزم باب السلطان بصبر جميل وكظم للغيظ واطّراح للأنفة، وصل إلى حاجته» .
وقرأت فيه: «السلطان لا يتوخّى بكرامته الأفضل فالأفضل ولكن الأدنى فالأدنى كالكرم لا يتعلق بأكرم الشجر ولكن بأدناها منه» .
وكانت العرب تقول: «إذا لم تكن من قربان الأمير فكن من بعدانه» .
وقرأت في آداب ابن المقفع: «لا تكوننّ صحبتك للسلطان إلا بعد رياضة منك لنفسك على طاعتهم في المكروه عندك وموافقتهم فيما خالفك وتقدير الأمور على أهوائهم دون هواك، فإن كنت حافظا إذا ولّوك، حذرا إذا قربوك، أمينا إذا ائتمنوك، تعلّمهم وكأنك تتعلم منهم، وتؤدّبهم وكأنك تتأدب بهم، وتشكر لهم ولا تكلّفهم الشكر، ذليلا إن صرموك، راضيا إن أسخطوك، وإلا فالبعد منهم كلّ البعد والحذر منهم كلّ الحذر. وإن وجدت عن السلطان وصحبته غنى فاستغن به فإنه من يخدم السلطان بحقّه يحل بينه وبين لذة الدنيا وعمل الآخرة، ومن يخدمه بغير حقه يحتمل الفضيحة في الدنيا والوزر في الآخرة» .
وقال: «إذا صحبت السلطان فعليك بطول الملازمة في غير طول ما فيها من العز والثروةالمعاتبة، وإذا نزلت منه منزلة الثقة فاعزل عنه كلام الملق ولا تكثرنّ له في الدعاء إلا أن تكلمه على رؤوس الناس ولا يكوننّ طلبك ما عنده بالمسألة ولا تستبطئنّه إن أبطأ. أطلبه بالاستحقاق ولا تخبرنّه أنّ لك عليه حقا وأنك تعتدّ عليه ببلاء. وإن استطعت ألا ينسى حقّك وبلاءك بتجديد النّصح والاجتهاد فافعل. ولا تعطينّه المجهود كله في أوّل صحبتك له فلا تجد موضعا للمزيد ولكن دع للمزيد موضعا. وإذا سأل غيرك فلا تكن المجيب. واعلم أن استلابك للكلام خفّة بك واستخفاف منك بالسائل والمسؤول. فما أنت قائل إن قال لك السائل: ما إياك سألت، وقال لك المسؤول: أجب أيها المعجب بنفسه المستخفّ بسلطانه؟» .
وقال: «مثل صاحب السلطان مثل راكب الأسد يهابه الناس وهو لمركبه أهيب» .
وقال عبد الملك بن صالح لمؤدّب ولده بعد أن اختصّه لمجالسته ومحادثته: «كن على التماس الحظ بالسكوت أحرص منك على التماسه بالكلام فإنهم قالوا: إذا أعجبك الكلام فاصمت وإذا أعجبك الصمت فتكلم.