<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
كلمة إلى النواب الجدد
إن المصريين اليوم بعد عدة عقود عجاف من القهر والتسلط والتزوير والغش يرسمون صورة مضيئة للبرلمان الجديد الذي وصلنا إليه ونفاخر به، بل ونباهي به أكثر الدول ديمقراطية ونزاهة، إنه البرلمان الحر، البرلمان النزيه، البرلمان الذي يعقد عليه كل المصريين آمالاً كبارًا للخروج بمصر إلى بر الأمان والاستقرار والحرية والازدهار.
فقد عشنا انتخابات برلمانية عديدة، ولكننا في معظم الأحيان لم نكن نهتم بها أو نأبه لها، لأننا اعتدنا على أنها تقوم على الغش والخداع والتزوير وشراء الذمم والضمائر وعدم احترام رأي الناخب، بل إن رأيه لم يكن له أي تأثير على نتائج هذه الانتخابات، حيث كانت هذه النتائج توجَّه في الاتجاه الذي تريده السلطة الفاسدة وإن خالفت في ذلك رأي كل المصريين الذين لم تكن الدولة تشعر – أصلاً – بوجودهم ولا تحترم رأيهم، وقد أدى استمراء هذا النهج إلى إصابة الجمهرة العظمى من المصريين بالسلبية السياسية، وانعدام الشعور بحب الوطن والانتماء إليه.
لكن الشخصية المصرية فاجأتنا في هذه الانتخابات البرلمانية وهي تنفض عن نفسها غبار الغفلة والسلبية وتعود إلى أصلها ومعدنها الأصيل وتثبت للعالم كله أن المصريين دائمًا يصنعون التاريخ، وأنهم أصحاب الإنجازات في كل المجالات، فتكاتف جميع الغيورين على وطنهم ليرسموا صورة جديدة للانتخابات البرلمانية، ويجعلوا منها مفخرة وشرفًا يطوِّق عنق كل المصريين، ليس في مصر وحدها، بل في كل دول العالم، فكانت – بحق - انتخابات حرة نزيهة شريفة، تليق بمصر ومكانتها وأهلها جميعًا.
وقد وصلنا إلى هذه الصورة المضيئة عندما كان كل المرشحين على قدر المسئولية والواجب الوطني، وحرصوا على تغليب المصلحة العامة للوطن والمواطنين على المصلحة الخاصة أو الشخصية.
النائب الذي نريده:
وهنا يأتي دور النائب الذي اختاره الناس وعولوا عليه ووثقوا فيه، ورأوه أهلاً لهذا المكان، كما رأوا فيه المؤهلات التي تمكنه من تحقيق الدور المنوط به، وهو الدفاع عن حقوقهم وتحقيق آمالهم وصيانة وطنهم وحمايته، لذا وجب على كل نواب المجلس أن يكونوا عند حسن ظن ناخبيهم، وألا يخونوا الثقة التي منحها الشعب لهم، وبالجملة يجب أن يكونوا إيجابيين داخل البرلمان.
وإذا كان المجلس قد بدأ فعالياته فقد رأينا أن نتوجه إلى النواب الجدد بهذا الحديث المهم من قبيل تقديم النصيحة إليهم، فنحن لا نريد نائبًا يبحث عن مزايا المجلس وما يمكن أن يحصِّله من مكاسب مادية أو معنوية من وراء دخوله البرلمان.
وإنما نريد نائبًا يشعر أن دخوله البرلمان أمانة في عنقه وعهد بينه وبين مَن اختاروه وأعطوه أصواتهم ليجعل مصلحة البلاد والعباد مقدمة على كل الأهواء والأغراض الشخصية، فيستشعر قول الله تعالى: ((إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُم أَن تُؤَدُوا الأَمَانَاتِ إلى أَهْلِها)) (سورة النساء، من الآية رقم 58)، وقوله سبحانه: ((يَا أَيُّهَا الذينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بالعُقُودِ)) (سورة المائدة، من الآية رقم 1)، ويضع نُصب عينيه قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)) (متفق عليه).
نريد نائبًا يجيد الاستماع والفهم لحاجات الناس والوطن، ولا نريد نائبًا يجيد الكلام ويُنمِّقه ولا يعرف العمل والتنفيذ، فقد قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: ((إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان)). (أخرجه ابن حبان، والطبراني في "الكبير"، والبزار، عن عمران بن حصين، والألباني في صحيح الجامع، حديث رقم 1554).
نريد نائبًا يدرك أنه خادم لهذا الشعب ومسئول عن مصالحه؛ لأنه لم يدخل البرلمان إلا بأصوات هذا الشعب، وأن خدمته لأهل دائرته ليست منة منه وإنما هذا هو واجبه وتلك هي مسئوليته، وليتنا نغير ثقافتنا فلا نفهم من كلمة ((خادم)) معاني التنقيص والتقليل من الشأن أو الإهانة، بل نفهم منها معاني المسئولية والشرف وحب الآخرين، وقد علمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم فقال: ((خادم القوم سيدهم))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ لِلَّهِ عَبَّادًا اخْتَصَّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ، يُقِرُّهُمْ فِيهَا مَا بَذَلُوهَا، فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا مِنْهُمْ فَحَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ)). أخرجه ابن أبى الدنيا في قضاء الحوائج (1/24، رقم 5)، والطبراني في الأوسط (5/228، رقم 5162)، وأبو نعيم في الحلية (6/115)، والخطيب (9/459)، وحسَّنه الألباني (صحيح الجامع، رقم 2164).
نريد نائبًا لا يتعالى على أفراد الشعب ولا يتكبر عليهم ولا يرى نفسه فوقهم، أو يرى نفسه شخصًا مهمًّا وباقي مَن حوله من الناس لا أهمية لهم، يعيش في برج عاجي وينسى أن هذا الشعب هو الذي صنعه وجعل منه شخصية مسئولة، فيكون ناكرًا للجميل، وهذا ديدن اللئام.
نريد نوابًا إيجابيين في تحقيق مطالب الناس ورعاية مصالحهم والرأفة بهم ومراعاة أحوالهم وتحسين أوضاعهم، فهم شعب صابر مثابر يستحق التضحية والخدمة، بل يستحق كل خير.
إيجابيين في التصدي لكل ما من شأنه أن يهدر كرامة الوطن، أو يخرِّب اقتصاده، أو يهدد ثوابته وقيمه، أو يغير هويته الإسلامية، أو يتعارض مع أصول شريعتنا الغراء وثوابتها.
يجب أن يكون نواب البرلمان ذوي أعين مفتوحة وقلوب واعية وضمائر حية لمراقبة كل التصرفات والإجراءات داخل البرلمان، فلا تنطلي عليهم حيل المتحايلين، ولا ادعاءات المنافقين، ولا معسول كلام الشياطين، وأن يضعوا نُصب أعينهم قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: ((لا تكونوا إمعةً، تقولون إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا)). (رواه الترمذي من حديث حذيفة بن اليمان).
إيجابيين في النقاش والمناقشة والمواجهة، لذا يجب أن يتحلوا بعلو الهمة وترك سفاسف الأمور وصغيرها، فهم مسئولون عن وطن بأكمله، وليسوا مسئولين عن مصلحة شخصية أو غرض ذاتي.
تجنب الظواهر السلبية داخل البرلمان:
نريد برلمانًا جديدًا يتخلى عن كل الظواهر السلبية التي سئمنا منها سابقًا، لا نريد نائبًا مهمته الأولى والأخيرة النوم داخل قاعة البرلمان، وكأن الشعب استأجر له ((سويتًا)) في أفخم فنادق مصر المحروسة ليستجم ويستريح، وآخر ما يفكر فيه هي مصلحة مَن ائتمنوه على هذا المنصب ورشحوه لهذا البرلمان.
لا نريد نائبًا يحمل معه إلى قاعة البرلمان ((المسليات)) بأشكالها المختلفة ليقتل الوقت الممل داخل جلسات البرلمان؛ لأنه لا يشعر بالمسئولية ولا بالأمانة الملقاة على عاتقه.
نريد نوابًا يحسنون التحاور بلغة راقية تتناسب مع وقار المنصب وأهميته، نوابًا يحترم كل واحد منهم رأي الآخرين وإن خالف رأيه، فإن أحدًا منا لا يمكن أن يدعي العصمة لنفسه، أو يدعي أن معه الحق المطلق، وفي النهاية يجب أن يكون هدف الجميع مصلحة البلاد والعباد.
يجب أن ندرك أننا من خلال هذا البرلمان الجديد نجني أولى ثمار الثورة المباركة، فأصبح عندنا (برلمان الشعب) وليس (برلمان الحكومة)، ليعبر تعبيرًا حقيقيًّا عن الشعب، ويسعى إلى تحقيق مطالبه وآماله، بل يسعى لتخفيف مشاكله وأوجاعه، لننجح في اجتياز المرحلة الانتقالية الصعبة التي نعيشها الآن، ونكمل بقية الخطوات نحو الدولة الديمقراطية التي يتمناها كل المصريين، لذا وجب على الجميع أن يكونوا عند مستوى الحدث الكبير الذي نعقد عليه الكثير من الآمال والطموحات، ونسأل الله أن يلهمنا الصواب والرشاد وأن يحقق آمال البلاد والعباد، إنه – سبحانه - كريم جواد.
د/ محمد علي دبور
كلية دار العلوم – جامعة القاهرة
وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
ساحة النقاش