لماذا لا نُحْسِن إدارة الثورة؟

إن أحداث الثورة وما يدور حولنا يُشْعرنا جميعًا بالحيرة والعجب في آنٍ واحد مما وصلت إليه أحوال الثورة والثوار خلال الفترة السابقة، وأنا أقدِّر تمامًا الفترة الطويلة التي عشناها في ظلم وكبت وصمت إلى أن مَنَّ الله علينا فكشف عنا ما كنا فيه من ظلم واضطهاد وإهانات، وتنسمنا رياح الحرية، وأصبحت لدينا القدرة على التعبير عن آرائنا وأفكارنا دون خوف من بطش أو تنكيل أو إلقاء في غياهب السجون.

نعمة كبيرة تلك الحرية التي نعيشها الآن، ومن واجبنا أن نحافظ عليها، وأن نشكر الله عليها، وشكرها يكون بحسن استغلالها وحسن إدارتها، ولكن الذي نراه ونتابعه اليوم يشير إلى أننا لا نحسن استغلال الفرصة، ولا نحسن إدارة الثورة، فأغلب التصرفات والإجراءات يحكمها التخبط والعشوائية، ومعظم القرارات ردود أفعال، ولا توجد رؤية مستقبلية لما هو آتٍ من أحداث، ولما يجب علينا أن نفعله خلال الفترة القادمة والحاسمة من تاريخ بلدنا الحبيب.

والتحليل المتأني للأحداث يشير إلى اختلاف الكلمة وتفرق الآراء، فضلاً عن الذاتية والفردية التي تغلب على معظم القوى الوطنية والسياسية، فكل فصيل يرى أنه صاحب الثورة، وأنه وحده الذي يحسن التفكير والتخطيط لها، أضف إلى ذلك ارتفاع نبرات التخوين والتفتيش في الضمائر والنوايا التي لا يعلمها إلا الله، والاتهام بحمل أجندات خارجية، إلى غير ذلك من المصطلحات التي كانت نتيجة طبيعية للتفرق والتشرذم واختلاف الكلمة.

كما لا نستطيع أن نغفل العداء الواضح بين مختلف القوى والتيارات، فكيف لثورة في مثل هذه الأجواء أن تنجح أو تؤتي ثمارها المرجوة، إن هذه الاختلافات وهذا الشتات لن يفيد إلا أعداء هذا الوطن داخليًّا وخارجيًّا إن لم نتوقف لحظات مع أنفسنا لنقيِّم ما قمنا به وما نقوم به، ونقيِّم قبل كل شيء أنفسنا، وهل – فعلاً – نحن مخلصون لهذا الوطن، ونرجو له الاستقرار والتقدم بعيدًا عن المصلحة الشخصية والأنانية والذاتية.

أولاً:  تعدد الائتلافات:

أول مظهر من مظاهر التفرق والتشرذم هو تعدد الائتلافات، وربما البعض يرى أن تعددها ظاهرة صحية وإيجابية، وأنا مع هذا الرأي إذا كانت هذه الائتلافات تسعى – فعلاً – إلى إيجاد رؤية مستقبلية للخروج بمصر إلى بر الأمان، ولكن – للأسف – نشعر أن كل ائتلاف يقوم نكاية في الائتلاف الآخر، وأن كل خمسة أشخاص يكونون ائتلافًا ويدَّعون أنهم يمثلون الثورة، فأي الائتلافات نصدق؟ وأي الائتلافات ندعم؟ وكيف يتعامل المجلس العسكري مع كل هذا الشتات وتلك الائتلافات؟

ثانيًا:  فشل جلسات الحوار الوطني أو الوفاق الوطني:

 هذا مظهر آخر لحالة التفرق واختلاف الكلمة التي يعاني منها المصريون، ولا شك أن فشل هذه الجلسات في التوصل إلى صيغة توافقية للخروج بمصر من مأزقها والمساعدة على نجاح الثورة وتحقيق أهدافها هو بسبب ما ذكرناه آنفًا من التركيز على المصلحة الشخصية والأنانية وانعدام الثقة، ومع ذلك فلا أنكر أن في هذه الجلسات بعض القوى المخلصة التي تسعى – فعلاً – إلى تحقيق أفضل الأهداف للثورة، ولكن إن لم يتسم الجميع بالإخلاص والصدق والشفافية فلن يصلوا إلى أرضية مشتركة تجمعهم على رأي واحد وهدف واحد.

ثالثًا: المنصات المتعادية:

شكل آخر من أشكال العداء والتحارب هو تلكم المنصات المنصوبة في ميدان التحرير بنظام (اللي يلحق)، هذه المنصات يتبادل أصحابها السباب والشتائم والاتهامات، ويظن صاحب كل منصة أنه صاحب الثورة، والمتحدث باسم الثورة والثوار، وأنه أولى الناس بالكلام دون الآخرين في مهزلة سياسية لا أعتقد أنها تكررت في أكثر الدول حولنا تخلفًا، فإلى متى نتقاذف الاتهامات؟ وإلى متى نظل على نرجسيتنا في التعامل مع هذا الحدث الكبير في تاريخ مصرنا الحبيبة.

رابعًا: الثورة بين روكسي والتحرير:

مظهر جديد للتفرق والاختلاف، وجود عدد من الثوار في ميدان روكسي وعدد آخر منهم في ميدان التحرير، والعجيب أن كل طرف يدعي أنه يمثل الأغلبية وأنه من مؤيدي المجلس العسكري، وكل ما رفعته مجموعة روكسي من شعارات لا تختلف – في رأيي ورأي المتابعين – عن شعارات ميدان التحرير، فلماذا الاختلاف؟ ولماذا التفرق؟ لمصلحة مَن يكون هذا التفكك والتبعثر؟

خامسًا: دعوة للتوحد والتآلف:

أنا أدرك تمامًا أن هناك اتجاهات كثيرة، ليبرالية أو يسارية أو إسلامية، وكل اتجاه – لا شك – يتمسك بمبادئه وآرائه وأفكاره وخطته للتغيير، لكن السؤال الآن: هل يصعب على هذه الاتجاهات أن تكون على مستوى الحدث وأن تجد أرضية مشتركة، أو تضع مجموعة من الأهداف المشتركة التي يتوافق عليها الجميع، ويسعى الجميع إلى تحقيقها، تاركين وراءهم الخلافات الشخصية والاختلافات الأيديولوجية؛ لأننا في ظرف لا يحتمل التناحر والتخاصم والتخوين.

وأعتقد – من وجهة نظري – أن هناك الكثير والكثير من الأهداف التي لا يختلف عليها أحد، ومن الممكن أن تكون وسيلة لتجميع القوى الوطنية والسياسية إذا كان رأسُ الأهداف إنقاذَ مصر والخروجَ بها إلى بر الأمان.

فعلى كل القوى الوطنية والسياسية المخلصة البحث عن صيغة توافقية تُرضي الجميع للعمل في خندق واحد من أجل بلدنا، وعلى هذه القوى ألا تسمح للمثبطين والمنتفعين بالفساد – وهم موجودون في كل مجتمع – ألا يعيدوا عقارب الساعة إلى الوراء، ولا يعطوهم الفرصة لإجهاض كل محاولة للتقدم والتوحد، فالخلافات والانقسامات هي التي تعطي الفرصة لأمثال هؤلاء للاصطياد في الماء العكر، وتكريس شعارات الفتنة والفرقة بين أبناء الوطن الواحد. 

سادسًا: ما يجب علينا أن نفعله:

إن ما يجب علينا أن نفعله ونلتف حوله يتركز في النقاط التالية:

1-   ضرورة الاتفاق على أجندة موحدة تحقق أهداف الثورة، وتُرضي طموح المصريين.

2-   الوقوف إلى جانب المجلس العسكري لحماية الثورة والثوار والانتقال بمصر إلى بر الأمان والديمقراطية.

3-   مساعدة رئيس الوزراء علي أداء مهامه، وحمايته من ضغوط المجلس العسكري – إن وجدت – والابتعاد عن نبرات التهديد والإبعاد له أو لغيره.

4-   التخلص من المصطلحات الاتهامية دون دليل؛ لأنها تثير الفرقة والاختلاف بين أبناء الوطن الواحد، ولا تصب في صالح المصريين.

5-   احترام الإرادة الشعبية التي وافقت على التعديلات الدستورية، والتصدي لكل محاولات الالتفاف عليها؛ لأن إهدار هذه الإرادة سيعود بنا إلى المربع صفر، وسيؤدي إلى عودة روح انعدام الثقة بين الجيش والشعب، أو بين الشعب والقوى الوطنية والسياسية.

6-    الحرص والمحافظة على ما تم تحقيقه من إنجازات الثورة، وعدم الإصغاء لصيحات التيئيس بأننا لم نحقق شيئًا من أهدافها؛ فهذه الصيحات السلبية من شأنها أن تؤدي إلى انهيار الروح المعنوية لدى جموع الشعب، أو تؤدي إلى كراهية الثورة نفسها.

7-   ضرورة بناء جسور من الثقة والشفافية بين مختلف القوى الوطنية والسياسية والابتعاد عن مصطلحات التخوين والاتهام.

8-   التصدي للمحاولات الإعلامية الغادرة والمأجورة التي تحاول إفشال الثورة والقضاء عليها، وفي الوقت نفسه الوقوف إلى جانب الإعلام الإيجابي المحايد الذي يرسخ لمفاهيم الثقة والوحدة بين أبناء مصر، ويساعد الثورة على تحقيق أفضل الأهداف المنشودة.

9-   عند اختيار شخصيات في مناصب محددة، يجب علينا أن نتجنب الاختيار على أساس الشهرة أو الوجاهة أو الميل العاطفي أو القرابة، وإنما يجب أن يكون الاختيار على أساس الكفاءة والقدرة على الأداء والإنجاز.

10-                   الوقوف صفًّا واحدًا ضد كل أشكال التعصب والعنصرية والطائفية؛ لأننا لن ننجح في مهمتنا، ولن نحقق أهدافنا إلا إذا كنا جميعًا على قلب رجل واحد، وأصحاب هدف واحد هو: تحقيق التقدم والازدهار والاستقرار لمصرنا الحبيبة.

وأخيرًا أتمنى أن تجد هذه الكلمات آذانًا مصغية، وقلوبًا واعية، ونفوسًا صافية، وأفئدة مخلصة؛ لنحقق ما نصبو إليه من الخير والاستقرار لأهلنا وبلادنا.

د. محمد علي دبور

كلية دار العلوم – جامعة القاهرة

[email protected]

المصدر: مقال شخصي

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

79,197