لعل من أخطر المشكلات التي تصيب الفرد وتكون نتيجتها المباشرة على الأسرة والمجتمع ككل هي مشكلة إدمان المخدرات، ومجتمعنا للأسف يعنى وبشدة من هذه المشكلة، وقد حاولت الجهات المسؤولة تدارك هذا الخطر حتى لا يتفشى في المجتمع أكثر مما هو عليه فأطلقت مشروع غراس، وهو كما جاء في تعريفه مشروع توعوي طويل الأمد يهدف إلى تعزيز منظومة القيم المرتبطة بمقاومة قضية المخدرات عبر حملات إعلامية وإعلانية مصممة بشكل علمي مدروس .
المشروع نقلة نوعية كونه تحالفا وشراكة بين مؤسسات حكومية وأهلية وقطاعا خاصا التقت إرادتها جميعا على ضرورة تنسيق جهودها لمواجهة آفة المخدرات, كما يعتبر نتاج شراكة إستراتيجية بين عدة جهات ومؤسسات مهتمة بالشأن الاجتماعي ففي يوم 18 من شهر أكتوبر لعام ألف وتسعمائة وتسع وتسعين التقت إرادة مجموعة من المؤسسات الوطنية على توقيع بروتوكول التعاون الإعلامي للوقاية من المخدرات ليكون هذا وعاءً ماليا يضمن استمرارية الإنفاق على هذا المشروع الوقائي .
وقد وضع القائمون على المشروع لهم هدفا استراتيجيا هو «بناء سور قيمي يحول دون انخراط ضحايا جدد في شباك المخدرات، وذلك من خلال غرس القيم الايجابية ذات العلاقة بالمخدرات لإحداث التغيير السلوكي» وقد نظم المشروع عدة حملات توعوية بدأت بحملة (أنا هدية ماني أذية) وتبعتها حملة (أنا أمانة ماني مهانة) ثم (أنا ما أدخن...هذا قراري) و(يمه بصراحة وجودك راحة) و(اللمة في رمضان عساها تدوم) و(الهواية حماية) و(الصاحب ساحب) و(المخدرات ذبحت ولدي...ولدج لحقي عليه) و(تكفون افهموني) و(يبه أمانة خلك ويانا) و(شاورهم... هاديهم) و(ما أجمل الحياة بدون مخدرات) وأخيرا (وأنا بعد وياكم) .
ورغم هذا الجهد فإن آفة المخدرات لا تزال تتغلغل بشكل سريع في مجتمعنا وقد يكون من أسباب ذلك انفتاح الكويت على العالم والتركيبة السكانية غير المتناسقة والأوضاع السياسية غير المستقرة في المنطقة إلى جانب الوفرة المالية، وقد لا أكون مبالغا إذا ما قلت إن حالات التأزيم والشد السياسي وانشغال المؤسستين التشريعية والتنفيذية في إدارة صراع سلبي جر البلد للخلف وبث روح الملل والضياع بين كثير من أفراده، هذا بالإضافة لانشغال كثير من رجال الدين عن هذا الموضوع بأمور صغيرة إذا ما قيست بكارثة المخدرات، هذا بالإضافة للدور السلبي لكثير من الأسر، وكل هذه الأسباب وغيرها الكثير جعلت من الكويت سوقا مستهدفا من قبل تجار السموم .
ففي تغطيتها للمحاضرة التوعوية التي نظمتها الإدارة العامة للمخدرات في مدرسة سلمى بن قيس المتوسطة للبنين نقلت جريدة الشاهد عن الدكتور عايد الحميدان خبير المخدرات والمؤثرات العقلية «أن عدد القضايا التي ضبطت خلال العام 2009 وصل إلى 183 قضية اتجار و84 قضية جلب مخدرات و688 قضية حيازة وتعاط و44 حالة وفاة بسبب الجرعة الزائدة»، وهذه الأرقام مرعبة بكل ما للكلمة من معنى، ليس لأنها جاءت بعد عشر سنوات من انطلاق حملة غراس فقط ولكن لأن ما لم يتمكن رجال مكافحة المخدرات ورجال الجمارك من الكشف عنه والوصول إليه رغم جهودهم الواضحة والمشكورة قد يكون في أحسن الأحوال ضعف الأرقام المنشورة، لأن لتجار الموت إبداعاتهم التي لا تتوقف في إيجاد طرق ووسائل مخادعة تمكنهم من إدخال هذه السموم للبلاد وتوزيعها بين الشباب الكويتي بجنسيه حتى أنها وصلت لأيدي طلبة وطالبات المدارس، ولا أظن بأن الخطر سينحصر ما لم نتناول جرعة زائدة من الانتباه واليقظة والإخلاص في العمل كل منا في مجاله، لأن «إذا فات الفوت ما عاد ينفع الصوت .