دروس من الحياة

الدرس الأول :  ( العفو والتسامح ) أنت وكيس البطاطا

عزيزي القارئ :  سأصحبك خلال هذه السطور في رحلة عبر الحياة نستخلص منها العبر والفوائد من قصص واقعية أو خيالية ترتبط بالحياة .

عزيزي القارئ : سنظل نتعلم طوال حياتنا: منذ لحظة ميلادنا  نلتحق بمدرسة لا تغلق أبوابها تدعى الحياة  نتعلم فيها كل يوم دروس جديدة قد نعشقها أو نمقتها لكن لا غنى لنا  عنها في مشوار حياتنا .

وموعدنا اليوم مع (  كيس البطاطا ) !!!! لا تتعجب عزيزي القارئ وتعال معي نبحر في قارب من قوارب الحياة نحو شاطئ العفو والتسامح من خلال كيس البطاطا

فقد قررت إحدى المعلمات أن تجعل الأطفال يلعبون لعبة لمدة أسبوع واحد.! فطلبت من كل طفل أن يحضر كيسا فيه عدد من حبات البطاطا وعليه أن يطلق على كل واحدة من هذه الحبات اسم شخص" يكرهه "
وفي اليوم الموعود أحضر كل طفل كيسا وفيه البطاطا الموسومة بأسماء الأشخاص الذين يكرهونهم , والطريف في الأمر أن بعضهم أحضر معه حبة واحدة وآخرين أحضروا اثنتين ومنهم من أحضر كيسه مملوءاً وهكذا.. . عندئذ أخبرتهم المعلمة  بشروط اللعبة وهي : أن يحمل كل طفل كيس البطاطا معه أينما يذهب لمدة أسبوع واحد فقط.
وبمرور الأيام بدأ الأطفال يشعرون برائحة كريهة تخرج من أكياسهم ، فزاد عبء ثقل الكيس بالرائحة الكريهة !! وطبعا كلما كان عدد البطاطا أكبر فالرائحة ستكون أكثر والكيس سيصبح أثقل...!!

بعد مرور أسبوع فرح الأطفال لأن اللعبة انتهت وسألتهم معلمتهم  عن شعورهم وإحساسهم أثناء حمل كيس البطاطا لمدة أسبوع ، فبدأ الأطفال يشتكون من المصاعب التي واجهتهم أثناء حمل الكيس الثقيل ذو الرائحة النتنة أينما ذهبوا ، ثم بعد ذلك شرحت لهم المغزى من هذه اللعبة .
فقد قالت لهم معلمتهم : هذا الوضع هو بالضبط ما تحمله من كراهية لشخص ما في قلبك !! فالكراهية ستلوث قلبك وتجعلك تحمل الكراهية معك أينما ذهبت!! فإذا لم تستطيعوا تحمل رائحة البطاطا لمدة أسبوع فهل تتخيلون ما تحملونه في قلوبكم من كراهية طول عمركم.

الفكرة تمحورت حول كيس من البطاطا جعلته صاحبة الفكرة كيسا مليئا بالتجربة النافعة لعقول أولئك الأطفال الذين قد لا يستوعبون الأسلوب الكلامي عن أهمية العفو والصفح عن الآخرين
فكم منا من  يحمل أكياسا من البطاطا طوال حياته تنغص عليه حياته وتكدر صفو عيشه إلى أولئك أقول ألق كيس البطاطا من على ظهرك وتزين بالعفو والسماحة فمن أعظم الأخلاق رفعة العفو عند المقدرة , وهذه عبادة مهجورة , وهي من صفات الله وأسمائه الحسنى فهو سبحانه : العفو القدير أي: يعفو بعد مقدرته على الأخذ بالذنب والعقوبة على المعصية فالعفو بدون مقدرة قد يكون عجزاً وقهراً , ولكن العفو مع المقدرة والانتقام فلا شك أنه صفة عظيمة لله فيها الكمال فهو سبحانه يحب العفو , ويحب أن يرى عبده يعفو عن الناس

بشرى عظيمة : وقد بشر الرسول صلى الله وسلم عليه رجلا بالجنة في ثلاثة أيام متتالية

وليس له زيادة صلاة ولا زيادة صيام ولا زيادة صدقة , وهو لا يتنفل بالقيام كثيرا ولا بالصلاة كثيرا ولكنه بشر بالجنة وهو يسمع فلما تقصى ابن عمر رضي الله عنه ذلك وجد أنه لا ينام حتى يعفو عن الناس كلهم يقول : اللهم إني قد تصدقت بعرضي على الناس وعفوت عمن ظلمني

لهذا عود نفسك أخي المسلم كل ليلة علي الدعاء بمثل  هذا الدعاء :  

اللهم أيما عبد أو أمة من أمه محمد صلي الله عليه وسلم يحبني ويدعو لي فأسألك  له الفردوس الأعلي وأيما عبد أو أمة من أمة محمد عليه صلي الله عليه وسلم ظلمني أو  اغتابني أو بهتني أو قال في ما ليس في فإني قد عفوت عنه وتركتها له

فالمسلم يكون هينا لينا سمحا تقيا , سهلا عفوا قريبا إلى الناس , متوددا إليهم , باذلا لهم , ناصحا لهم ملتمسا لهم الأعذار في جميع تصرفاتهم نحوه , ويقول إذا صدر منهم ما يغضبه: هذا من الشيطان وليس منهم بل الشيطان هو الذي نزغ بهم وهو الذي شجعهم على ذلك

ومن حاول أن يربي نفسه على هذه العبادة عاش مستريحاً , ينام ويستيقظ وهو في راحة

العفو عن الناس ليس تفضلا منك وإنما هو تذلل وخضوع منك لله عسى بعفوك عن أخيك أن يعفو الله عنك  يقول الإمام ابن القيم : يا ابن ادم .. إن بينك وبين الله خطايا وذنوب لايعلمها إلا هو , وإنك تحب أن يغفرها لك الله فإذا أحببت أن يغفرها لك فاغفر أنت لعباده , وإن أحببت أن يعفوها عنك فاعف أنت عن عباده

 فأنما الجزاء من جنس العمل ... تعفو هنا يعفو هناك , تنتقم هنا ينتقم هناك تطالب بالحق هنا يطالب بالحق هناك  ويقول تعالى :

(وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )

ويكفيك فخرا أنك تطيع ربك يقول تعالى :  

 ( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) 

   والعفو طريق العزة : يقول النبى صلى الله عليه و سلم

وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله

عزيزي القارئ ها قد وصلنا لشاطئ من شواطئ الحياة وهو شاطئ العفو والتسامح وعدم الكراهية فلنلق بكيس البطاطا نهائيا إلى غير رجعة ليعفو الله عنا وليحبنا الله وليسامحنا الله

 

 

 





 

 

 

 

mohamedsaif

فإما سطور تضيء الطريق - وإما رحيل يريح القلم

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1039 مشاهدة
نشرت فى 23 إبريل 2012 بواسطة mohamedsaif

محمد سيف الدين الشوربجي

mohamedsaif
[email protected] مدرسة الحياة موقع يجمع حكم وخبرات من الحياة فالحياة مدرسة نتعلم فيها الكثير »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

181,643

تلاوة رائعة