كتب: دكتور/ كامل حمدي عبد الكريم

 إن هدف أي أب منا هو رؤيته لأبنائه سعداء في دنياهم ، وإعدادهم للسعادة الأبدية في أخراهم ، وهو هدف عزيز وصعب ؛ لكنه ليس مستحيلَ التحقيق ، فبالصبر والإرادة ، ومن قبل بالدعاء والاستعانة بالله تعالى ثم الأخذ بالأسباب  نَسعدُ – نحن الآباءَ – بتحقيقه .
والأب الواعي يسلك معي هذه الخطوات ابتغاء تحقيق هذا الهدف الغالي :

أولاً : الحب الكافي :
  أن تكون علاقة الأب الواعي مفعمة بالحب الفطري النابع من مشاعر الوالدية ، ولا يملْ الأبُ من التعبير عن هذا الحب لأبنائه تصريحاً أو تلميحاً ، وهذا من شأنه إشباع هذه العاطفة الأساسية في نفوس الأبناء ، فتُضافُ علاقة أساسية أيضاً إلى علاقات الأبوة والبنوة هي علاقة الصداقة ، وينشأ من امتزاج العلاقتين الأساسيتين علاقة جديدة نادرة رائعة جامعة لخير عظيم ومانعة من شرور خطيرة ، ألا وهي الأب الصديق والابن الصديق ، فإذا تكلم الابن أنصت الوالد مصغياً بكل مشاعره ، وإذا اشتكى سارع الأب يداوي مواجعه ، وإذا سأل عن أمر يحيره وجد الجواب الكافي الشافي يُقنع عقله ويُشبع فكره ، فيرتبط الابنُ بأبيه صديقاً مقنعاً أو أخاً أكبر مشبعاً ، ويحفظ له وقار الأبوة بحب فطري ناضج ، وتوجيه صبور واع ، واقتناع فكري صادق ،  فيعرف الابنُ قدرَ أبيه ، فيحمل معه همومه ويسانده في مسئولياته على قدر استطاعته .

   إن التربية الواعية مبنيةٌ على ثلاثة أركان أساسية : هي: (الحب والاحترام والحزم (فالحب هو التعبير لأولادنا عن حبنا لهم بالكلمات ، وإعطاء الوقت اللازم لهم لنلعب معهم ، ونداعبهم ونمزح ونجري معهم ونفهم احتياجاتهم ومشاعرهم ، وننصت لكلامهم ، ونضمهم إلى صدورنا ، ونلمسهم بالأيادي ، ونفهم رسائلهم ، هذا هو الحب الحقيقي بالقول والحركات ، وليس فقط بالإحساس الفطري الداخلي.  أما الاحترام فهو استخدام الأساليب البعيدة عن اللوم والنقد والتجريح والمقارنات من أي نوع ، والإهانات من أي نوع ، وإصدار الأحكام على أولادنا مثل: متهور، عنيد ، شقي . أما الحزم فهو الالتزام بما تم الاتفاق عليه مع أولادنا من قواعد باستخدام الترغيب بالمكافئات والترهيب بنظرات غاضبة ومركزة عند مخالفته لما اتفقنا عليه من قواعد،وأيضا استخدام أسلوب التربية بالعواقب ، وليس العقاب السلبي الذي يهين الكرامة.

ثانياً الإعداد والتأهيل المبكر :
  إعداد الأب لشخصية أبنائه وتربيتها بحسن التنشئة السوية من خلال الأمثلة التالية :
1-      إظهار محاسنه أمام الآخرين ، وتصحح أخطائه بلطف ولين بعيداً عن أعين الناظرين.
2-      تعويده الاعتماد على النفس واتخاذ القرار بقلب جسور واستشارته في بعض الأمور الأسرية
3-      تعويده الصلاة في المسجد وغرس أركان الإيمان الستة فيه مع تكرار استماعها منه ومناقشته فيها
4-      تعليمه الدعاء والأذكار المتعددة وحثه على مناجاة ربه  مع الثقة في إجابة الدعاء بصورة من الصور ، وتعويده على طلب العون منه سبحانه مع الأخذ بالأسباب .
5-      تدريبه بالتعويد على صفة الصبر ، وأن النصر صبر ساعة ، وأعظم الآمال تحققت بصبر أصحابها .

 ثالثا : التربية بالقصص:
 إن تربية الأبناء بالقصة يسهم في توصيل المعنى المقصود عن طريق استشعاره وتخيله ومحاولة تقليده وقد ثبت تربوياً أن تحقيق الهدف التعليمي بالمثال التقريبي من أفضل الأساليب التربوية ، وكلما كان القاصُ ذا أسلوب متميز جذاب استطاع شد انتباه المستمع والتأثير فيه ؛ وذلك لما للقصة من أثر في نفس قارئها أو سامعها ، ولما تتميز به النفس البشرية من ميل إلى تتبع المواقف والأحداث رغبةً في معرفة نهايتها في شوق ولهفة ، وفي القصص القرآني غناء ثري للأب الواعي في هذا المجال من مجالات التربية مع ما فيه من تحبيب الأبناء في النصوص القرآنية حفظاً وفهماً وتطبيقاً في حياتهم ، وكذلك القصص الطيب في السيرة النبوية الشريفة ، وسير السلف الصالح من أعلام أمة الإسلام . وبالتالي لابد للأب الواعي من زاد ثقافي يستدعيه في مواقف تربيته لأبنائه أو حتى مجرد حديثه الأبوي معهم ، كما لابد له من مكتبة ثرية في البيت تحوي مؤلفات حديثة للقصص النبوي والسير والتاريخ بأسلوب مبسط جذاب .

رابعاً : التكليف الرجولي :
   معظمنا – نحن الآباء- عندما نكبر وتتقدم بنا السنُ لا ندرك أن أبناءنا يكبرون هم أيضاً معنا ، ونظل نعاملهم أنهم مازالوا صغاراً لدرجة أننا نقضي لهم احتياجاتهم الشرائية إلى ما بعد سن البلوغ ، وهذا - لاشك - من فرط  الاهتمام بهم ، إلا أنه خطأ تربوي فادح ، فالأبناء في حاجة إلى أن يشعروا برجولتهم ، ويذوقوا لذة اهتمامهم هم بذواتهم ، والابن لا يمكنه أن يعلم قبل أن يتعلم ، ولا يمكنه أن يتحمل المسئولية إلا إذا اعتمد على نفسه وأحس باستقلاليته.  والأب الواعي بدرك هذه الحاجة النفسية في أبنائه ، فبمجرد أن يبدأ الابن سن التعليم يعوده الأبُ الواعي الاعتمادَ على نفسه تدريجياً ، ولو أخطأ في تصرف ما لا يعنفه ؛ بل يجعله يتعلم من خطئه فلا يكرره ، ويكتسب صفة التفكير والتخطيط قبل الفعل .
  إن تربية الرجولة لا تكون بعد وصول الابن مرحلة الرجولة في العشرين من عمره مثلاً ؛ بل منذ تعليمه الصلاة في السنين السبع الأولى من حياته ، وليحذر الأبُ الواعي نداءَ ابنه بلفظ استصغار له أو عدم ثقة فيه ؛ بل يجب عليه تلقيبه بألقاب رجولية تشجعه أن يكون رجلاً موثوقاً فيه ، مع تكليفه بمهام الرجال في أمور البيت تدريجيا لينشأ رجلا مؤهلاً لأدوار الرجال لا أن يُفاجأ أنه صار رجلاً غير مؤهل لهذه المرحلة .

  هذه بعض خواطر أب محب لإخوانه الآباء ، راجياً لهم النجاح في أدوارهم الأبوية وعلاقتهم السوية بأبنائهم ، آملا أن تسهم هذه الخواطر في تنشئة جيل جديد صالح مصلح في عصر التمكين إن شاء الله تعالى .

  والله تعالى من وراء القصد
دكتور/ كامل حمدي عبد الكريم
  الرياض – السعودية

  • Currently 20/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 56 مشاهدة
نشرت فى 13 يونيو 2011 بواسطة mohamedmedhat1

ساحة النقاش

محمد مدحت عمار

mohamedmedhat1
طالب فى الاعدادى واحب الاسلام وهوايتى الكمبيوتر والمقالات والنت و كاتب صغير »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

47,799