حسبت أننا بعد ثورة 25 يناير أن نتغير للأفضل، ونُكمل مسيرة التغيير التى بدأنها فى ثمانية شر يوماً متصله من الألفة والغيرة على وطننا.وإن كنت أقول هذا الحديث من منطلق أننى أرى أن التغيير الذى حدث جاء بتغير أفراد فى مجتمع. فالثورة كما فهمناها تأتى بالمجتمع كى تزيح مفاهيم ورثها الشعب وتصنع مجتمعاً جديداً فى كل شئ بدءاً من السلوكيات البسيطة وحتى أعصى ما تقابلها النفس من التحمل والتغيير.فعندما قامت الثورة الفرنسية التى كانت تدعو إلى ثلاث شعارات: الحرية, والإخاء, والمساواة لم تكن لتقوم إلا على المجازر التى استهدف أبناء الشعب الفرنسى خرج الألاف منها تارة بالقتل وتارة بالفساد ولم ترتق إلى أهم شئ وهو تغيير السلوك الذى كان يسود وقتها فرنسا بالتفرقه بين الافراد.
لقد إستطاع المصريون بالعودة إلى سابق عهدهم ،عندما بذلوا أغلى ما عندهم بعدما ضحوا بالنفيس من أرواحهم فداءاً للوطن والذين كانوا ينتظرون أن يفرحوا كما فرح الملايين من اصدقائهم واقاربهم.لعلك تتسأل وهو قصر المصريون فى ثورة ولم يقدموا لها شئ أكثر مما بُذل.وهل نقصهم شئ كى تكتمل الثورة على وجهها الأكمل.الحقيقة نعم لم يقدموا لها ما روجى لها بعدما بذل من النفائس، الناظر إلى بقعة صغيرة مثل اليابان فى إعادة بناء مجتمعها المحطم والمتناثر عقب الحرب العالمية الثانية يعزى عادة إلى نظامها التربوي الممتاز . لعل ذلك من الامر المهمة إن تذكر دوما..فإن هذا النظام في التربية لم يكن وليد اللحظة التي تلت تلك الحرب.. أي بعد عام 1945م. ولكنه – واقعيا- ناتج عن تطور كبير خلال عدد من القرون المنصرمة وخاصة منذ الفترة التي عرفت باسم عهد طوكوجاوا التي امتدت من عام 1603 إلى عام 1868م. والتي أثبتت الدراسات الغربية الحديثة الإسهامات الهامة للتربية في فترة طوكوجاوا تلك في تطور اليابان الحديثة ونموها.لقد ركز القائمون على الدولة اليابانية فى البناء الأخلاقى أولاً قبل أى شئ مما مهد الطريق أما مه لبناء أمة مازالت تعطى لنا دروساً فى شتئ مجالات الحياة.من الأخلاق وليس من الصنعة أو الزراعة أو التكنولوجيا.
وإذا كنا قد قسنا بأقصى الأرض عن معنى واحداً ليوصلنا إلى مبتغانا.فإن الأمر أيضاً يوصلنا إلى وسط أوربا حيث تقبع لندن مملكة الضباب.فقد حكى لنا أستاذ الفيزياء ذات مرة انه زار لندن فى أحد فصول السنه وأخبرنا أن السابعة صباحاً تكون شوارع لندن مثل خلية النحل من أثر نزول الموظفين والعمال إلى أشغالهم ،يكمل الأستاذ فيقول وكنت مثل التائه أنظر من حولى إلى تلك اللوحة الجمالية التى من حولى وبين منظر الضباب الذى يخبئ وراءه كم النشاط الملحوظ للانجليز.يقل فإذا بى أرتطم بكتف أحد الرجال وكان فى العقد الثالث ،فقلت فى نفسى(رحت فى داهية) فسوف يوبخبى وينعتنى هذا الإنجليزى بأقذى أنواع السباب واللعن.فقتدم إلى فى خطوات مسرعة وأتقترب منى لايفرق بينى وبينه إلى سلام اليد.وأبتسم وقال لى (sorry) ثم تركنى وأكمل سيره إلى عمله.فوقفت مثل التمثال مندهشاً من الموقف.
إنها فن صناعة الأخلاق والمعنى الأوضح فى رقى مجتمع من دنوا أخر (إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا) لعلك تنظر إلى شاهد ماشفش حاجه وتقول كأنك أخرجتنا من الثورة التى حدثت يوم 25 يناير محمل بالأوزار والمعاصى والذنوب.وكأننا لم نصنع معجزة بمحوا ديكتاتور من الحكم.
إن جزءاً كبيراً من مجمعاتنا العربية للاسف تضحل اخلاقها بعد إنتهاء الثورات ولم تعد كما كانت من قبل،بل وصل بها الحال إلى عودة الذئبية والأسدية إلى مجتمع الإنسان وجعل الأمر أشبه بسلوكيات فرائس لا سلوكيات أفراد عقلاء.
إذا كنا وإذ طالب صباح مساء بتيسر الأمر وعودة الإنسان إلى مستوى الأدمية فى العمل والأجر والحرية ، فإنه من الأولى أن نطالب كذلك بحد أدنى ولو فى الأخلاق ،حتى يمكننا مواصلة المسير نحو مجتمع إنسانى إخلاقى عملى يطمح فى مستقبل أفضل ولو كان لذريته من بعده.
ساحة النقاش