تشييع جنازة شهداء الثورة المجهولين يذكرنا بأن الذين قتلوهم لا يزالون بدورهم مجهولين.
وإذا كان لدينا عذر في عدم التعرف على أولئك الشهداء طوال الأشهر الأربعة الماضية، فلا ينبغي أن نتعلل بأي عذر في التعرف على الذين أصدروا الأوامر بقتلهم. الأمر الذي يجعل ملف العلاقة مع الشرطة مفتوحا، بل ومسكونا بدرجات متفاوتة من الشك وسوء الظن.
وأخشى أن يطول الأمد بهذه الحالة بحيث تتحول في مرحلة ما إلى عقدة وعاهة لا علاج لها. ولو أن الأمر وقف عند ذلك الحد لأمكن الصبر عليه لبعض الوقت، أملا في أن يداوي الزمن الجراح إذا أمكن التعامل بذكاء مع الموضوع بما يطهِّر الذاكرة أو ينسيها. إلا أنني أخشى أن تذهب الأمور إلى أبعد، بحيث تتحول المسألة إلى «ثأر» بين الشعب والشرطة.
أعني أن القضاء إذا لم يعاقب القتلة ويمسح أحزان الناس ويهدئ من خواطرهم، فلا أستبعد أن يقوم الناس من جانب بالثأر لأبنائهم. خصوصا أن منهم من يعرف من الذين أطلقوا الرصاص على أبنائهم أو عذبوهم حتى فاضت أرواحهم.
وليس ذلك مجرد افتراض، لأن بعضهم عبَّر عن ذلك بالفعل خلال المؤتمر الجماهيري للتضامن مع أهالي شهداء إمبابة الذي عقد في الثاني من شهر يونيو الحالي وحضره عدة مئات من الناس.
وذلك تحذير ينبغي أن يؤخذ على محمل الجد ولا يستهان به. فقد نفاجأ يوما ما بقتل واحد من أولئك الضباط، الأمر الذي قد يفتح الباب لسلسلة من اغتيالات الثأر لا يعلم إلا الله حدودها ولا تداعياتها.
لست أحبذ ذلك بطبيعة الحال وأعترض عليه بقوة، إلا أنني أحذر من وقوعه وأرجو ألا يستمر «تدليل» ضباط أمن الدولة الذين ثبت في حقهم تعمُّد تعذيب الناس وإذلالهم، بما يقنع الرأي العام بأن دم الشهداء لم يذهب هدرا، وأن القانون أخذ مجراه في معاقبة القتلة.
علما بأن خطوة من هذا القبيل كفيلة بتهيئة الأجواء لإعادة ثقة الناس في الشرطة وفي القانون، فضلا عن أنها قد تكون رادعا لآخرين من العاملين بالأجهزة الأمنية، يقنعهم بأنهم لم يعودوا فوق القانون ولكنهم سيحاسبون على تجاوزاتهم يوما ما. وإذا لم يحاسبهم القانون فالمجتمع كفيل بهم.
لقد استخدمت عامدا مصطلح «تدليل ضباط أمن الدولة» لأننا لم نلمس حزما في محاسبة المسؤولين منهم عن القتل والتعذيب. بل وجدنا بعضهم يحضر إلى قاعة المحكمة كمتهم في الصباح، ثم يخلى سبيله ليعود إلى مكتبه في المساء وكأن شيئا لم يكن. ومن ثم تحولوا إلى متهمين نصف الوقت وفراعين بعد الظهر وحتى منتصف الليل.
لا أشك في إخلاص واستقامة وزير الداخلية الحالي، وأعلم أنه قام بإبعاد بعض المساعدين والقيادات المشكوك في ضلوعهم في العديد من الجرائم التي ارتكبت.
وأفهم أيضا أن موقفه شديد الدقة وأنه واقع بين نارين.
إذا أرضى الناس خسر الجهاز الأمني، وإذا أرضى الجهاز الأمني خسر الناس،
وذلك محور التحدي الذي يواجهه الرجل. لكنني أفهم أيضا أن زمن إذلال الناس إن لم يكن انتهى فعلا فيجب أن ينتهي بأسرع ما يمكن. تماما كما أن الزمن الذي كانت فيه الشرطة مطلقة اليد في العبث بكرامات الخلق قد انتهى بدوره، بحيث لا المجتمع صار مستعدا لتقبل الإهانة ولا أحد يستطيع أن يدعي أنه فوق القانون.
أدرى أيضا أن ثمة تطاولا من جانب البعض على جهاز الشرطة، وذلك يظل استثناء لا يقاس عليه، لكننا نعلم أن أفضل وسيلة لجلب الاحترام لأي طرف، هي أن يكون ذلك الطرف جديرا حقا بالاحترام.
وفي هذا تقول العرب إن من «طالت عصاه قلَّت هيبته».
لسنا بصدد اختيار الأولوية بين البيضة والدجاجة، لأننا على يقين من أن الشرطة هي التي ينبغي أن تكون في خدمة الشعب وليس العكس، وهي إذا أحسنت أو أساءت فإن مردود ذلك على المجتمع حاصل بمنتهى السرعة.
إن بعض ضباط الشرطة لا يزالون يعيشون في الماضي الذي نريد أن نطوي صفحته. وقد أدهشني ما قرأته عن الطالب «المثالي» في كلية الشرطة الذي كتب قصيدة اعتبر فيها الشرطة أسياد البلد وأنذر الناقدين لهم بأن حياة أهلهم ستصبح مثل «الهباب».
قد يكون هذا رأيا شخصيا للضابط الشاب، لكنه أيضا تعبير عن ثقافة ما قبل ثورة 25 يناير، التي يبدو أن بعض ضباط الشرطة لم يتيقنوا من حدوثها، لأنهم لم يجدوا شاهدا عليها في مبنى لاظوغلى، باستثناء الأخبار التي يسمعونها من التلفزيون.
إن الكرة في ملعب الشرطة ومطلوب منها أن تدبر حالها قبل فوات الأوان.
..................
نشرت فى 11 يونيو 2011
بواسطة mohamedmedhat1
محمد مدحت عمار
طالب فى الاعدادى واحب الاسلام وهوايتى الكمبيوتر والمقالات والنت و كاتب صغير »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
47,748
ساحة النقاش