<!--<!-- <!--

جريدة الندوة- الإثنين 15/5/1413ه  العدد 10302     9 نوفمبر 1992م   

 

القاهرة- المركز العربي للصحافة "مجد".

مشهد مثير للتامل، يحدث مرة واحدة كل خميس في القاهرة إذ يجتمع عشرات الباعة. وأمامهم أقفاص متنوعة من الحمام أهمها الحمام الزاجل. وتبدأ عملية البيع والشراء بين الهواة المغرمين باقتناء كل ماهو نادر في عالم الحمام، وبين التجار المحترفين الذين يعرفون قيمة ما يبيعون.

ماهي أسرار هواية الحمام الزاجل؟

تشير إحصاءات شبه رسمية أن في مصر مليون هاو للحمام الزاجل، كما تشير معلومات أخرى إلى مسابقات تجري مرتين في العام بين الحمام والبطل الذي يفوز هو الذي يتمكن من قطع المسافة من القاهرة حتى أسوان 1000كم في أقصر وقت ممكن.

هذا التحقيق من القاهرة يلقي الضوء على هواية رفيعة.

 

الحمام الزاجل: رادار طبيعي ووفاء نادر        

تحقيق/ فتحي عبد القوي.

الحمام الزاجل ذلك الطائر الوديع الذي يرمز للسلام، كما يرمز للقدرة على الإبداع والتحليق في الأفق، هذا الطائر استحوذ على قلوب مليون مواطن مصري يربونه فوق أسطح المنازل، وفي مصر يوجد أكثر من ستمائة نوع منه ويبلغ متوسط عمر الحمامة عشرون عاما ويشتهر الحمام بجمال شكله وعذوبة صوته.

وللحمام الزاجل خاصية فريدة وهي قدرته على العودة إلى موطنه مهما بعدت المسافات نظرا لإرتباط الذكر بأنثاه مدى الحياة، ويطير مسافة ألف كيلومتر بدون إنقطاع بسرعة كيلومتر في الدقيقة ومنقاره عريض وجسمه قوي ممتلئ ولونه أزرق أو بني أو أبيض الأجنحة والأكتاف فاتحة اللون باستمرار.

وترجع خاصية القدرة على العودة إلى موطنه إلى طاقة مغناطيسية يستطيع من خلالها أن يحدد إتجاه سيره بالنسبة للمجال المغناطيسي للكرة الأرضية وكذلك بالنسبة لموقع الشمس في ساعات النهار ومواقع النجوم أثناء الليل، وقد حدث بعد حادثة تشرنوبل أن عددا من أسراب الحمام الزاجل ضلت طريقها في سماء أوروبا ولم تتمكن من العودة إلى أوطانها بعد أن فقدت هذه الخاصية بسبب تأثرها بالإشعاعات التي انتشرت في الهواء في هذه المنطقة.

ويروي أن قورش مؤسس الإمبراطورية الفارسية إستخدم الحمام الزاجل للإتصال بالأماكن النائية في الإمبراطورية كما تولى الحمام نقل أسماء الفائزين في أول دورة للألعاب الأولمبية وفي الحرب العالمية الثانية وعند هجوم الألمان على بلجيكا إصطحبه المظليون خلف خطوط الحلفاء ثم أطلقوه بعد ذلك حاملا نتائج عمليات التجسس..

وفي فرنسا أجريت- مؤخرا مناورات إشترك فيها الحمام الزاجل في إطار تدريبي على إمكانية الإشتراك في عمليات الإتصال أثناء حالات الطوارئ.           

ولا يزال الحمام موضع إهتمام علماء الأرصاد والجيولوجيا للإستفادة من قدرته على توفير النفقات التي تتطلبها الأجهزة الجيولوجية مثل الأقمار الصناعية والطائرات وأجهزة الكشف بالأشعة تحت الحمراء حيث تستطيع حمامة واحدة بجهازها الملاحي الفريد أن ترشد بحاستها التى لا تخطئ إلى كثير مما نبحث عنه وتوفر الكثير من النفقات.

ونظرا لإرتفاع عدد الهواة في مصر.. حيث بلغوا أكثر من مليون ونصف مليون هاو لسباق الحمام الزاجل أنشأت لهم وزارة الشباب والرياضة إتحادا مسجلا ضمن الرياضات الهامة ويسمى "الإتحاد المصري لحمام السباق".

كيف يتم عقد مسابقات سباق بين الحمام الزاجل؟ وكيف يتم تدريبه؟

في البداية كان اللقاء مع المهندس صلاح الدين متولي- رئيس الإتحاد المصري لحمام السباق التابع لوزارة الشباب والرياضة.. يقول يتراوح عدد أعضاء الهواة أكثر من ألف وخمسمائة عضو، ولكن عدد الهواة غير المسجلين المنتشرين في جميع الأنحاء قد يصل إلى أكثر من مليون .. والحمام المسجل في الإتحاد هو الذي يلبس دبلة في قدمه وعليها رقمه.

وتنظم مسابقتين سنويا.. الأولى في شهري يونيو ويوليو للحمام الصغير الذي لم يتجاوز ستة أشهر.      

ويبدأ السباق من القاهرة وينتهي في ديروط أي حوالي 300 كيلومتر ..

أما المسابقة الثانية تنظم في شهري يناير وفبراير بين الحمام الكبير ويبدأ من القاهرة وينتهي في أسوان أي حوالي 1000 كلم.       

  

تدريب الحمام

وعن طريقة تدريب الحمام يحدثنا محمود عشماوي- عضو الإتحاد- وهاوي حمام منذ ثلاثين عاما.. يقول:

يقوم صاحب الحمام بتدريبه ساعتين يوميا من فوق سطوح منزله وذلك لتقوية عضلات الحمامة وتدريبها على معرفة منطقة المنزل وفي اليوم التالي يبعد مسافة مائة كيلو ويطلق .. وهكذا إلى أن يبدأ موعد السباق في الإتحاد.

 

البطل الرياضي

بطل الحمام كأي بطل رياضي في أي سباق يحتاج أولا إلى الموهبة ثم الإعداد الجسماني وتكوين اللياقة البدنية والذهنية والحديث هنا لطارق صبري- هاو منذ 15 سنة – ويضيف قائلا ..  الموهبة عند الحمام تكون موروثة من الأبوين بمعنى أننا نعرف الفرد الموهوب من تاريخ عائلته.

أما التكوين البدني فيمكن تنميته عن طريق التدريب اليومي من فوق سطح المنزل والتدريب الخارجي  الذي يقوم به العضو في حدود 50 إلى 100 كيلومتر.

أما عن التجهيز الذهني للحمام يقول محمود عشماوي يتم إعداد الحمام ذهنيا لتنمية ذكائه وذلك بتغذيته التغذية المناسبة وبزواج الفرد مبكرا فالزواج ينمي فيه الذكاء ويجعله يواظب على العودة مسرعا إلى المنزل مما يساعده على الفوز.

ويضيف المهندس صلاح الدين .. يحدد بطل الحمام على أساس معدل سرعة الحمامة ، أي تحسب المسافة التي طارها الفرد والزمن الذي قطعه في هذه المسافة.      

والفائز هو الذي يطير مسافة أكبر في وقت قصير .. ويحسب الزمن بواسطة ساعات خاصة تسجل زمن وصول الفرد إلى منزله فعند عودته ينتزع صاحبه الدبلة الموضوعة بمعرفة الإتحاد ويضعها في الساعة الخاصة التي تسجل وقت وضع الدبلة بها وفي نهاية المسابقة يذهب كل عضو بساعته إلى مقر الإتحاد ويبدأ فتح الساعات بواسطة هيئة تحكيم ويتم حساب الزمن الذي قطعته كل حمامة ويحدد الفائز.

 

مزاد علني للحمام

في يوم الخميس من كل أسبوع يقام في سوق القلعة بالقاهرة مزاد هادئ للحمام .. وذلك نظرا للإقبال الشديد من العدد الكبير من الهواة الذين لا يهمهم الثمن مثل إهتمامهم بنوعية الحمام واصلة، وهل له تاريخ في بطولات المسابقات أم لا.. وكان لنا جولة في المزاد وفي الأسواق المختلفة لهذا النوع من الحمام والتقينا بمجموعة من الهواة للتعرف على هذه الهواية وكيف يمارسونها.

أمام أقفاص عربي حنفي محمود- تاجر الحمام- كان المزاد على حمامة"هزاز" وبهدوء شديد عرض التاجر ثمن الحمامة 20جنيها تسابق عليها الشاب محمد بخيت 30 سنة مع المهندس محمد يوسف  72سنة وهاو من 55سنة – بدأ الشاب في رفع سعر الحمامة إلى 25جنيها ثم رفعها المهندس إلى 35 إلى أن وصلت إلى 50 جنيها.

وبعد الشراء التقيت مع الشاب محمد نجيب .. وسألته عن كيفية ممارسته لهذه الهواية قال .. أمتلك 60 حمامة تملأ وقت فراغي بصورة ممتعة أقوم بتطييره وقت العصر وبعد ساعة أو أكثر يعود إلى المنزل مرة أخرى وأقوم أيضا بتدريب الحمام على معرفة عناوين منازل بعض الزملاء الهواة.

أما المهندس محمد يوسف "72سنة" وهاو من 55 سنة فيقول .. أن هواية تربية الحمام لم تكن منتشرة بهذه الصورة لأنها كانت تعتبر هواية الملوك فيما مضى، أما تمسكي بهذه الهواية فيرجع إلى جمال الحمام وهدوئه ومحاسنه وألفته بالإضافة إلى أنها هواية هادئة وتعلم الصبر.   

 

أنواع مختلفة

يقول الحاج محمود شاكر- تاجر الحمام الزاجل بالسيدة -  للحمام أسماء وأنواع مختلفة وكثيرة قد تصل إلى أربعمائة اسم منها "بل" و"عنابر" و "كشك" و " صوافة " و" قطقطة" و" المساويد" و" الأبلق" و" غزاز" ... ويتفرغ تحت كل إسم عشرات من الأسماء الأخرى.

ويميز كل نوع عن الآخر بلون الريش وملامح الوجه ولكل نوع من الحمام ملامحه الخاصة به ولكل حمامة مايميزها كالإنسان تماما. 

 

المصدر: جريدة الندوة- الإثنين 15/5/1413ه العدد 10302 9 نوفمبر 1992م
  • Currently 65/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
17 تصويتات / 471 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

649,420