<!--<!-- <!--
الحمام: طائر الحرب والسلام
سيظل طائر الحمام على مر العصور حديث الناس ومحل رعاية الكثيرين الذين يعرفون قدره، ويعون تماما مدى قدراته وتاريخه الطويل في كل الأزمان والعصور، فالحمائم الرقيقة الجميلة ظهرت أهميتها البالغة في الحرب والسلام، بل صارت سلاحا في الحرب ورمزا للسلام.
والحمام طائر متعدد المواهب، وله قصص كثيرة ووصف بكثير من الصفات، منها الوداعة والمسالمة والنقاء والحب.
لعل أشهر وظيفة قام بها الحمام بأدائها هي نقل الرسائل، قبل إختراع كل وسائل الإتصال الحديثة. كانوا يعلقون الرسائل في أرجله النحيلة. وخاصة بين القوات المتحاربة والمدن المحاصرة.
وكان "الظاهر بيبرس" أول من أنشأ محطات للحمام الناقل للرسائل أو الحمام الزاجل في مصر، كانت محطات يتوقف فيها الحمام الزاجل للراحة والطعام والتقاط أنفاسه، ثم يعاود الطيران مرة أخرى، ولا تزال هيئة البريد في عصرنا تتخذ من أجنحة الحمام شعارا لها. وقد كان الحمام ناقلا للطرود فعندما طلب "هارون الرشيد" أن يأكل القراصيا" وهي نوع من الياميش لم يكن موجودا في بغداد، أطلقوا سربا من الحمام إلى دمشق، ليعود وقد ربطوا في أرجله القراصيا التي تناولها الخليفة باستغراب بعد هذه الرحلة الشاقة للحمام.
ولعل إنفراد الحمام دون سائر الطيور بخاصية العودة بعد طيران آلاف الأميال لبيته الذي تربى فيه مهما طال الفراق، هي التي أكسبته كل الصفات الهامة التي إنفرد بها، واستطاع من خلالها القيام بأعمال لا يقدر عليها غيره من الطيور.
وهذه ظاهرة إختلف حولها كل علماء الطيور، بعضهم يرى أن السبب يكمن في حدة بصره فهو يستطيع أن يرى من إرتفاع يصل إلى 60 كيلومترا، والبعض يرى أن الجهاز البصري يستطيع أن ينقل صورة متميزة ودقيقة التفاصيل إلى ذاكرته فيختزنها داخله ثم يسترشد بها إذا احتاج العودة، والبعض الآخر أرجع تفسيره إلى الجاذبية الأرضية وأكد أن كل منطقة في العالم تتميز بدرجة مغناطيسية تختلف عن المناطق الأخرى. تبعا لبعدها أو قربها من مركز المغناطيسية الأرضية، والحمام يشعر بجاذبية المنطقة التي تربى فيها فيعود إليها، وتلعب شحمة المغناطيسية في داخله مقام البوصلة فيتوجه إلى المكان من تلقاء نفسه.
وأخيرا فسر بعض العلماء هذه الظاهرة المتميزة بأن الحمام يستخدم الأشعة الكونية والضوء المستقطب منها في تحديد المكان الذى تربى فيه.
وحتى الآن تعد كل هذه التفسيرات من باب الإجتهاد، لا من باب اليقين- ومازال سر هذه الظاهرة في قلب كل حمامة لم تبح به حتى الآن.
الحمام والحرب
ولم يكن الإهتمام بتفسير هذه الظاهرة سوى محاولة لمعرفة كل إمكانيات الحمام، خاصة أن إستخداماته المتعددة كانت قد إنتشرت وخاصة أيام الحروب.
وقد استخدم الحمام الزاجل لأول مرة في الأغراض الحربية عام42 قبل الميلاد، عندما حاصرت قوات" مارك أنطوني" الروماني قوات " بروتس" وهو روماني آخر في مدينة مودلينا، وكان جيش "أكتافيوس" الروماني الثالث يتصل بقلعة "بروتس" بواسطة الحمام.
وعندما غزا لويس التاسع مصر في عام 1249، علم السلطان بنبأ وصوله إلى دمياط عن طريق الحمام الزاجل.
وفي عام 1574 عندما هاجمت القوات الإسبانية تحت قيادة "فيليب الثاني" هولندا ذعر الشعب الهولندي ذعرا شديدا، ولكن بفضل الحمام الزاجل تمكن بعضهم من معرفة أماكن قوات العدو البحرية وهاجموها في الوقت المناسب، وتكرر هذا الحدث مرات عبر التاريخ.
وفي عام 1978 أنشأت غرفة للحمام الزاجل بالجيش الأمريكي أسوة بما اتبع في الجيش الألماني قبل ذلك، وفي الحرب الكورية إستخدم الآلاف من الحمام الزاجل مع الهابطين بالمظلات لتوصيل مايزيد عن مائة ألف رسالة، وقد أثبتت الإحصاءات التي نشرت أن إستخدام الحمام الزاجل خلال الحرب العالمية الثانية قد نجح بنسبة 99% وقد إستخدم سلاح الإشارة البريطاني الذي كان متمركزا في معسكرات المعادي أثناء الحرب العالمية الحمام الزاجل لنقل الرسائل من دورياته التي كانت تجوب الصحراء الغربية إلى مقر قيادتها في مصر وذلك لتجنب إلتقاط المخابرات الألمانية لهذه الرسائل إذا ما أرسلت بالراديو، وبإنتهاء الحرب العالمية الثانية إستغنى الجيش البريطاني عن حمامة وإنتقل إلى الهواة المصريين.
وقد إستخدم البعض هذا الطائر الوديع المسالم في تهريب المخدرات. ثم إستخدموه في تهريب المجوهرات، واكتشف العلماء أنه عنصر نشط في التلقيح الصناعي، كما أنه قادر على أداء أي مسؤوليات يكلف بها.
مليون مرب في مصر
ومما يلفت الأجانب هذا العدد الهائل من أبراج الحمام في مصر حيث يصل عدد المربين إلى حوالي مليون شخص، حتى إن إحدى المجلات الأجنبية المتخصصة أكدت أن مصر تعتبر أفضل بلد في العالم لإقامة سباقات الحمام، لو تضاعف إهتمامنا بذلك النوع من الحمام الذي يدخل السباق، حيث أن عدد هواة هذا النوع من الحمام والذي يعرف بالزاجل عدد قليل جدا إذا ماقورن بالأعداد الكثيرة التي تهوى تربية حمام الفزار وهو الحمام الذي يقتنص الحمام الضال.
وللحمام في مصر أهمية خاصة، فهو أولا من الأكلات المشهورة، "والزغاليل" هي التي تربى لإنتاج اللحم "والرعال" لإنتاج اللحم والسماد، ثم حمام الهواية.
ويمكن تصنيف الحمام إلى قسمين رئيسيين .. أولهما الحمام البري ويوجد في مصر صنفان يعيش أحدهما في وادي النيل وهو غير نقي السلالة لتداخل سلالات أخرى في دمه، ويوجد الثاني بمنطقة السلوم بالصحراء الغربية وهو نقي إلى درجة محدودة .. ويصعب إستئناس الحمام البري لأنه يتميز بالميل إلى الهجرة وخاصة متى شح الطعام أو إزدحمت الأبراج أو أزعجته الضوضاء أو تم أخذ عدد كبير من نتاجه أو لقلة العلف عند تقصير المزارع عن إمداده به من شهر أغسطس حتى يناير.
لذلك تنشأ أبراجه في أطراف المزارع بعيدا عن المساكن، كذلك تكسرحدة الصفات البرية في تهجينه بالحمام البلدي لزيادة إنتاجه حيث أن الحمام البري لا ينتج أكثر من دفعتين في العام ربيعا وخريفا، كما يتم تهجينه بالزاجل حتى يستطيع الطيران إلى مسافات بعيدة ولضمان عودته، تنشأ بعض الأبراج المساعدة قريبة من البرج الأصلي لإستقبال المهاجرين منه إذا وقعت الهجرة رغما عن الإحتياطات السابق ذكرها.
ويسمى الحمام المخلط "بالبرجي" نسبة إلى الأبراج التي تسع آلاف الأزواج منه، والتي يربى فيها بغرض الحصول على اللحم والسماد، وهو أصغر أنواع الحمام في مصر.
والحمام المستأنس ينقسم أيضا إلى قسمين هما حمام اللحم وحمام الهواية.
وحمام اللحم أو الأكل ويسمى أيضا حمام الزغاليل وتعرف هذه النوعية بأنها الحمام الصغير الذي يباع للأكل قبل أن يترك عشه وعمره من 28-30 يوما ويزن الزوج منه من نصف الكيلوجرام إلى كيلوجرام وأشهر أنواعه في مصر هو البلدي وهو أكبر من البري حجما ولكنه أصغر أصناف حمام الزغاليل وألوانه متنوعة وهو أيضا خليط بين البري وبين الأنواع الكبيرة الحجم المستأنسة وسيقانه خالية من الريش، ويعطي في المتوسط ستة أزواج في العام وأحيانا أكثر من هذا.
والرومي وحجمه أكبر من البلدي وأقل من المالطي ولونه أبيض ولايميل إلى الطيران كالبلدي كما يعطي عدد أقل من النتاج بما لا يتجاوز حوالي أربعة بطون في العام ويبلغ وزن زوج الزغاليل منه أقل من الكيلو بقليل.
"والقطاوي" وحجمه كالرومي ولونه أحمر وله زوائد من الريش عند مؤخرة منقاره ومقدم الرأس ويبلغ وزن زوج الزغاليل منه أقل من الكيلو بقليل..
"والمالطي" وهو أكبر حجما وبطيء الحركة ولا يطير إلا لإرتفاع منخفض، ومنه ألوان عديدة منها الأبيض والأحمر الفاتح والغامق والأزرق والأصفر، وهو يعطي زوجين أو ثلاثة في العام أما الأنواع الإجنبية فهي الكثيرة، ومنها على سبيل المثال الكنج والرنت والكارتو، وهذه الأنواع فرنسية، والموندين الفرنسي والسويسري.
وهواية الحمام قديمة وهي ذات أغراض متعددة، وتتركز حول نوع معروف بإسم حمام " الغية" ومنه أنواع كثيرة تربى لأغراض عديدة منها حمل الرسائل، أوالسباق، وأشهرها الحمام الزاجل "الهومر" الذي قويت فيه غريزة الحنين إلى وطنه بالتربية والإنتخاب مع سرعة الطيران والمقدرة على قطع المسافات الطويلة، وتستطيع بعض الأفراد القوية منه أن تقطع حوالي ثمانمائة كيلومتر في اليوم الواحد، وهو أكبر من الحمام البلدي ووزنه أكثر من نصف الكيلو وعضلات صدره قوية ومنه أصناف وألوان مختلفة، منه ذلك الصنف الذي يربى لغرض الطيران على إرتفاعات شاهقة ويسمى الفزار أو الهزار ومنقاره صغير وله وجه يشبه وجه البومة وفوق منقاره زائدة لحمية "كشاكيش" ولا يحضن بيضه جيدا كما أنه يهمل صغاره ولذلك فإن الهاوي يستعين بنوع من الحمام العادي ليقوم بدور الحاضنة يرقد على البيض ويطعم الصغار، ومنه أيضا النوع المعروف في مصر " بالقطقاطي".
وتربية هذا النوع من الحمام تعتبر نوعا من الرياضة حيث يربي الهاوي الحمام بغرض المنافسة، فيقوم الهواة عن كل منطقة بإطلاق الحمام في وقت واحد أثناء الغروب حيث يلتقي الحمام في منطقة واحدة على إرتفاع شاهق تعرف بمنطقة المجال، ويستمر في الطيران لعدة ساعات تعود بعدها كل مجموعة عند حلول المساء إلى الغية الخاصة بها، وتقاس قدرة ذكاء هذا النوع من الحمام بمدى قدرته على العودة إلى غيته دون أن يضل الطريق إلى غية أخرى، فالحمام الأقل ذكاء عادة لا يرجع إلى غيته ولكن يذهب مع المجموعات الأخرى، ويكون الفائز هو من يعود الحمام الخاص به إلى الغية دون أن يفقد شيئا منه بالإضافة إلى عدد الحمام الغريب الذي عاد أيضا مع مجموعته، وهو عادة يربى من أجل إقتناص الحمام الآخر، ويتميز هذا النوع بسرعة الطيران والإرتفاع على علو شاهق، والهاوي عادة لا يأكل الحمام الفزار نظرا لإرتفاع تكاليف تربيته حيث أنه نادر الإنتاج.
النمساوي أجمل الأشكال
ومن الحمام أيضا ماهو جميل الشكل مثل الحمام النمساوي، وهو يتميز بشكله الجميل صغير الحجم وأرجله عارية من الريش وعلى رأسه خصلة تحيط بمؤخرة الرأس مسترسلة على الرقبة بشكل المطرقة وتبدو ثابتة من مركز على جانبي الرقبة، ومنه أصناف وألوان عديدة، ومنه أيضا الحمام النفاخ الذي يربى لجمال شكله وهو يتميز بأن حويصلته منتفخة ورأسه وصدره مرفوعان في كبرياء وأفخاذه طويلة فيبدو مرتفع القامة ومنه أصناف وألوان كثيرة، والحمام "الهزار" وله ذيل مرفوع إلى أعلى وهو منبسط يشبه المروحة ويسير في خيلاء رافعا رأسه وصدره إلى الخلف حتى تمس رأسه الذيل، وهو أكبر قليلا من "اليمني" وحمام الكشكات وجسمه صغير ورأسه مستديرة ومنقاره يشبه منقار الببغاء وله خصلة من الريش في صدره.
وحمام "مودنا" أوحمام "فرخة". ويشبه الدجاجة في إرتفاع جسمه وذيله، ومن الهواة من يربي الحمام للإستمتاع بحركاته خاصة النوع الذي يسمى "بالقلاب" إذ ينقلب عند الطيران رأسا على عقب ثم يعود إلى وضعه الطبيعي ومنه إنتخب المربون الإنجليز صنفا هو"التربيار" ويمكنه أن يقوم بهذه الحركات في حجرات المنازل وصالوناتها وهناك من يربي الحمام المعروف "باليمني" أو" الصفادي" لجمال صوتهما.
وفي مجال التربية،يفضل في البداية أن تبدأ بحمام صغير السن ويفضل زوج واحد من الحمام إذا كان من النوع الزاجل ويعد الحمام للتزاوج وعمره حوالي من 6 إلى 8 شهور ويمكن للسلالات الجيدة أن تستمر في الإنتاج لمدة خمس سنوات. ولا يعرف الحمام تعدد الزوجات فهو يعيش في أزواج، لذلك يجب تحاشي العزاب وخاصة الذكور في المسكن والذكر يتميز برأسه الكبير وباختلاف في صوته, كماتعرف الأنثى بوداعتها وببروز البطن من أسفل المؤخرة عند بدء وضع البيض.
ويساعد الذكر الأنثى في حضانة البيض فيرقد عادة من الظهر إلى المساء وترقد الأنثى بقية اليوم، وعادة يبتعد الذكر عن العش ليلا، وتضع الأنثى في عشها بيضتين تتراوح الفترة بينهما بين 40و44 ساعة، ثم ترقد عليهما مدة من الزمن تسمى "الحضن" والفترة بين الأحضان تختلف بإختلاف الفصل ومعدل الأحضان نحو ثمانية في العام ومتوسط المدة بين الحضن والآخر 45 يوما في الخريف والشتاء ومن 30 إلى 32 يوما في الربيع والصيف، ويمكن تقصير هذه الفترات إما بإزالة البيض من العش أو بزيادة الضوء الصناعي أثناء مدة التفريخ وهي حوالي18 يوما، وتفقس البيضة الثانية متأخرة يوما واحدا عن الأولى... وتنتج الأزواج الجيدة إثني عشر من الصغار في العام أو أكثر ويجب موالاة إنتخاب الأزواج الكثيرة النتاج، ويحسن وضع حمام الزغاليل في مساكن تسع الواحدة منها من 25 إلى 40 زوجا ويفضل العدد الصغير. ومتى تم التزاوج فلا بد من تجنب أي شيءيمكن أن يقلق راحة الأزواج. وإذا مات أحد الأزواج يجري تزويجه من حمائم الدار، ويجب أن تكون واجهة مسكن الحمام جنوبية أوجنوبية شرقية، ويخصص متر مربع واحد من أرضية المسكن لكل زوج حمام، ويجب أن تكون الأرضية من الإسمنت أوالبلاط تجنبا لخطر الفئران وتغطى بنشارة الخشب أو الرمل ويمد المسكن بكومة من القش لكي يبني منها الحمام الأعشاش، ويخصص لكل زوج عش مزدوج بكل من طاقتيه طاجن صغير للرقاد ويجب أن يكون في مقدمة العش حافة عرضها حوالي عشرة سنتيمترات يستعملها الحمام كقاعدة للطيران ولها مفصلات، وبذلك يمكن تحويل العش عند اللزوم إلى عش للتآلف وعليه يجب أن يكون الحاجز بين طاقتيه متحركا كما يجب أن يكون للمسكن حوش سمادي مغطى بالسلك، ويعمل حساب متر مسطح لكل فردة، بشرط ألا يقل إرتفاعه عن مترين، كما يجب إمداد المسكن بحمام صغير أو مجرى إسمنتي عمقه 10 سنتيمترات ليغتسل فيه الحمام، مع ملاحظة تغيير مائة وتنظيفه يوميا.
وتقيم الأمهات من السلالات الجيدة عشا جيدا عندما يكتمل نمو الزغاليل في العش القديم من2 إلى3 أسابيع ومن أجل هذا لابد أن يكون هناك طاقتان بالعش ويقوم الأب عادة بتغذية الزغاليل وللأنثى والذكر على السواء غدة في الحويصلة تفرز لبن الحمام الذي يطعمانه بالفم إلى الصغار، فإذا مرض الأبوان أونفقا يمكن تغذية الصغار باليد أو إضافتها إلى عش ناقص وإيلاف المرضعات لها، والحمام المربى داخل المنازل يكفي له تعليق صناديق خشب أو أقفاص من جريد أوصفائح فارغة لكي يعيش فيها الحمام ويتكاثر أما بالنسبة للحمام المربى فوق الأسطح أو المزارع تنشأ مساكن من السلك أو الخشب فقط، يعلق على جوانبها أماكن لوضع البيض والتكاثر، وتكون هذه الأعشاش من الجريد أوالخشب مقسمة إلى عيون تكفي كل عين لكي تكون عشا لها فتحات تسمح بخروج ودخول الحمام.
وتصنع الأعشاش عادة من الجريد وقد تكون مزدوجة أو من عدة أدوار ويكون كل عش بأبعاد 40×50 سنتيمترا وبإرتفاع 20سنتيمترا ويتسع مسكن أبعاده 2×3 أمتار لإيواء 50 زوجا من الحمام الطليق و100 زوج من الحمام الحبيس.
أبراج الحمام
وأبراج الحمام نوعان، أبراج عادية وتكون أما من الخشب أو الطين أو البناء. وتتكون الأبراج الخشبية من عدة طوابق، وكل طابق مقسم إلى عيون لتكون بمثابة أعشاش تربية، على هيئة أرفف لها عتبات، ويبعد أول دور عن الأرض بمسافة متر، ويوضع البرج على قوائم خشبية أو على الأسطح أو يعلق على الحائط إذا كان صغيرا, ويكون شكل البرج إما مستطيلا أو مربعا أومخمسا، ويكون إرتفاع البرج من 2 إلى3 أمتار ويكون عرض الضلع مترا، وسقف البرج هرميا أو مخروطيا أو مثبتا بقوائم في وسط البرج، وبأعلى البرج فتحات بأبعاد 10×10 سم تقفل وتفتح حسب الطلب بأبواب خشبية، وللبرج عادة مدخل إرتفاعه 100×60 سم وله باب خشبي من الخارج وباب سلكي من الداخل، وأبعاده 2×3 أمتار وإرتفاعه 3 أمتار ويكفي لإيواء 200 زوج حمام، وتختلف أشكال وأحجام الأبراج حسب عدد الحمام ومقدرة المربي، ومن الأبراج أشكال جميلة توضع في الحدائق على شكل هرمي يسع من 5 إلى10 أزواج وجميعها من الخشب أو المباني وتقسم إلى أدوار قليلة ويتكون من أعشاش لها عتبات تفتح للخارج مباشرة، ويحمل على قائم من الخشب أو المباني، وقد يلحق بالبرج الخشب إطار من السلك والخشب ليحبس الحمام فيه ويصلح في مرحلة إنتاج الزغاليل.
ويجب أن يكون لكل زوج حمام عشان إحدهما للتربية والفقس والآخر لوضع البيض بالتبادل. ويحتاج الحمام إلى طواجن توضع في الأعشاش أحدهما لكي يعيش فيها وتفرش بالقش وقد تستخدم صناديق صغيرة بدلا منها، وتوضع داخل المساكن معالف وأدوات للشرب وتكون جميعها من الفخار أو من الأواني المعدنية.
أما أبراج الحمام البري وهي تنتشر في الحقول بجانب المزروعات فتصنع من الطين أو الخرسانة والطوب وتكون إسطوانية الشكل أو مضلعة، بطول 4×4,5 أمتار للضلع، وتوضع في جدرانها قوارير، والقوارير عبارة عن إسطوانة من الفخار طولها 25 سنتيمترا وقطر فتحتها 15 سنتيمترا ومنتفخة المؤخرة لتمنع تدحرج البيض، وتوضع القوارير على هيئة صفوف متجهة بفتحاتها إلى الداخل، ولا ترص القوارير في صفوف فوق بعضها ولكن أدوار القوارير تكون متبادلة، ويقسم البرج من الداخل بجدران متعامدة إلى 4 أقسام، ويقسم كل قسم إلى مستطيلين بحواجز من الطين تقام على قضبان خشبية توضع على بعد 1,5 متر من القاعدة، وتوضع القوارير في الحوائط الداخلية والخارجية على السواء وتعمل هذه الحوائط لزيادة السطح الداخلي الذي يوضع فيه القوارير ويحتوي البرج عادة على 700 إلى 1200 بيت يسكنه من 500- 700 زوج ويكون للبرج باب خارجي صغير إرتفاعه حوالي متر، وتفتح الأقسام الداخلية فيما بينها بفتحات مماثلة، ويترك في الحوائط فتحات من أعلى البرج قطرها 8 سنتيمترات لمرور الحمام ويوضع تحت كل فتحة أوتاد أو عتب خشب ليحط عليها الحمام. ويعمر البرج بوضع الغذاء والماء فيه لإغراء الحمام، أوبوضع 15 – 25 زوجا من الحمام البلدي ويقص ريش الحمامة قبل وضعها لكيلا تطير حتى تبيض وتتكاثر في البرج، ويعطي كل برج من هذا النوع قدرا كبيرا و1000 زوج من الزغاليل على مرتين في العام ويترك الباقي لتعمير البرج والتكاثر.
وعادة مايختلف حجم وشكل هذه الأبراج كثيرا، حتى أنه يوجد منها أبراج تسع 100 ألف زوج حمام بري، ويعمل الأساس من الطوب الأحمر والحجر وتوضع عروق خشب متعامدة من الداخل ليقف عليها الحمام، وتنظف الأبراج والمساكن يوميا وينظف مكان الأعشاش بعد كل فقس وتطهر المساكن مرتين في العام بماء الجير.
تغذية الحمام
ويتغذى الحمام على الحبوب الصحيحة من الفول البلدي صغير الحجم والذرة الرفيعة وبعض أصناف اللوبيا والفاصوليا بعمل خليط منها تكون نسبة البروتين به حوالي 14% ولا تزيد نسبة الألياف عن 5% من إضافة مصدر غني بالكالسيوم وتقديم الماء النقي له بإستمرار، ويتم تغذية الحمام باليد ويعطى وجبتين أوثلاثا يوميا، أو يوضع الغذاء أمامه طيلة الوقت، وعندئذ يعطى مؤونة يوم واحد عادة، ويحتاج زوج الحمام الذي ينتج إثني عشر زغلولا في العام إلى حوالي 40 – 45 كيلوجراما من العلف في العام.
ويمكن تسويق الزغاليل بعد أربعة أسابيع وتترك الأفراد المنتجة للتربية في عشها حتى يصل عمرها إلى شهرين وعندئذ تكون قد تعلمت الأكل بنفسها.
وسماد الحمام " الدسمال" المتخلف عن الحمام يستخدم في تسميد الخضراوات وتتراوح نسبة ما به من نترات من 4,4 إلى 6,5 % وتنتج الحمامة الحبيسة نحو خمسة كيلوجرامات في العام أما الطليقة فتنتج نصف هذه الكمية، ويعتبر سماد الحمام من أهم مصادر الدخل من الأبراج.
التزاوج في يناير
ويبدأ الحمام في التزاوج من شهر يناير ويختار كل ذكر أو أنثى شريكه أو يجمع بينهما المربي حيث يختار الأفراد التي تتزاوج مع بعضها ويقفل عليها في مكان مظلم إلى أن يأتلفا. وتضع الأنثى بعد التآلف بأسبوع بيضة ثم بيضة أخرى بعد 48 ساعة ولا يصح تفريخ بيض الحمام في مفرخات صناعية لأن الصغار تفقس عارية لم يكتمل نموها الجنيني بعد وتحتاج إلى تغذية خاصة من أمها تحتوي على لبن الحويصلة المختلط بالغذاء المهروس، كذلك تحتاج إلى رعاية الأم وحضانتها لتدفئتها. وبعد أن تربي الأم صغارها تبدأ في وضع البيض ثانية في العش المجاور وهكذا، وتمتد الفترة مابين كل تزاوج والآخر إلى 45 يوما بين الخريف والشتاء، وشهر في الصيف والربيع ومدة التفريخ من 17- 18 يوما، ويبدأ الحمام عادة في التناسل في عمر 5- 6 أشهر ويصعب التمييز بين الجنسين.
مسابقات دولية ومحلية
وحمام السباق ويسمى بحمام الرياضة وهو الحمام الزاجل المعروف، ويمتاز بشدة ذكائه وسرعة طيرانه وحدة بصره وموطنه الأصلي الشام ومصر ثم أنتقل إلى أوروبا عن طريق الحروب الصليبية.
وتعتبر بلجيكا من أولى الدول التي إهتمت بتربية الحمام الزاجل وتحسين صفاته بتزاوج بين الحمام العربي المشهور وحمام القلاع البري الأصغر حجما ويطير لمسافات أكبر، إذ يتميز الحمام الزاجل العربي بكبر حجمه وطوله الذي يصل إلى 40 سم، ثم بدأ هذا الإهتمام ينتشر في باقي البلاد الأوروبية وأصبحت هواية الحمام الزاجل من أشهر الهوايات في أوروبا، ويقوم الإتحاد الدولي لحمام السباق الزاجل بتنظيم المسابقات الخاصة به، وتعتبر مصر الدولة العربية الوحيدة المشتركة في الإتحاد الدولي.
وتوجد في مصر جمعية لهواة الحمام الزاجل من مختلف الثقافات والأعمار تضمهم جميعا هواية واحدة هي هواية تربية الحمام غير أن كثيرا من الهواة غير منضمين للجمعية وتقوم كل دولة بتنظيم برنامج مسابقات للحمام خاص به إلى جانب السباقات الدولية وأشهر سباق هو سباق برشلونة في أسبانيا وعادة تكون نقطة الإنطلاق من جنوب أسبانيا ويبلغ طوله 700ميل.
وفي مصر يقوم الإتحاد المصري لحمام السباق بالتعاون مع جمعية الحمام الزاجل في تكوين برنامج للسباقات بالحمام الكبير والصغير(الزغاليل). ويبدأ برنامج سباقات الحمام الكبير من محطة الواسطي وينتهي في محطة أسوان بمسافة 900 كيلومتر، ومن شروط السباق أن يكون المتسابق هاويا ومشتركا في جمعية هواة الحمام، أما بالنسبة للحمام فيشترط أن يكون مسجلا في سجلات الإتحاد، ويتم تسجيل الحمام بتدوين رقم صغير وتاريخ العام على دبلة خاصة يتم تركيبها في رجل الحمامة من عمر سبعة أيام هذا، إذا كان يريد الهاوي الإشتراك في السباق، ويقوم الهاوي في العادة ببيع الزغاليل الزائدة للهواة الجدد حيث يصل ثمن الصغير من عشرة جنيهات إلى عشرين جنيها أما الحمام الكبير فيتوقف سعره على السلالة وأصل الحمامة، ومن أقدم السلالات في مصر"اللوجن" و" الأوسمن" ويعتبر الحمام الزاجل من أطول أنواع الحمام عمرا ويتراوح متوسط عمره من 12 إلى 14 عاما.. وهو يشترك في السباق من عمر 4 أشهر إلى 8 سنوات ومتوسط إنتاجه ثلاثة أزواج من الزغاليل في السنة ويبدأ في الإنتاج من سن سنة إلى سن 12 سنة ويتميز بتشكيلة من الألوان المختلفة وأشهرها الأذاذي " الرمادي" والأحمر والأبيض المنقط، وأحدث سلالاته "الميدسن" و" ودوردان" و" الفاندربلاش"..
ويربى الحمام الزاجل في بيوت خاصة ذات علية تسمى باللوفت، وهواة الحمام الزاجل لا يأكلون الحمام وخاصة الذي يقومون بتربيته.
صيد الحمام
كما يعتبر صيد الحمام من الهوايات المشهورة منذ زمن بعيد، ومن يزاولون هذه الرياضة يعرفون أماكن تواجد الحمام، وعادة يكون من النوع البري، ويكثر إنتشاره في " ميدوم" في محافظة بني سويف و "سقارة" في الجيزة". حيث يخرجون في جماعات لصيده، وصيد الحمام هواية معروفة عند العرب.
ومن أهم مراكز تربية الحمام في الشرق الأوسط عموما قرية أورفة في جنوب غرب تركيا، والتي إستحقت أن يطلق عليها إسم "قرية الحمام".
فأغلب رجال قرية أورفة تجاوزت مشاعرهم تجاه هذا الطائر مجرد الإهتمام العادي لتتحول إلى عاطفة عميقة تشدهم وتدفعهم إلى اللقاء الدوري في مقهى يتوافدون عليه لبحث شؤون الحمام اليومية ومتاعبهم تجاه ما يجد من أمور ونزاعات ومشاريع للتقريب من وجهات النظر وأفضل السبل لتحسين النسل وتقوية الأجيال المقبلة من الحمام.
ومن غرائب مايجري في أورفة أن عدد الحمام تجاوز بكثير عدد سكان القرية من رجال ونساء وأطفال فضلا عن بقية الحيوانات الأكثر تواضعا في عددها وقلة الأهتمام بها إزاء مايحظى به الحمام المدلل. إذ تدل آخر الإحصاءات على أن عدده تجاوز خمسة وثلاثين ألفا، ونية السكان تسير بإتجاه مضاعفة هذا الرقم، في السنوات المقبلة.
وإهتمام سكان أورفة (مجموع سكانها خمسة آلاف إنسان وخمسة وثلاثون ألف حمامة) بتربية الطيور تاريخي يعود إلى مئات السنين. ومنها إستوحى أشهر أنواع الحمام إسمه "الأورفة لي" فالحمام الأورفة لي مشهور، وهنا نتحدث عن " الأصيل" منه حسب تعبير مربي الحمام، بلونه الأبيض وغرته الصغيرة وطيرانه القصير المدى إذ يفضل حمام الأورفة لي، الطيران قرب بيته أو"برجه" إذا كان مبنيا على سطح البيت. ليؤكد بذلك حبه للإستقرار وعزوفه عن المغامرة.
ولعل أهم مكان للقاء المهتمين بحمام الأورفة لي هو مقهى أربور الواقع في منتصف الطريق بين جامع إبراهيم والسوق الكبير في أورفة. ويؤمه مربو الحمام من جميع أنحاء العالم وخاصة من بغداد وبيروت ودمشق ساعين لتبادل الخبرات وللحصول على الحمام الأصلي أو" المطعم" أي الهجين بعد مزاوجة أنواع مختلفة من الحمام.
وتختلف نظرة المجتمع إلى مربي الحمام بإختلاف الدول، تتراوح درجة إحترامهم وتقديرهم تبعا لمدى حرصهم على راحة الآخرين وعدم إزعاجهم.
وهواية تربية الحمام لا تعني بالفائدة المادية بل وتصل أحيانا إلى حد تجاهل ذلك الجانب تماما. أنها شغف يستولي على الهاوي ويستحوذ عليه ويدفعه إلى السفر من مكان إلى آخر، بحثا عن أنواع جديدة من الحمام، يحسن بواسطتها نسل مالديه. وهي إضافة إلى ذلك كله، رياضة ومسؤولية، تستدعي أن ينهض الهاوي مبكرا حتى يطير الحمام، مانعا إياه من الحط السريع بعد عدة دورات قصيرة مستخدما في ذلك الصفارة وعصا طويلة يشد في نهايتها قطعة قماش يحركها في الهواء بشكل سريع بمصاحبة الصفير والقفزات القصيرة، مما يجعل العملية تبدو وكأنها تمرين جسدي وصوتي في آن.
ولمربي الحمام لغتهم الخاصة وتعابيرهم المغايرة للآخرين أما حديثهم فواحد لا غير: الحمام والحمام فقط. أنهم نموذج خاص ومتميز من الرجال، لا يخوضون في السياسة ومخاطرها ولا التغيرات الإقتصادية ولا حتى التغني بمحاسن الجميلات من النساء، أشهر مربي الحمام في أورفة هو سارافيتين أيبار، صاحب مقهى آربور، وهو صاحب نفوذ ومكانة بين مربي الحمام تصل إلى مرتبة الرئيس ووزرائه والقائد بين جنوده. ففي مقهاه تتم اللقاءات الحاسمة والعادية وبين " إستكانات" الشاي تجري المفاوضات لتحسين نسل الحمام. وهو الذي يحدد أوقات التناسل وتربيها كما يدلي برأيه في الأنواع المختارة.
وذروة الإحتكام إلى رأيه تصل حين يطلب منه إسداء المشورة في السباق اليومي لكسب الحمام، ومدة السباق ثلاث ساعات، تبدأ عادة في الساعة الثانية بعد الظهر فيطير كل مربي مجموعة حمامه المدربة على كسب الحمام من المجموعات الأخرى. ولكل مجموعة قائد ذكر وإن كان عبء جذب ذكور المجموعة الأخرى يقع على الإناث. فيحاول المربي تزيين إناث الحمام وتلوينها, بل ووصل بعضهم إلى إختراع بدعة تزيينها بالخرز أو القرط اللامع المتوهج. وغالبا ماينتهي السباق بانضمام عدد من الحمام إلى مجموعة أخرى، مما يسبب رغم عدالة مايجري، إثارة الحساسية بين المتسابقين. هنا يأتي دور أيبار لحل المشاكل فيلعب دور الوسيط في إعادة الحمام المفقود إلى صاحبه مقابل تعويض مالي معين.
ويتراوح سعر الحمام الأورفة لي بين أربعين إلى ثمانين دولار أمريكي، وأغلاه ثمنا هو " الأحمر" الذي يعتقد السكان بأنه طير تاريخي يعود في أصوله إلى عهد نبينا إبراهيم عليه السلام.
ساحة النقاش