authentication required

  ندوات الإعجاز العلمي
*************
تم إلقاؤها بإذاعة دار الفتوى بلبنان
الحمام الزاجل
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
********************
بسم الله الرحمن الرحيم
***************
اللهم صلِ ، وسلم ، وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، لقد اعترف بلغاء العرب بروعة النظم القرآني ، وتميزه عن كلام البشر ، فهذا الوليد بن المغيرة يقول في القرآن الكريم رغم كفره : " إن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أسفله لمغدق ، وإن أعلاه لمثمر ، وإنه ليعلو ، ولا يعلى عليه " .

وقد دفع ذلك بنفر من المسلمين إلى تصور الإعجاز القرآني أساساً في جوانب بيانه ونظمه ، وأفاض الأقدمون والمحدثون في ذلك ، فأفصحوا عن جوانب من الإعجاز البياني في القرآن الكريم ملأت العديد من المجلدات ، دون أن يتمكنوا من إيفاء ذلك الجانب حقه كاملاً ، نتابع مع الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة ، ومع كتاب لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي  الأستاذ المحاضر في كلية التربية بجامعة دمشق ، والخطيب والمدرس الديني في مساجد دمشق ، أهلاً وسهلاً بك .
*********
س/ حينما تتفكر ، وتتأمل في خلقه ، وأنت جالس على الشرفة قد يتراءى إليك حمام يطير في السماء ، فهل من الممكن أن تتأمل بأن حمام الزاجل هذا كان يستخدم كبريد جوي ؟ هذا هو السؤال المحير ، والذي نرى عنواناً كبيراً في كتابكم ، فحدِّثونا أفادكم الله .

ج/ إن شاء الله ، لفت نظري مرة أن مقالة كتب عليها: " حمام الزاجل أول وكالة أنباء في التاريخ " ، وقد نربط هذا الموضوع العلمي بتاريخنا القريب ، فالأمير نور الدين الشهيد استخدم البريد الجوي حينما كان أميراً على بلاد الشام ومصر معاً ، فكان يرسل بريداً من الشام إلى مصر ، وتأتيه الأجوبة في زمن قصير جداً عن طريق حمام الزاجل ، ماذا قال العلماء عن حمام الزاجل ؟ قالوا : حمام الزاجل ، وله اسم آخر ، حمام الرسائل ، له ما يزيد على خمسمائة نوع ، وهذا شيء لا يصدق ، هو يمتاز بحدة الذكاء والقدرة الفائقة على الطيران ، ويمتاز بغريزة قوية يهتدي بها إلى هدفه وموطنه ، هو مخلوق مستأنس ألِفٌ ، قال تعالى :

[ سورة يس : الآية 72]

كلمة } ذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ { فيها معانٍ كثيرة جداً ، هذا الحيوان الذي يألفه الإنسان ، ويألف الإنسان ، ويستخدمه ، ويعينه على أداء مهماته ، لولا أن الله ذلّله لما أمكنه أن ينتفع منه ، لو أن أخلاق هذه الأنعام التي نأكلها كأخلاق الذئاب كيف نتعامل معها ؟

دكتور محمد ، بالنسبة لاسم هذا الحمام ذكرت أنه حمام الزاجل ، هل هناك فرق بين الحمام العادي وحمام الزاجل ؟

طبعاً هذا كأن الله خلقه لهذه المهمة ، تعلمون أن هناك كلابًا كثيرة ، لكن الكلاب البوليسية قدرة شمّها مليون ضعف عن بقية الأصناف ، معنى ذلك أنها مخلوقة خصيصاً لهذا الهدف ، فيبدو أن حمام الزاجل في أصل تصميمه ، وفي أصل خلقه قد خلقه الله ليعين الإنسان على نقل المعلومات والأخبار .

هناك سؤال : من ذلّل هذا الطير ؟ من جعله حاد الذكاء ؟ من جعله ذا قدرة فائقة على الطيران ؟ من جعله ذا غريزة قوية يهتدي بها إلى هدفه ؟ من جعله مستأنساً يألف الإنسان ، ويخدمه ، وهو مسخر له ؟ إن هذا الطير ، حمام الزاجل أو حمام الرسائل كما يسمى يقطع مسافة ألف كيلو متر دون توقف ، في طيران مستمر ، يقطعها بسرعة كيلو متر واحد في الدقيقة ، أي يقطع في الساعة ستين كيلو مترًا ، ويعطي حمام الزاجل هذا سنوياً تسعة أزواج من الزغاليل كل عام ، ما سمعنا أن طائرة دفعنا ثمنها مئات الملايين من الدولارات أنتجت لنا طائرة صغيرة في آخر العام ، فحمام الزاجل يعطي سنوياً تسعة أزواج من الزغاليل كل عام ، ويعين على نقل الرسائل عبر الآفاق ، ويهتدي إلى إيصالها بسرعة فائقة بالقياس إلى ذلك الزمن .

فضيلة الدكتور ، مَن استخدم هذا الحمام ؟

يروي التاريخ القريب من الحديث أن السلطان نور الدين استخدم الحمام لنقل رسائله بين دمشق والقاهرة ، حيث كان البريد ينقل عن طريق الحمام ، وكان اسم السلطان ينقش على منقار هذا الحمام ، وكان له ورق خاص يحمله لينقل به الرسائل ذا الوزن الخفيف نسبياً ، وكان هذا السلطان يستخدم ألفين من الحمام لنقل الرسائل بينه وبين عماله في الأمصار .

إن ثمة لغزاً كبيراً جداً مازال إلى اليوم يحير الباحثين ، كيف يهتدي هذا الحمام الذي خلقه الله سبحانه وتعالى إلى هدفه ؟ وما الطريقة التي يستخدمها ؟ ويسأل العلماء : كيف يستدل الحمام على طريقه الطويل في السفر ؟

بالمناسبة ، ما من نظرية وضعت لتفسير ظاهرة اهتداء الطير إلى هدفه إلا ونقضها العلم ، حتى الآن ليس هناك نظرية تفسر اهتداء هذا الطائر عبر عشرات الآلاف من الكيلو مترات ليلاً أو نهاراً فوق البحر ، أو فوق اليابسة دون أن يضل الطريق إلى هدفه ، والطائر أحياناً ينتقل من شمال الكرة إلى جنوبها ، وقد تكون رحلته تزيد على سبعة عشر ألف كيلو متر ، لو أنه أخطأ في درجة واحدة من زوايا الانطلاق لجاء في مكان آخر ، مثلاً حي من أحياء بيروت فيه بيت فيه عش طائر ، هذا الطائر يهاجر إلى جنوب إفريقيا ، في طريق العودة لو أخطأ في درجة واحدة في زاوية الطيران لجاء في العراق ، ما الذي يجعله يأتي إلى بيروت بالذات ؟ هذا الشيء لا يزال محيراً .

مرة اطلعت على بحث يزيد على ثمانين صفحة في أرقى مجلات الجغرافيا في العالم ، إلى الآن ليس هناك جواب مقنع وشافٍ ، ويغطي كل حركات الطيران .

مثلاً : لعلهم يفهمون أن هذا الطائر مبرمج على أن يسافر من الشمال إلى الجنوب ، ومن الجنوب إلى الشمال ، فجاؤوا بمئة طائر ، وعلّموها ، وأخذوها إلى الهند من بريطانيا ، إذاً هي تطير الآن في اتجاه الغرب ، جاؤوا بعدد من الطيور ، ونقلوها إلى بلاد شرقية كالهند مثلاً ، التي أُخِذت من بريطانيا عادت إلى بريطانيا ، فسّر ذلك مرة بالشمس ، مرة بالساحة المغناطيسية ، فسّر ذلك بالتضاريس ، ما من تفسير إلا وصار عاجزاً عن تغطية هذه القدرة التي أودعها الله في الطائر ، إلا أن بعض علماء المسلمين قال : حينما قال الله تعالى :

[ سورة الملك : الآية 19]

استنبط علماء المسلمين أن اهتداء الطير إلى هدفه يتم مباشرة بتوجيه الله عز وجل ، من قوله تعالى :

[ سورة الملك : الآية 19]

على كل الحمام يعد كما قلنا في مطلع هذا اللقاء الطيب : أول وكالة أنباء في التاريخ .

دكتور ، إن أردنا أن نتجاوز عن تفسير رجوع الطير إلى موطنه الأصلي فمن الممكن أن نتجاوز عنه ، ولكن كيف نتجاوز عن تفسير أنه يرسل الطائر إلى مكان آخر غير موطنه ليبعث برسالة فهنا تفسير عجيب ؟

سوف نحاول أن نفسر ذلك ، الحقيقة أن الإغريق واليونان والرومان والعرب ، وفي كل العصور كانوا يستخدمون هذا الطائر لنقل الرسائل وإيصال الأنباء ، وقد استخدمته بعض الدول الغربية كهولندا لإبلاغ الأوامر إلى سومطرة ، تصور من هولندا إلى سومطرة ، وجاء إلى جنوب شرق آسيا يقطع مسافات تزيد على سبعة عشر ألف كيلو متر تقريباً ، لكن السؤال الذي يحير العقول كما تفضلت به قبل قليل : كيف يهتدي هذا الطائر عبر هذه المسافات الطويلة التي يعجز عن الاهتداء إليها أذكى طيار على وجه الأرض ؟ الطيار هناك محطات أرضية نظامية كثيرة جداً ترسل له إشارات ، كيف يعرف الطيار أين هو على سطح الأرض ؟ لولا هذه المحطات التي ترشده إلى مكان وجوده لما أمكنه أن يهتدي .

طبعاً هذا واضح جداً في مخلوقات أخرى ، أنا ذكرت مرة أن بعض الأسماك تأتي من ينابيع الأنهار في أمريكا إلى مصباتها إلى الشرق إلى سواحل أوربا في المحيط الأطلسي ، وتعود إلى مصبات الأنهار إلى رؤوس الأنهار فتموت هناك ، لو أنها أخطأت في درجة واحدة أيضاً لكانت قد أتت من نهر الأمازون ، فإذا بها في نهر آخر ، شيء عجيب جداً .

على كل الطيار يستخدم إشارات وإحداثيات وخرائط ، وبث مستمر يحدد له في أي موقع هو على سطح الأرض ، إنها رحلة طويلة من غرب أوربا إلى جنوب شرق آسيا ، فكيف ـ كما تساءلتم جزاكم الله خيراً ـ فكيف يوصل طائر صغير رسالة إلى أبعد مكان ، وكيف تعمل الحاسة التي توجه الطائر نحو طريقه ؟ قال العلماء : إن شيئاً ما يوجه هذه الطيور إلى أهدافها لا نعرفه ، وأروع ما في الموضوع كما قال سيدنا الصديق : العجز عن الإدراك إدراك .

أحياناً الإنسان يرى لغزاً لا حل له ، أقول لك ، وأنا واثق من هذا الكلام : إنه حتى الآن ليس هناك تفسير علمي واضح لحركة الطيور ، ليس هناك جواب ، إلا أنني فهمت من قوله تعالى كما فهم غيري أن الله سبحانه وتعالى يوجه توجيهاً مباشراً هذا الطير ليكون آية على عظمة الله عز وجل .

قد توقع بعض علماء الأرض أن معالم الأرض تنطبع في ذاكرة هذا الطير ، فهو يعرفها ، ويهتدي بها ، هذه فريضة، فجاء عالم آخر ، ونقض هذه الفرضية بأن جاء بحمام الزاجل ، وعصب عينيه ، وأطلقه فانطلق إلى هدفه ، هذه النظرية أصبحت باطلة ، فأين تلك المعالم ؟ وأين الذاكرة على الرغم من أنه قد عصبت عيناه انطلق إلى هدفه ؟

فرضية ثانية : أنه يشكل مع الشمس زاوية يهتدي بها إلى وطنه ، فلما قيل : يطير في الليل فكيف يهتدي إلى هدفه ، وهو يطير ليلاً نقضت هذه النظرية .

نظرية ثالثة : إنهم توقعوا وجود جهاز رادار في دماغه يهديه إلى الهدف ، فوضعوا على رأسه جهازاً صغيراً كهربائياً يصدر إشارات كهربائية من أجل أن تشوش عليه ، ومع ذلك وصل إلى هدفه .

ثم توقعوا أنه يهتدي إلى أهدافه عن طريق الساحة المغناطيسية في الأرض ، فوضعوا في أرجله حلقات حديدية ممغنطة من أجل تشويش هذه الساحة فاهتدى إلى هدفه .

لم تبق عندهم من نظرية إلا ونقضت ، فكيف يقطع الطائر عشرات الآلاف من الأميال فوق البحر ، وفوق الجبال ، وفي الصحراء ، وفي الوديان ، وكيف يأخذ زاوية باتجاه الهدف ، هذا سر لا يزال يحير عقول العلماء ، وقد قال أحد العلماء : إن شيئاً ما يوجه الطيور إلى موطنها ، قال تعالى :

[ سورة طه]

وأصح تفسير لهذا الموضوع أن الأمر يتعلق بهداية الله سبحانه وتعالى ، قال تعالى :

[ سورة الأعلى ]

لذلك يسمي علماء التوحيد هذه الظاهرة التي تحير العقول هداية الله تعالى ، ويسميها علماء الحياة الغريزية آلية معقدة توجد عند المخلوق دون تعلم ، عمل ذكي على مراحل ومبرمج يفعله الحيوان بلا تعلم .

الإنسان حينما يتعلم يتحرك وفق علمه ، لكن الحيوان أحياناً يقوم بأعمال بالغة التعقيد من دون تعلم ، هذه اصطلح على تسميتها بالغريزة ، والغريزة عمل معقد جداً على مراحل مبرمج ، ولكن بلا تعلم ، مثلاً الإنسان يولد ، ولد لتوه كيف يستطيع الأب أن يعلمه كيف يمص ثدي أمه ليشرب من حليبها ؟ هل هناك قوة في الأرض تستطيع أن تعلم المولود لتوه ؟ لو أن الأب قال له : يا بني ، لابد من أن تشرب الحليب من ثدي أمك ، ضع فمك على حلمة ثدي أمك ، واحكم الإغلاق ، ثم اسحب الهواء ، هل هناك في الأرض قوة تستطيع أن تعلم هذا الوليد ؟ أبداً ، قال علماء الطب : إن الطفل الذي يولد لتوه مركوز فيه منعكس اسمه منعكس المص ، دون تعلم ، لمجرد أن يضع الوليد فمه على ثدي أمه يحكم الإغلاق ، ويسحب الهواء ، فيأتيه الحليب ، هذا المنعكس الوحيد الذي خلق مع الإنسان ، ولولاه لما كانت هذه الندوة .

 

إذاً الهداية من الله سبحانه وتعالى كما ذكرتم ، في نهاية هذه الحلقة كنا قد تحدثنا أيها الإخوة و الأخوات في هذه الحلقة عن حمام الزاجل ، البريد الجوي ، إنه ليس حديث ، بل إنه قديم ، إن هذا الطير ، حمام الزاجل أو حمام الرسائل كان يسمى يقطع المسافات الكبيرة جداً ، ويهتدي بنور الله سبحانه و تعالى .

أيها الإخوة ، كنتم مع فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، من الحلقات الإعجاز العلمي في القرآن والسنة .

المصدر: تم إلقاؤها بإذاعة دار الفتوى بلبنان
  • Currently 190/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
52 تصويتات / 933 مشاهدة
نشرت فى 8 يوليو 2010 بواسطة mohamedashraf

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

648,406