ملتقى المعرفة محاسب / محمد يوسف عليوة

منتدى الصيد والاسماك وركن المعارف المتنوعة

مدن في البحر

ناشر الموضوع : محب النبي




المركب السياحي نولا هي أكبر من أي وقت مضى إذ تضاعف حجمها في العقد الأخير. هناك مائة وخمسون سفينة سياحية في العالم تحمل أكثر من سبعة ملايين شخص سنويا. يعلو بعضها أكثر من خمسة عشر طابقا، وهي أثقل من سفينتين ونصف تايتانيك. تحمل بعضها أربعة آلاف شخص. تحولت السفن السياحية إلى هدف بحد ذاته، وكأنها مدن افتراضية في البحر. بعض منها فندق والبعض الآخر حديقة ملاهي فيها ملامح لاس فيغاس.
تحولت فرص البعض لقضاء إجازة في البحر إلى جعل السفن السياحية صناعة تساوي مليارات الدولارات، إذ تكلف كل منها أربعمائة مليون دولار، ما يؤدي إلى ازدهار بناء السفن السياحية. يوجد اليوم طلب على خمسين سفينة سياحية في العالم. حوض كافيرنير لصناعة السفن في هلسينكي فنلندا يشيد مجموعة جديدة من السفن السياحية لشركة كرنفال. وهناك ثلاث سفن في مراحل مختلفة من البناء. أكثر اكتمالا سفينة كرنفال برايد التي تزن ستة وثمانين طنا، وهي شبه جاهزة للإبحار. تليها في العمل كارنافال ليجيند، بهيكلها العملاق في الحوض الجاف. أما السفينة الثالثة فهي ميريكيل، وهي أجزاء من الحديد في قسم آخر من حوض كافيرنير.
يعتمد في العمل على مبدأ أساسي هو تسليم سفينة تعوم. هناك سفينة في حوض البناء ،وأخرى في المعرض التجاري، فما أن يتم تسليم الجاهزة لتبدأ العمل حتى تنقل التي في حوض البناء إلى المعرض نهاية الأسبوع التالي، حيث تجهز الثالث لتحتل مكان الثانية في حوض البناء وتعد العدة لولادة سفينة جديدة. أي أنها عملية إنتاج متعاقبة.
تتشكل بين السفن الثلاثة في مراحلها المختلفة نوعا من الروح المشتركة هي روح الرِفعة.
عند تعاقد كارنفال على سفينة جديدة يدرك أنه بعد ثلاثة أعوام سيستقبل البحر سلعة تقارب قيمتها خمسمائة مليون دولار وأنها ستعيش هناك حوالي ثلاثين عاما.
يستغرق حوالي ألف وخمسمائة عامين وثلاثة أشهر لبناء سفينة بدءا من التصميم وانتهاء بالتسليم. يعمل مائة وستون مهندسا ومصمما بحريا على تحسين السفينة باستمرار وهي قيد البناء.
يبدأ كل شيء هناك في ورشة تقطيع ألواح الحديد، تقطع صفائح الحديد تحت الماء بقواطع البلازما. يتولى القوس الكهربائي تسخين البلازما لأكثر من عشرين ألف درجة على مقياس سيلسيوس. تدفع القواطع الغاز المسخن جدا عبر الحديد لتقص أطرافه بدقة متناهية. هذه مسألة حاسمة لأنه من المفترض بالألواح أن تلتحم في جسم غير متجانس. يقطع أكثر من مائتي لوح من الحديد لكل سفينة. بعد التقطيع ترقم الأجزاء لتركيبها. تُجمع بعض أجزاء السفينة مسبقا في ورشة الجمع. ثم تنقل عبر شاحنة تتحرك باثنين وسبعين عجلة نحو الحوض الجاف. تكدس الأجزاء لتصبح جزءا من بدن السفينة.
تجمع الأجزاء معا بثلاث أو أربع طبقات. هذا ما يعتبرونها شحنات هائلة.
يمكن للرافعة المثبتة في الحوض الجاف أن تحمل ما يقارب الأربعمائة وخمسين طنا، هو وزن أثقل أجزاء السفينة.
بدأ التلحيم بعد الجمع ويستمر لعدة أشهر. يُجمع البدن والبنية العليا في الحوض الجاف.
يتم تركيب ستة محركات هائلة في مراحل البناء الأولى. يزن كل منها أحد عشر طنا ونصف الطن قادر على توليد قوة توازي ثلاثة وثمانين ألف حصان. ولكن ما يقود السفينة يشكل ثورة في مناورات البحر.
يبدأ الإيداع في أحواض كافيرنير هلسينكي تحت الماء. يسعى المصممين والمهندسين باستمرار للعثور على أفضل سبل لجعل الملاحة آمنة وأكثر استقرارا. هذا ما قادهم إلى إجراء تطوير في دفع السفن السياحية تكمن فيما يعرف ب آزيباد، التي صممت بداية لسفن عبور الجليد. أضيفت هذه الدوافع الهائلة إلى السفن السياحية عام ثمانية وتسعين وذلك في سلسلة كرنفال. وقد أصبحت اليوم من متطلبات السفن السياحية التي قيد البناء.
اعتبر تبني آزيباد من وجهة نظر كرنفال إبداعا جديدا، ذلك أنه أقل ضجيجا وأقل اهتزازا كما أنه أكثر توفيرا للوقود إذ يوفر حوالي خمسين بالمائة منه.
يعتمد آزيباد على الدفع الكهربائي تركب محركاته في مستوعبات تحت الماء. وهو قادر على الانحراف ثلاثمائة وستين درجة. ما جعل الدفة المستعملة منذ مئات السنين قديمة بلا جدوى.
تتحرك الدوافع إلى الأمام، وكأنك تركب دراجة تقلبها بالعكس هذا هو التشبيه الأرجح بهذه الحالة. أي أنها تخوض في المياه إلى الأمام ليس فيها مطاط أو ما شابه من عناصر تفصل بينها وبين الماء الذي تتحرك فيه.
تتحرك الدوافع بكل بساطة وتقودك في الوجهة التي تختارها بنفسك بخط مستقيم أو مائل نحو اليمين أو اليسار دون تردد.
صمم الآزيباد ليمنح سهولة أكبر لركاب السفينة وطاقمها الثلاثة آلاف وسبعمائة الذين على متنها في جميع الرحلات الرفيعة المستوى. تتسع هذه السفن لما يشبه سكان مدينة صغيرة، لأن مهندسي البحرية تمكنوا من إطالة السفينة لتصل إلى ما يقارب الثلاثمائة، كما يوازي ارتفاعها مبنى بسبعة عشر طابقا، ما يجعلها من أوسع ما بلغته صناعة السفن السياحية.
غالبية حجر البنية الكبرى تواجه البحر، بينما توضع المعدات الثقيلة والآلات وسط السفينة خلف ممرات الركاب.
هذا التصميم العالي والرفيع يمكن المهندسين من إضافة الشرفات التي كانت مطلوبة جدا.
أدركوا من آراء نزلائهم أنهم لا يكتفون بالنوافذ المطلة على البحر بل يفضلون الشرفات للتنزه فيها وتنشق الهواء والجلوس ليلا وما هو أكثر من ذلك أيضا، هذا ما قاله لهم النزلاء على الأقل.
توصف سفن العائلة بالسفن السياحية والرفيعة المستوى. فقد صممت لتكون طويلة وضيقة لسبب أساسي واحد هو عبور قناة باناما. يوسع ذلك موسم سياحة السفن بتمكينها من العمل في مياه الهادئ وحوض الكاريبي.
صمم حوض كفيرنز الجاف لبناء الحجم المناسب لممرات باناما.
مع اكتمال البدن والبنية الكبرى يفتح الحوض بوابات المياه. يستغرق ملئ الحوض الجاف ست ساعات، لتطفو السفينة بعدها وتنقل إلى طاقم العمل الخارجي بالقرب من الحوض الرئيسي وذلك لاتباع مرحلة البناء التالية.
بعد انتهاء مرحلة البناء الخارجي تتحرك هذه المدينة الصغيرة في عرض البحر. يتمتع مهندسي البحرية بمعرفة جيدة عن قيمة السفن في البحر. ويدركون أن بناء السفن الكبيرة يتطلب أولا البداية بالسفن الصغيرة.
تعرف هولندا بما فيها من مركز مارين الخاص بالأبحاث البحرية العلمية. حين يسعى مهندس بحري طليعي لتجربة تصميم ما، يذهب إلى مركز مارين لما فيه من أحواض ستة متخصصة بتجربة النماذج.
تكمن الخطوة الأولى في مارين في بناء نموذج مصغر عن التصميم، ليجرب في حوض المناورات والإرساء، الذي يبلغ طوله مائة وسبعون مترا، يحتوي على خمسة وثلاثين ألف طن من المياه. يتمتع الحوض بطول كاف لتجارب الملاحة الحرة والمحددة. ويتمتع بعرض كاف لدراسة مزايا المناورات وسط الأمواج.
تعد النماذج من الخشب. يتولى جهاز الحفر عبر الكمبيوتر التوصل إلى نموذج دقيق عن التصميم.
تصنع مارين أكثر من تسعة آلاف نموذج سنويا. تشكل التجارب في ظروف شبه طبيعية طريقة مثلى لإثبات سلوك وأداء السفينة.
التجارب على النماذج بالغ الأهمية لأي تصميم جديد، خصوصا السفن السياحية الكبرى، لأنهم بعد هذه التجارب يقومون بأبحاث أخيرة حول نجاح التصميم.
يتمتع حوض رسو السفن ومناوراتها بالقدرة على تحليل ظروف البحار المتقدمة التي يخضع لها نموذج السفينة. يتولى جدار مولد للأمواج خلق شروط أمواج واقعية قصيرة المدى. ويطلق الرياح من المراوح لخلق أجواء تشبه العواصف.
يمكن التوصل هناك إلى أمواج بارتفاع مترين وأربعين سنتمترا عبر مراحل مختلفة. قد تكون صغيرة ولكن إذا كانوا يجربون نموذجا بقياس واحد على خمسين يعني أنها أمواج علوها عشرين مترا. أي أنهم يحصلون هناك على أمواج كتلك الناجمة عن أعاصير المحيط الأطلسي.
أثناء تحرك السفينة تنتقل عربة إلى جانبها، حيث يراقب التقنيون أداء نموذج السفينة وسط الأمواج. كما تثبت مجسات على جسم النموذج لتمكن الكمبيوتر من قياس الضغط على جسم السفينة وأداء الدوافع.
تتمتع نماذجهم بدفع ذاتي، ما يعني أن فيها محركات داخلية ودفّات ودوافع، أي أنها نسخة طبق الأصل عن السفينة الحقيقية. أي أنها تدفع نفسها بنفسها، كما توجه نفسها بالدفّات. كما أن سمات التوازن فعالة في الوسط أي أنهم أمام نموذج دقيق عن السفينة الحقيقية هناك في حوض التجارب على السفن.
لدى مركز مارين حوض للمياه الضحلة.
لديهم مجموعة من الأحواض المختلفة لأهداف متنوعة، حوض المياه الضحلة يستعمل للتجارب على المياه الضحلة، عندما يريدون إجراء تجربة على غرق السفن في المياه، والمناورة في المياه الضحلة، كما تجرب جوانب السفن المتعلقة بالدفع والمقاومة والقوة لديها.
صممت مارين نظام كمبيوتر معقد لتقليد الملاحة، كانوا في الماضي يجرون أربع أو خمس تجارب على النموذج قبل تحديد التعديلات الضرورية عليه، والتفاعل بين جسم السفينة بكاملها وبدنها الأمامي. أما اليوم فيكتفون بأسبوع أو اثنين عبر برامج الحركة والتقليد في الكمبيوتر.
يفترض بهذه السفن أن تتمتع بأكثر شروط السلامة أثناء الملاحة، عليها أن تمتاز بالتوفير، وعليها أن تكون آمنة، وعليها أن تكون غاية في الراحة،وأن تكون ودية تجاه البيئة، كل هذه المجموعة من العناصر تضعهم أمام تحديات في تولى التصميم من أجلها. علما أن التوافق بين هذه العناصر تستدعي التغير في السفن. و يعتقد أن التفاصيل الغير مرئية هامة للمسافر بحد ذاتها.
بعد وضع الخطط الطموحة وبناء النماذج الخشبية، ترى السفينة الهائلة الرفيعة مستعدة للملاحة انطلاقا من حوض كافرنر في هلسنكي.
يعود تاريخ بناء السفن في هلسنكي إلى عام ألف وثمانمائة وخمسة وستين. منذ عام ألف وتسعمائة وسبعين، شيدت أحواض كافرنر ماسا أكثر من ثمانين سفينة ركاب تتراوح أوزانها بين ألف طن ومائة وسبعة وثلاثين ألف طن.
تعتبر كرنفال برايد آخر ما أنجزته هلسنكي حتى الآن. ينتمي عدد كبير من الألفي شخص العاملين هناك إلى الجيل الثاني والثالث في صناعة السفن، وقد عمل هؤلاء إلى جانب السفن السياحية في بناء ناقلات النفط وناقلات الغاز السائل، وسفن الشحن، وعابرات الجليد والسفن السريعة جدا.
مرت تسعة أشهر على تحول كرنفال برايد من ألواح حديدية لدى قاطعة البلازما، إلى جسم متكامل وبنية هائلة.
سيستغرق عمال حوض كافرنير تسعة أشهر أخرى لإعداد السفينة من الخارج.
يتم العمل على متنها في شبكة الأنابيب ووضع الجدران والإنارة والأثاث لانسجام السفينة كالنغم.
يعمل الآخرون على وضع اللمسات الفنية الأخيرة على روائع تساوي ملايين الدولارات. كما يعملون على إنجاز ألف حجر، وأربع أحواض للسباحة، واثني عشر حانة واستراحة، ومسرح يتسع لألف ومائة مشاهد. حتى قاعة للزفاف.
كل ما يراه النزلاء هناك من الفنون حتى البلاط هي من إنتاج بعض من أهم مصممي المسارح في صناعة الإجازات. علما أن تصميم هذه القاعات من رؤى شخص واحد، هو المهندس المقيم في ميامي جو فاركوس.
شعرت جوأن تصميم سفن كهذه يشكل تجربة بحد ذاته. وقد اعتبر أن جزءا من هذه الإجازات يدور حول التسلية لهذا رأى أن المهندسين العاملين في السفن السياحية من وجهة نظره الخاصة هو شكل من أشكال اللهو الذي تدور صناعته حول الإلهام، كالتحدث عن السينما مثلا وهي من أشكال اللهو الأساسية في العالم أجمع، فحاول أن يسأل نفسه محللا ما يجري أثناء الفيلم ما الذي يدفع الناس إلى السينما باستمرار؟ أراد أخذ الناس إلى مفهوم هندسي يأخذ الناس من الظلام ليضعهم في النور حتى لو كانوا يجلسون على مقاعد لمشاهدة الناس يتحركون ولكنهم جزء من الحدث هم بعض من الممثلين ويلعبون دورا في هذه المسرحية الكبرى التي يشاهدون من البداية حتى النهاية، وهم جزءا منها.
صممت السفينة لتحمل آلاف الأشخاص أسبوعيا لأكثر من أربعين عاما. ولكنها لن تبحر حتى تحصل على ضوء أخضر من رينا، الوكالة الإيطالية المسئولة عن ترخيص السفن. تبقى رينا حاضرة في موقع البناء منذ البداية حتى مغادرة السفينة في رحلتها الأولى.
لديهم فريق تقني في حوض السفينة تكمن مهمته في التثبت من بناء السفينة وفق الخرائط والقواعد والأسس والتصنيف المحدد مسبقا.
يشرف فورتونادو سولفارو على فريق من سبعة مراقبين يعملون دواما كاملا. لكل منهم خبرة عمل في مجالات الكهرباء والحديد والمكننة والوقاية من الحرائق.
ستكون هذه من قاعات التسوق على متن السفينة، بما فيها من بعض التفاصيل الهامة. من بين الجوانب الرئيسية ما تحتويه الأماكن من وسائل وقاية من الحرائق، وهي جوانب هامة من نواحي السلامة والتصنيف. يعملون على تصنيف جميع أرجاء السفينة بحيث تضمن أن تكون الفواصل بين أجزاء السفينة قادرة على احتواء النيران. هذه هي الطريقة المتبعة للوقاية من الحرائق، باعتماد ألواح من الحديد مغطاة بالصوف الصخري وهو من المواد التي تصادق عليها الوكالة.
يتم فحص جميع أرجاء السفينة واختباره من قبل طاقم رينا. تفحص مراكب النجاة وتخضع لامتحان ترخيص قبل استقبالها على متن برايد.
بعد التأكد من آلية إطلاق المركب وصلابة جسمه الخارجي يتولى المفتشين تشغيل المحركات ويقومون بتحريات أخيرة تتعلق بنظام عمل مركب النجاة. وبعد ذلك يتم تثبيته في الموقع المحدد داخل السفينة.
يستمر البحث والتفتيش أثناء عملية البناء دون توقف، يتم التحقق من جوانب السفينة السياحية بحذر كما يتم ربط أجزائها بأسلاك لوحة القيادة والتحكم.
توجد في السفينة عدة كيلومترات من الأسلاك الكهربائية، يفترض غالبية هذه الأسلاك حسب وظائفها أن تكون مقاومة للحرائق.
بالنسبة لهذه الأسلاك لا يمكن التأكد مباشرة من مقاومتها للهب إلا من اللون، فالأسلاك المقاومة للهب على متن السفينة خضراء اللون ولكن يتأكدون عبر رقم ستون ثلاثة وثلاثون واحد، وهو مقياس عالمي يؤكد خضوع هذه الأسلاك لتجارب اللهب.
يشرف ستيفانو غوزولو كرئيس لفريق المهندسين على طاقم تشغيل السفينة.
يتولى هناك عدة مسئوليات، تكمن المهمة الأولى بينها في توجيه وإعداد الطاقم ليصبح جاهزا لقيادة السفينة عند انتهائها والسير بها من الحوض إلى محطة سفن كرنفال.
يعمل مفتشي رينا عن قرب مع شركات السفن السياحية للتأكد من اهتمامها بالبيئة. تحاول صناعة السفن إبعاد نفسها عن ماضيها المؤسف في هذا المجال، فقد تأكد في أواسط التسعينات تورطها في مائة وأربع عمليات مؤكدة لرمي غير مشروعة للنفايات في البحر. كما دفعت غرامات تزيد عن ثلاثين مليون دولار. سعت هذه الصناعة لمعالجة ذلك عبر اتباع خطة بيئية. قامت رينا بتحديد مقاييس النجمة الخضراء تقديرا للسفن التي صممت وشيدت لتعمل ضمن احترام أقصى للبيئة.
ارتقى مستوى السلامة كما ارتقى مستوى احترام البيئة وانخفض مستوى استهلاك الوقود إلى أدنى المستويات لهذا يمكن تشغيل السفن اليوم بكمية أقل من الوقود المستعمل قبل عشر سنوات.
كانت كرنفال اولى الشركات التي حصلت على نجمة رينا الخضراء، ذلك أن مفهوم البيئة لدى كرنفال يعني تجنب التلوث عبر تحويل النفايات وحسن التعامل معها، بالإضافة إلى خفض الدخان المنبعث من المحركات والمحارق.
يعتمد في هذا المجال على التطور التكنولوجي المتوفر لتحسين ما يقومون به من عمل، ويعتقد أن هذه سياسة ستبقى معتمدة لديهم باستمرار.
يتم التحكم بجميع أجزاء البنية التحتية من غرفة القيادة التي تعتمد على بدائل لجميع الأجهزة، بما في ذلك محركات الديزل الهائلة التي تدفع السفينة.
مضى زمن على العصر الذي كانت فيه السفن السياحية تعمل على البخار، حين بدأت هذه الصناعة قبل قرن من اليوم.
تغيرت سفن الركاب جديا منذ أواسط القرن التاسع عشر. كانت السفن التابعة لسيد هذه الصناعة الكندية صمويل كينارد تبحر على شواطئ أمريكا الشمالية، وقد انتهز هذا المليونير فرصة انطلاق العصر البخاري.
دث ذلك عام ألف وثمانمائة وتسعة وثلاثين عندما كانت الحكومة البريطانية تبحث عن وسيلة أسرع لنقل البريد عبر الأطلسي، وقد نجح في هذا الجانب، كان يفترض أن يتلقى ستين ألف جنيه في العام لسبع سنوات لنقل البريد عبر الأطلسي من ليفيربول إلى بوسطن وهاليفاكس وكيبيك. وقد أعد أربع سفن لهذا الغرض تحمل كل منها مائة وعشرة ركاب تعمل جميعها على محركات بخارية طول كل منها أربعة وستين مترا، كانت مجرد سفن عادية يفترض أن تكون آمنة يعتمد عليها.
نمى أسطول كينارد وتطور تدريجيا ليصبح قادرا على نقل مزيد من الركاب، ومع نهاية القرن التاسع عشر حل ما يعرف اليوم بالعصر الذهبي للسفن السياحية.
مع التحول إلى خدمة ركاب من الدرجة الأولى أصبح من الضروري تجهيز السفينة لاستقبال فئات من الطبقات الاجتماعية الراقية، تقوم برحلات سياحية عبر الأطلسي.
حلت الطائرات أواسط القرن العشرين محل السفن كوسيلة نقل فضلى.
عام سبعة وخمسين أصبح عدد المسافرين جوا عبر الأطلسي أكثر من المسافرين بحرا. هذا ما قضى على شركات النقل الصغرى والأقل ثباتا، أما الشركات الكبرى فاستمرت باعتمادها على التحول إلى السياحة.
نمت السفن السياحية وازدهرت شعبيتها منذ أواسط السبعينات، كما تعززت معها الآفاق المتنامية.
كانوا يكتفون بداية بحانة واحدة ومطعم واحد ومسبح واحد وقاعة للتشمس على ظهر السفينة. ولكن هذا تغير مع مرور الزمن حين أصبحت السفن أكبر حجما وأخذت تتسع لمزيد من مرافق الركاب على متنها.
لدى شركة مثل كرنفال السياحية حوالي ثمانية عشر ألف وخمسمائة موظف يأتون من حوالي خمسة وسبعين بلدان حول العالم، هناك ثلاثة آلاف وخمسمائة من أبناء السواحل.
يأمل ركاب السفينة بقضاء أروع الأوقات في إجازتهم، هذا ما تسعى إليه السفن السياحية. هناك الكثير من الأعمال الجارية خلف كواليس هذه المدينة العائمة إرضاء لتوقعات الزبائن.
لديهم موارد مائية وكهربائية خاصة، ولديهم قاعات لرعاية الأطفال أماكن للهو والتسلية، ولديهم مطاعم وأسواق وكأنها مدينة بحد ذاتها، صممت على هذا الأساس.
وهكذا أصبح تصميم السفينة يتحول إلى الداخل، فبدل النوافذ المطلة على البحر أخذ التركيز يتم على معارض المحال التجارية والممرات التي تعبر مرافق السفينة.
أحيانا ما تجد صعوبة في الاعتقاد بأنك على متن إحدى سفن اليوم.
يقدم طاقم السفينة يوميا أكثر من خمسة عشر ألف وجبة طعام. تعمل المطاعم أربعة وعشرين ساعة في اليوم بطاقم يزيد عن مائة وخمسين موظفا.
يتم إنتاج ألف وثمانمائة طن من المياه يوميا عبر تحلية مياه البحر. يتم احتواء المياه المبتذلة ومعالجتها قبل إعادتها إلى المحيط.
صناعة السفن السياحية تزدهر ولكنها ما زالت تحلم بآفاق جديدة.
ليست هذه بأقصى حدود السفن السياحية، مهندسي الملاحة والسفن يتحدثون اليوم عن أفكار أكبر.
السفن السياحية صناعة تساوي مليارات الدولارات وتعتمد على محبي البحر. يدعمها ملايين المسافرين ولكنها لا تتوقف هناك.
يعمل مهندسو البحرية في أحواض كافرنر ماسي في هلسنكي على تنفيذ أحلام يبدو بعضها غريب جدا.
يحلمون بسفن عريضة جدا، وسفن نحيلة جدا متناسقة، وسفن من ناطحات السحاب، بعضها يأوي سفنا في داخله، وأخرى أشبه بكازينوهات عائمة.
من وجهة النظر التقنية لمهندسي الملاحة لديهم يمكن للسفن أن تنمو أكثر فأكثر، هذا ما حدث باستمرار وعبر خطوات متلاحقة ولكن هذه الخطوات كانت أكبر في الفترة الأخيرة، سيعتمد ذلك طبعا على مبدأ العرض والطلب أو ما تحتاج إليه أسواق السفن ومواقعها أي أن القرار يعود إلى أصحاب شركات السفن.
يلاحظ اليوم أصداء العصر الذهبي للسفن السياحية العابرة. يقوم كينارد ببناء أكبر سفن الركاب في العالم وأغلاها ثمنا في التاريخ. إنها سفينة كوين ماري الثانية التي سيبلغ طولها ثلاثمائة وخمسة وأربعين مترا.
تصميم كوين ماري الثانية فريدة من نوعها إذ لم يقم أحد بعمل كهذا منذ ثلاثين عاما على الأقل.
تكمن طبيعة الخدمة في كونها عابرة للأطلسي ما يجعلها مختلفة كليا عن غيرها ما ساهم في طبيعة التصميم. يفترض بها أن تحمل ألفين وخمسمائة راكب على الأقل لتكون مجدية. ولكن استقبال هذا العدد الكبير من الركاب في السفينة يفترض بها أن تكون طويلة جدا. بما أنها سفينة عابرة للمحيطات يفترض بها أن تتمتع بمرافق معززة، من بينها تعزز الصلابة والسرعة و التحمل وقدرتها على التوازن في البحر، وبما أنها ستمضي سبعة أيام في البحر يفترض أن تنعم بمرافق معززة للركاب أيضا.
يفترض بكوين ماري اثنان أن تعتمد على أسلوب باد للدفع.
تعتمد المحركات على أربع دوافع في السفينة اثنا في المقدمة لضمان سرعة مستقيمة، واثنان في الخلف لضمان الدفع والتوجيه في آن معا.
يعتبر بناء هذه السفينة مشروعا كبيرا هذه الأيام، خصوصا أنها تكلف ما يقارب ثمانمائة مليون دولار عند لحظة تسليمها، ذلك أنها تعد للعمل عبر المحيطات التي تستدعي مرافق معززة بقوة وصلابة وتحمل ما يجعلها أعلى كلفة، أي أنه استثمار هائل.
أعلن مؤخرا عن مشروع حلم آخر تحت عنوان عالم الإقامة في البحر. قد لا تكون هذه أكبر السفن ولكنها الأكثر فخامة. إنها أول سفينة سكنية في العالم تحتوي على مائة وعشر شقق سكنية فخمة، يساوي أرخصها مليوني دولار،ومنازل تساوي سبعة ملايين.
وهناك فكرة تعرف باسم ديستينيشسن بريسبين. تتحدث عن سفينة عريضة بأجوائها البيئية الخاصة.
يريد مصممها أن يصبح علامة أسترالية فارقة. لا أحد يستطيع حتى الآن تحديد آفاق المدن البحرية حتى الآن. تعمل مجموعة في الولايات المتحدة على بناء سفينة الحرية التي يبلغ طولها ألف متر.
ولدت صناعة السفن السياحية المعاصرة بركوب موجة من الشوق لأمجاد زمن سفن الركاب. وقد نمت بشكل خيالي عندما تعززت بتصاميم عادة ما تعتمد في اليابسة. وهكذا بدأ الترويج للسفن السياحية كونها تقدم تجربة فريدة تمزج بين أفضل ما في البحر وعلى اليابسة.
يعمل مهندسي البحرية على تصميم مستقبل يلفت الأنظار، لمن يريدون قضاء الإجازة في سفن سياحية، أشبه بمدينة في البحر.
--------------------انتهت.
إعداد: د. نبيل خليل

mohajo

نشكركم على حسن المتابعة

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 271 مشاهدة
نشرت فى 11 يونيو 2011 بواسطة mohajo

محاسب / محمد يوسف عليوة

mohajo
هذا الموقع يهدف فى المقام الاول الى التعربف بدنيا الصيد والاسماك فضلا عن المساهمة بتقديم بعض المعلومات الهامة المتعلقة بالعديد من المجالات العلمية والادارية والقانونية اضافة الى مجموعة مختارات منوعة تسهم فى اضفاء لمسة رقيقة من الهدوء النفسى كما أن القائمين على ادارة الموقع يعدون السادة زائرى الموقع بكل ما »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

618,087