كان المشهد في الفيلم السينمائي يعرض تلك الفنانة، وهي تتحدث إلى عامل لديها، جاءها يطلب منها أن تأوي في بيتها بنت يتيمة مسكينة، فشل هذا العامل في حمايتها من فساد شباب المنطقة التي يسكن فيها، حين آواها في غرفة صغيرة أعلى البيت الذي فيه يسكن. سألته الفنانة: أليس في منطقتكم رجالا يحمون هذه البنت من شر الناس؟ فرد عليها قائلا: لم يبق الفقر رجالا.
اعلم أنه مثال غير دقيق، لكن شئنا أم أبينا، فالفقر اليوم قد نال من الرجال، فلم يترك منهم إلا قلة ممن رحم الله.
كثيرة هي التعريفات التي حاولت شرح المقصد من كلمة تسويق، لكني أصوغها بشكل سهل. التسويق هو وسيلة لزيادة العوائد التي تحصل عليها من عمل تجاري - وتلك العوائد توفر لك دخلا أكبر، يجعلك تعيش حياة أفضل. التسويق علم يحاول فهم ما الذي يجعل الفرد منا يوافق على شراء سلعة/خدمة بعينها، وأن ينفق من ماله الذي كد في جمعه.
التسويق هو مجموعة من القرارات الذكية تتخذها عندما تبدأ نشاطا تجاريا، تحاول عن طريقه الحصول على حريتك المالية، ومن ثم تصبح أنت مالك أمرك ونفسك، متمتعا بنشوة النجاح، عندما تخطو خطوات ناجحة، من شأنها أن تعود عليك بالأرباح، وبالنجاح.
يظن البعض أنه لا يستطيع التسويق بالخليقة، وظنه هذا غير صحيح، يرد عليه مدربو المبيعات، والذين يخبروننا أن كل ابن آدم يتقن البيع، ويكفيك النظر إلى الطفل الرضيع، وبضاعته هي البكاء والضحك، ومطلبه هو الطعام والشبع. إنك لا تجد طفلا (في الأحوال العادية) يبكي وأمه لا تعيره بالا، فالطفل يعرف بالفطرة كيف يحصل على مبتغاه، بالبكاء، وكيف يكافئ بالضحكات وبانطلاق أسارير الوجه عندما يحصل على ما يريد.
انظر إلى الرجل المحنك الذي يدير الشركات الكبار، انظر إليه لينًا طيعًا في يد ابنه الخبير بأبيه، والذي يعرف كيف يراود أباه حتى يحصل منه على ما يريده. من أي كتاب أو مصدر تعلم هذا الطفل كيف يقنع أباه بأن يشتري منه بضاعته؟
من علم الطفل داخلنا كل هذا؟ إنها الفطرة التي أودعها الله، ولذا حين تقول لي لا أستطيع التسويق، فأنا أرفض ذلك منك، أنت تستطيع التسويق لنفسك، لكنك أنت من يرفض ذلك.
لسبب أو لآخر، ما أن تأتي سيرة التسويق، حتى تجد الكثيرون يفرون منك، وكأنك تتحدث عن حساب المثلثات. ربما يقع اللوم على بعض من عرضوا علم التسويق في سياق ممل مضجر، لكن رغم هذا، يبقى التسويق سبيلك لأن تبدأ مشروعك الخاص بنجاح، ولأن تحقق حريتك وانطلاقاتك.
كثيرة هي الرسائل والتعليقات التي تصلني، تسألني ما علاقة التسويق بقصص النجاح، ولكم أعجب من هكذا أسئلة، ولكم انتظرت تعليقا منكم على قصة الدلال الفارسي، فقوي الملاحظة سيجد تشابها بين قصة بيير، وبين كتاب 22 قانونا في التسويق، القانون الأول: قانون الريادة، الأحسن لك أن تكون الأول في مجال ما، عن أن تكون الأفضل.
كان موقع إي-باي الأول في مجاله وفكرته، ولم يكن الأفضل برمجة وتصميما، بل بدأ متواضعا مجانيا، ثم مع إقبال الناس عليه، بدأ الموقع يوفر المزيد من الخدمات. مع تزايد عملاء الموقع، انطلق بيير يسوق للموقع بكل قوة، وفي أشهر المواقع والأمكنة.
في كل قصة نجاح، ستجد للتسويق يدا فيها، وإن كنت تريد أن تنجح، فعليك أن تستعين بمساعدة علم التسويق، بل يجب أن تعشقه، بسبب الفوائد التي ستعود عليك من ورائه.
تخيل نفسك متحررا من الوظيفة العقيمة التي تحبس نفسك فيها، تخيل نفسك متحررا من مديرك الذي يظن أنه الأذكى فقط لأن لديه مالا كثيرا – لا أكثر.
تخيل نفسك ترتب الخطوات التي ستفعلها، من أجل زيادة المبيعات، وتخيل المبيعات تزيد فعلا، وأرباحك التي زادت نتيجة لذلك، وخطط توسعك وتكبير نشاطك، وتخيل مقدار الحرية التي ستتمتع بها، كل هذا يحتاج لإتقان التسويق.
ما يحزنني ويؤلمني، نظر البعض إلى المال وجمعه على أنه عمل محرم، وبالتالي فإن مدونة مثل هذه، ومقالات مثل ما كتبت، هي للانكباب على الدنيا، وهجر الآخرة، وأنه من الأفضل الصوم والصلاة، على الانشغال بالعمل والاجتهاد والنجاح.
كنت لأقبل نظرتهم هذه، لولا أن النظر في سيرة النبي المصطفي (صلى الله عليه وسلم) يرفض قبول هذه النظرة الكسولة. لو كان المال حرامًا في ذاته، ما طلبه الرسول لدعم غزوة العُسرة، ولما دعا لسيدنا عثمان، رضي الله عنه وعن جميع الخلفاء الراشدين.
لو كان المال حراما لحد ذاته، لما كانت اليد العليا خير من اليد السفلى.
المال مثل السكين، يمكنك أن تشق به رغيفا تعطيه جائعا، أو أن تقتل به بريئا.
ليس المال حراما في ذاته، ولا الانشغال بجمع المال، لكن إساءة التصرف في هذا المال هي المحرمة، والانشغال التام بجمع المال هو ما حرمه الله، فالإسلام دين ودنيا.
إننا اليوم أقوام يغلب علينا الكسل، خرجنا من قرون خضعت فيها رقابنا لاحتلال، قتل فينا الإبداع. تجدني اكتب قصة ما، ثم تأتيني الأسئلة: هل لو فعلنا مثل صاحبك هذا سننجح؟ أين الإبداع؟
التسويق يخبرك أن عليك أن تكون مختلفا عن غيرك حتى تنجح…
ما أن أنصح أحدهم بأن يصبر سنتين أو ثلاثة حتى يعطي مشروعه الذي يفكر فيه ثماره، حتى تجده يفر ولا يكلف نفسه مشقة الرد على رسالتي له، لقد صبرنا على المحتلين مئات السنين، ولا نريد أن نصبر على مشاريعنا بضع سنين؟
إننا نريد للنجاح أن يتحقق في الأمس، بدون مجهود منا أو صبر، وأن نرفل في نعيم النجاح هذا اليوم، وإلا نلت نصيبك من لومنا وشكوانا.
لن يحدث هذا حتى نجتهد، ونتقن، ونبدع، ونستنير بعلم التسويق.
لهذا، أتحدث عن النجاح، وعن التسويق، ومن قرأ تلخيص 22 قانونا في التسويق، سيعلم لماذا ترجمت كتابا مثل فن الحرب. إنها متلازمة ومنظومة واحدة، تريد ثاقب البصيرة حاضر الفكر.
لهذا، يجب أن نعشق التسويق، لا التسويق في كتب الجامعة، بل التسويق من الحياة.