خطورة أبو الفتوح وأخلاقيات الكاتب
بقلم
أ.د. محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
12 مايو2012
01227435754
في الغالب الأعم سوف تكون هناك جولة إعادة في انتخابات الرئاسة التاريخية بعد الثورة الينايرية الحبيبة. من فضلك قارئي العزيز دعنا نفكر معا حول أي من الاحتمالات التالية سوف يكون الأكثر حدوثا؟
- شفيق مع عمرو موسى؟
- أبو الفتوح مع صباحي؟
- أبو الفتوح مع عمر موسى؟
- أبو الفتوح مع شفيق؟
- صباحي مع عمرو موسى؟
- صباحي مع شفيق؟
ولاحظ أنني استبعدت مرسي من الاختيارات لأنه لن يتفوق على أبو الفتوح في الجولة الأولى ومن ثم فقد سَلمَ بذلك راية التيار الإسلامي إلى أبو الفتوح منذ الجولة الأولى. وهذا يعنى بطبيعة الحال أن الانشقاق داخل التيار الإسلامي (تلك الصفة التي أقولها بحزن شديد كما لو كانت تنزع تلك الصفة عن التيارات الأخرى) هذا الانشقاق هو أشد وأكثر حدة داخل هذا التيار الإسلامي عما هو الحال داخل التيارات الأخرى.
ولكي نجيب على هذا السؤال لابد أن نتصور طبيعة خريطة الناخبين وحجمهم سواء كانوا بإرادتهم الحرة أم بتزييف عقولهم والتأثير علي اختيارهم. وبهذه المناسبة كانت هناك على محطة سبورتنج الترام بالإسكندرية امرأة منقبة تقول للسيدات المنتظرات على المحطة "ستنتخبي من؟ دكتور مرسي كويس سيفعل كذا وكذا، وأخيرا تأخذ رقم موبايلها ورقم بطاقتها الشخصية، ثم تبحث عن فريسة أخرى). المهم دعنا ننظر إلى خريطة الناخبين وفئاتهم:
- فئة "النبلاء" وعبيد الدكتاتورية الدنيوية، وهم الرجعيون تجاه النظام السابق، الفلول والمنتفعون من رجال أعمال وإقطاعيين حكوميين، ومعظم أسر المؤسسة العسكرية والشرطية وتابعيهم (النبلاء)، والمرتجفون من الشعب (عبيد الدكتاتورية الدنيوية) الذين يتصورون أنهم يحتاجون رئيسا قويا، حيث يكون الرئيس القوي في نظرهم هو العسكري أو الحاسم أو المنقذ من الثورة التي أيقظتهم من سباتهم وتشخيرهم اللذين يتمتعون بهما، ولا يعلمون أن الرئيس القوي هو الرئيس "غير الملطوط" أي النقي النزيه الذي لم يتورط في فساد أو في ملفات سوف يرتجف منها، وتكون هي سر ضعفه. هذه الفئة كبيرة وقوية جدا وثرية جدا ومسيطرة على مجريات الحكم ومسخرة لأبواق السلطة، وعموما يمكن أن نسميهم "المتشبثون بالماضي المظلم" ، ومعظمهم مرضى بـ "عرض ستوكهولم" الذي يعني بالبلدي "القط يحب خناقه"، أي العبد المستمتع بذله لسيده، أو عبيد الدكتاتورية الدنيوية.
- عبيد الدكتاتورية الدينية، أو عبيد الكهنة، وهم مجموعات الإسلام السياسي من إخوان وسلفيين وجهاد وغير ذلك. وهم المندفعون إلى المستقبل المظلم. وهم أتباع مرسي وأبو الفتوح أيضا. ويكفي القارئ نظرا إلى هذا التيار في العالم كله، وما أصابه من خيبة، وفشل، وإخلال من شأن الدين الإسلامي. وهذه فئة كبيرة نسبيا وخاصة بسبب السلفيين وتابعيهم من البسطاء من الشعب الصابر.
- الأحرار المحافظون، وهم الذين يميلون إلى الدولة الدينية المتحررة، وهم لا يسمون تلك الدولة دولة دينية، ولكن يميلون إلى تشبثها بالمرجعية الدينية لدرجة كبيرة نسبيا. ويتمثل هؤلاء في أنصار أبو الفتوح في المعادلة الحالية على سبيل المثال. وهؤلاء أيضا حجمهم كبير نسبيا، وستوضح الانتخابات الحالية حجمهم الحقيقي بالنسبة للفئة السابقة عبيد الدكتاتورية الدينية. وتميل هذه المجموعة إلى المنهج الإصلاحي في بناء الدولة، ويعنى المنهج الإصلاحي علي سبيل التشبيه رفض شراء حذاء "كلاركس" مثلا مقابل إصلاح حذاء "باتا" الحالي إلى أن يتمزق مرة أخرى (مع فخري واعتزازي بـ باتا)، كما يمكن تشبيههم أيضا بمن يفضل ترميم منزل آيل للسقوط بدلا من هدمه والاستمتاع بمنزل حديث رائع. وبمعنى آخر هي فئة محافظة لا تتسم بالمغامرة المحسوبة والشجاعة التنموية المبنية على الاستثمار بدلا من التقشف والإصلاح المالي.
- الأحرار الثوريون، الثوريون بالمعنى الحميد وليس بمعنى الفوضوية. وهي باختصار عكس الفئة السابقة، وتتمثل في المعادلة الحالية بأتباع صباحي والبسطويسي وخالد علي والحريري. وهي للأسف الفئة الأقل عددا ولكنها الأوعى عقلا وإدراكا وطموحا وبحثا عن الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، هذا بالرغم من أنها هي التي قامت بالثورة وملأت شوارع مصر وميادينها بما يزيد عن 18 مليون نسمة، ولكن الثورة المضادة، لعنة الله على الظلمة، قد حدت كثيرا من حماسهم وعددهم.
في هذا التحليل سأستبعد فئة "عبيد الدكتاتورية الدنيوية"، أتباع شفيق وموسى، كما سأستبعد فئة عبيد الدكتاتورية الدينية، أتباع مرسي، ومن ثم فإنني لا أتوقع انتخابات الإعادة بين شفيق وعمرو موسى لأن ذلك يستبعد فئتي الأحرار الثوريين والإسلاميين بكل ألوانهم، وهذا مستحيل طبعا. ومن ثم يتبقى إعادة أبو الفتوح مع صباحي، وهذا ما أتمناه طبعا، ولكنه مستحيل أيضا لأن الفئة الأولى، فئة عبيد الدكتاتورية الدنيوية والنبلاء ستجند أموالها وسلطتها بالتزوير أو بدونه لدخول انتخابات الإعادة على الأقل.
إذن سيكون هناك في الإعادة ممثل للنبلاء وعبيد الدكتاتورية الدنيوية (شفيق أو عمرو موسى)، وممثل واحد للأحرار المحافظين والأحرار الثوريين، وهذا إما سيكون صباحي أو أبو الفتوح.
وهنا يأتي بيت القصيد، من ستنتخب أيها القارئ الكريم من فئتي الأحرار؟ صباحي أم أبو الفتوح؟ الوضع سوف يستلزم إقصاء أحدهما.
الخلاصة: لو قامت مناظرة بين أبو الفتوح وصباحي، وهذا ما أتمناه حتى يساعد ذلك الناخب الحر على الاختيار الأفضل، لو قامت هذه المناظرة فإني أتوقع رقيا وموضوعية كبيرين جدا على عكس مناظرة موسى وأبو الفتوح التي لم تكن موضوعية على الإطلاق، ولم تُعَرف المشاهد ببرنامجي المرشحين بقدر ما كانت مركزة على الضرب تحت الحزام وإظهار مساوئ الآخر بطريقة غير موضوعية. لقد شرحت من قبل سبب تفضيلي لحمدين صباحي لأسباب كثيرة جدا مبينة في مواقع كثيرة منها ما يلي على سبيل المثال:
دعاء للثورة وحمدين صباحيhttp://www.almogaz.com/opinion/news/2012/05/10/268235
صباحي وأبو الفتوح ومغازلة حسن نافعة للرئيس القادم http://www.almogaz.com/opinion/news/2012/05/7/266331
سيمفونية الميرازي وحمدين صباحي ولجنة الخبراء http://dostorasly.com/news/view.aspx?cdate=28042012&id=f44048fe-1eb1-4c7d-83a3-53f98dbe1f25
أوجز بعض هذه الأسباب في ما يلي: صباحي زعيم مفوه خبير سياسي، يعشق مصر والفقراء، ومؤمن بمطالب الثورة، نزيه "غير ملطوط" وهذا سر قوته، لا يتلون ولا يعد بما لا ينويه ويقدر عليه، مؤمن بالعلم والعمل الجماعي، ليس له أعداء أي يمكنه لم الشمل المصري الممزق حاليا بذكاء وقدرة هائلة، لا يعتمد على وعود أو أحلاف تحد من حركته وتشوه برنامج نهضته، قادر على حفظ كرامة مصر والمصريين بحنكة وتعامل ندي مع جميع دول العالم، مصمم على التغيير الجذري والعدالة الاجتماعية بما لا يضر أي طائفة، ومدرك لحالة العولمة والقرية الواحدة التي نعيش فيها، مدرك لطبيعة الشعب المصري وعشقه للسماحة والتدين الأزهري الناصع والسماحة والمواطنة والتآخي بين جميع طوائف الشعب وخصوصياتها التي تمثل تناسق الألوان وجمال مختلف الزهور في بستان المحروسة الحبيبة، وهذا ما لا يتوافر معظمه في الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الذي ظلم بطيش التيار الإسلامي الجامح الذي يحاول الانخلاع منه.
ساحة النقاش