واشَعْبَاه ... ذئب العسكر، وأقرع الإخوان، وحمل الثورة.
بقلم
أ.د. محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
01227435754
27 مارس 2012
سمح العسكر باستمرار الثورة الينايرية الحبيبة لأنها وفرت عليهم انقلابا عسكريا على أسرة سيدهم، وذلك لو اعتلى أمير هذه الأسرة جمال مبارك عرش رئاسة الجمهورية. هل يُعقل أن يكون هذا المخلوق قائدهم الأعلى؟ مدني أولا، وطفل بالنسبة لهم ثانيا، ثم زعيم عصابة مدنية من مصاصي الدماء تنافس مملكتهم الاقتصادية ثالثا. طبعا كان الأمر بالنسبة لهم حياةً أو موتا، فكفتهم الثورة شر القتال.
وكان السبيل أمام اعتلاء العسكر لسلطة رئاسة الجمهورية، ولا أقول كرسي رئاسة الجمهورية بالضرورة، هو استغلال جماعة شعبية انتهازية تلتحف بعباءة الدين وتلعب بمشاعر شعب سطحي التدين لكي يتحالفوا معها بإصبع موز وقالبي سكر لكي يتشاركا في إجهاض الثورة الشعبية، ثورة الحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية، ثورة القيم الإنسانية التي لا يؤمن بها الطغاة والمستبدون والمتطرفون.
وظهر مصطلح "المرشح التوافقي" الذي اعترضنا عليه في حينه في مقال بعنوان "رئيس توافقي؟ إني أعترض ... وفينك يا برادعي" علي أساس التناقض البنائي الموروث في فكرة المصطلح نفسه، وقلنا أن الرئيس التوافقي، لن يكون توافقيا إلا للمجلس العسكري والجماعة الإخوانية، ولو كان الدكتور العربي توافقيا لأمكنه تحقيق التوافق مع الأسد العلوي والجامعة العربية. الرئيس التوافقي فكرة متناقضة مع ذاتها لأن الأحزاب لا تتوافق بطبيعة أن كلا منها من المفروض أن يتقدم بمرشح منافس عن حزبه. الرئيس التوافقي لن يتوافق عليه الشعب لأن الشعب مختلف الطوائف والمستويات والانتماءات السياسية وأقصى توافق منه هو بلوغ نسبة الـ 51 في المائة على الأقل واللازمة للنجاح. الرئيس التوافقي لا يمكن أن يتوافق عليه النقابات والجمعيات الخاصة والمجتمع المدني، فكيف تتوافق نقابة العمال مع الغرفة التجارية على سبيل المثال. الرئيس التوافقي لن يكون توافقيا من الناحية النظرية المنطقية بحيث يجعل من أي من الدكتور نبيل العربي أو الأستاذ منصور حسن أكثر توافقا من الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح أو من الأستاذ حمدين صباحي على سبيل المثال. الرئيس المنتظر، ولا أقول التوافقي، هو الرئيس التقي الذي يؤمن ويعرف ويقدر على تحقيق مطالب الثورة ويقدم الدليل على ذلك لنرى مهاتير آخر أو أردوغان جديد في مصر الزاهرة.
والآن يبقى يومان أو ثلاثة ليُغلق باب التقدم بمسوغات الترشح لرئاسة الجمهورية، ونرى ذئب العسكر وأقرع الإخوان يستعدان للانطلاق في تلك اللحظات الأخيرة. انتهت مرحلة وفكرة المرشح التوافقي سواءً بالنسبة لنبيل العربي أو منصور حسن وبدأ العسكر يعدون في عمر سليمان للانطلاق بحملته غدا الأربعاء من ميدان روكسي، وأعلن الإخوان اليوم أنهم سيقدمون إما خيرت الشاطر أو محمد مرسي. نجاح الأول يعتمد على التزوير بكل تأكيد، ونجاح الثاني يعتمد على المراهنة على الشعب المصري الذي يناديه عنوان المقال هنا بلفظ "واشعباه". هل تَعَلم الشعب المصري الدرس؟ هل أدرك الطبيعة الحقيقية للإخوان والناس "بتوع ربنا"؟ جماعة تجمع بين الكذب والعجز العلمي والسياسي والفني والاستغلال الديني والهوس باعتلاء السلطة والحكم واعتناق أجندة خيالية تسعى للدولة الدينية ثم دولة الخلافة ثم أستاذية العالم، جماعة دكتاتورية فظة لا تؤمن إلا بالسمع والطاعة والأمر والائتمار والسيادة والمسودية والتعالي والكهنوتية، جماعة عجزت حتى عن تحقيق مطالبها بالتعامل الفطن مع حليفها العسكري، فكيف لها أن تتعامل مع الأقباط والشيعة والبهائيين وفئات الشعب المختلفة بداية من الفلاحين والصيادين والبدو إلى سكان القصور ومجتمع البشوات مثل أسرة نيوتن وصادق بك. هل أدرك الشعب مراهقة السلفيين السياسية وانصرافهم عن أهداف الثورة والاهتمام بفقه البداوة وظلمات الجهل والتخلف. ولا أود أن أضيف المزيد ففضيحة التيار الإسلامي السياسي أصبحت بـ "جلاجل"، وفاض الكيل، ويكفي الآن ما يحدث في مهزلة بناء دستور الدولة، والبقية تأتي.
هل سيفاجئنا الشعب بوعيه في الانتخابات الرئاسية؟ وهل سيفاجئنا المجلس العسكري والجماعة المقدسة بحيادهما ومواقفهما النزيهة إزاء هذه الانتخابات؟ ما أحلى المفاجأة لو أثلجت صدورنا المرهقة. وأرجوك أيها الشعب المصري "فتح عينك وانصر أولادك" واقتص لشهدائك، ويا أيها الناس: هلموا إلى ربكم، ما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وانتخبوا فريق الرئاسة أبو الفتوح وحمدين صباحي ونهى الزيني إن أراد الله بمصر إصلاح ما أمكن مما أفسده المجلس الأعلى للقوات المسلحة وجماعة الإخوان "المسلمين"، ولعنة الله على الطرف الثالث، دنيا وآخرة يا رب.
ساحة النقاش