Community Barriers of Sustainable Development in Rural Egypt
موجز باللغة العربية
قليل من المصطلحات العلمية قد حظي بالقبول والانتشار في أدبيات التنمية مثل ما تمتع به مصطلح الاستدامةSustainability ، وبالرغم من ذلك فلا يوجد اتفاق حول مفهوم هذا المصطلح. ومن أجل ذلك فقد قام كل من جيل و كوردري بالغوص في تحديد هذا المفهوم متوصلان إلى تسعة أنواع من الاستدامة. هذه الأنواع التسعة تدور حول المحافظة على الأشياء سواء كانت منتجات عالمية، أو نظما اجتماعية مثل المجتمعات المحلية أو النظم الإيكولوجية، أو الفوائد المتعلقة بالنظم الإيكولوجية والإنسانية. ويبدو أن المحافظة على استمرارية النظم وبقائها وحيويتها واعتمادها الذاتي هي التي تمثل الجوهر الأساسي للاستدامة، وخاصة فيما يتعلق باتجاهات التنمية المعاصرة في الدول النامية.
ومن أمثلة التنمية المستدامة التي حظيت بلقب "أحسن الممارسات التنموية" لدي هيئة الأمم المتحدة بلدة "هاملتون وينت ويرث" الكندية الذي اعتمدت فيها التنمية المحلية أساسا على الاستمرارية، وبناء القدرات الذاتية، والتمكين، والاعتماد على الذات وخاصة في مجال المنظومة البيئية الاجتماعية Socio-sphere ، وذلك من خلال بناء شبكة من المشاركة بين الحكومة والصناعة والمنظمات المجتمعية المحلية حتى أصبحت التنمية في هذه البلدة نموذجا يوضح كيف يمكن لمشاركة الناس في تحديد مستقبلهم وأهدافهم التنموية أن تدفعهم إلى أن يتمكنوا من تحقيق التغييرات المطلوبة للاستدامة. وكانت فلسفة تنمية هذا المجتمع المحلي تتمثل في التركيز على القضايا البيئية والاجتماعية والاقتصادية وعلى مقابلة احتياجات الناس دون الإضرار بنصيب الأجيال القادمة، وهي فلسفة مقتضاها التوصل إلى بناء مجتمعات محلية حيوية.
وقد قام فريق دراسة أسباب تخلف القرية من قبل بتعريف التنمية الريفية على أنها الحركة المستدامة للتغيير الارتقائي المخطط لإحداث التحولات الجذرية في بناء ومهام النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية الريفية من خلال الارتقاء بمركبات الأنشطة الإنتاجية والخدمية مراعين لتحقيق التنسيق والشمول والتكامل والتوازن بين كل من الأدوار الحكومية والخاصة، مراعين أيضا تحقيق المشاركة الشعبية والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية والمادية والبشرية من أجل تحقيق عدالة توزيع الرخاء الاقتصادي والرفاء الاجتماعي والرضاء النفسي للسواد الأعظم من السكان الريفيين.
ومن ثم فإن الاستدامة تتحقق من خلال زرع العناصر البنيانية والمهامية في عملية التنمية. هذا وتتمثل العناصر البنيانية فيما يلي:
<!--شبكات المشاركة بين المواطنين والحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
<!--اكتشاف وبناء القيادات المحلية الديناميكية الحيوية.
<!--تحقيق تكامل الأنشطة التنموية.
<!--تحقيق شمول الأنشطة التنموية.
<!--تكثيف الأنشطة التنموية.
<!--تحقيق توازن الأنشطة التنموية.
<!--تحقيق جذرية التغيير الاجتماعي.
أما العناصر المهامية فتتمثل فيما يلي:
<!--الإيمان والالتزام السياسي ببناء سياسة تنموية واضحة فيما يتعلق بالأهداف والمعايير.
<!--التنسيق الفعال بين الأنشطة التنموية.
<!--الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية والمادية والبشرية.
<!--الالتزام بالصداقة البيئية والتكنولوجية.
<!--سلامة وجودة المردودات التنموية المشتملة على المكونات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية.
<!--العدالة الحكومية وعدالة توزيع المردودات التنموية.
هذا ويتمثل الفرض الأساسي لهذه الدراسة فيما يلي: "يمثل نقص العناصر البنائية والمهامية وخاصة عدم التوازن بين الجهود الحكومية والأهلية التنموية في الريف المصري السبب الأساسي لتخلف المجتمعات المحلية الريفية المصرية." وللتحقق من هذه الظنية قام فريق دراسة أسباب تخلف القرية المصرية باختيار عينته المساحية الغرضية المتمثلة في 257 قرية من محافظات كفر الشيخ والغربية والجيزة والمنيا. وقد قام الباحث في هذه الدراسة بإجراء تحليلات إحصائية مبينة أعلاه اختلفت عما تم من قبل مما أدى إلى اكتشاف نتائج مكملة لما سبق اكتشافه في هذه الدراسة.
لقد أظهرت نتائج الدراسة الحالية الأهمية البارزة للمتغيرات الاجتماعية والثقافية في تحديد المستوى التنموي للمجتمعات المحلية. كان تواجد وكفاءة المنظمات القروية على رأس محددات التنمية كما أظهرت ذلك من قبل نتائج دراسة أسباب تخلف القرية المصرية. هذا وقد تبين هنا أن هناك تأثيرا غير مباشر صغير نسبيا تلعبه هذه المنظمات من خلال كونها مكونا صغيرا من مركب سمي هنا بمركب "التكنولوجيا الاجتماعية أو الهندسة الاجتماعية"، وهو المحدد الثاني لمستوى تنمية القرية لمصرية، الذي يشتمل على مكونات تتمثل في درجة التنسيق المنظمي، ونسبة السكان العاملين في المنظمات القروية، ودرجة الثراء أو التباين المنظمي القروي. ويتمثل التنسيق المنظمي في العمل الجماعي، والتعاون، والدعم المتبادل، والاتجاهات التعاونية الإيجابية لدي قادة المنظمات القروية وبين المنظمات القروية العاملة في القرية وبين المنظمات القروية ونظيراتها في القرى المجاورة، وبين المنظمات القروية ومراكزها الرئيسية على المستويات الأعلى. هذا وقد تبين أن تكنولوجيا التنسيق هي جوهر ما يسمى بالتكنولوجيا الاجتماعية. وبالرغم من إدراك المسؤولين لأهمية التنسيق إلا أن العلم بتقنياته لا زال في رحم أمه.
أما المحدد الثالث لمستوى تنمية المجتمعات المحلية الريفية المصرية فيتمثل في درجة شعور الناس بالعدالة الحكومية. تؤكد هذه الدراسة على أهمية الشعور بالعدالة الحكومية كقوة دافعة للاندماج الشعبي والمنظمي القروي في جهود التنمية الريفية. كما قد تبين أيضا أن مستوى البنية الأساسية كان من المحددات المعنوية لمستوى تنمية القرية المصرية. ويمثل هذا المتغير بالإضافة إلى مستوى التكنولوجيا المادية المحددات المادية لتوقع مستوى تنمية القرية المصرية. فبالإضافة إلى الميكنة الزراعية، وتوافر الصناعات المحلية فإن تطبيق بعض التقنيات الزراعية مثل استصلاح الأراضي، وصيانة شبكة المراوي والمصارف، والزراعة السمكية في الترع والمصارف وحقول الأرز، والزراعات البستانية، والري بالرش، واستخدام البيوجاز، وتكثيف الدورات الزراعية..إلخ تمثل التقنيات المادية في القرى المصرية. إلا أن نتائج هذه الدراسة تؤكد على أن المحددات الرئيسية السائدة لتنمية القرية المصرية تتمثل في تلك المحددات ذات الطبيعة الاجتماعية والثقافية.
ومن النتائج التي لم تتضح من قبل في دراسة أسباب تخلف القرية المصرية أيضا دور مستوى تدين السكان الريفيين، وكثافة الجامعيين من أهل القرية المقيمين فيها، ودرجة المشاركة الأهلية واندماج السكان الريفيين في التنمية كمحددات ثقافية واجتماعية معنوية لمستوى تنمية القرية المصرية. ومما يجدر الإشارة إليه أنه في الوقت الذي تؤدى فيه درجة التدين إلى رفع المستوى التنموي للقرية إلا أن الانفتاح الثقافي الناتج عن هذا التقدم يؤدى إلى خفض درجة التدين، وبمعنى آخر فإن الحداثة تؤدى إلى انحدار السلوك الإنساني الراقي، ومن ثم فيجب أن يكون أحد المؤشرات الرئيسية لفعالية الإعلام والتعليم هو رفع درجة التدين بمعنى الارتقاء الأخلاقي والسلوكي حتى لا يكون التدين صريعا للحداثة والتقدم. ومن ثم فتؤكد النتائج على دعم النظرة الحقيقية لدوركايم والتي تتمثل في أن الظواهر الاجتماعية حقيقة لها قوة ضاغطة مؤثرة عامة وخارجية، أما النظرات الإسمية لأمثال ماكليلاند و هيجن و ليرنر فلم تنل دعما كافيا من هذه الدراسة إلا لو أدت متغيراتها الفاعلة كالدافع الإنجازي أو الابتكارية أو التقمص الوجداني إلى إطلاق قوى اجتماعية فاعلة.
ومما يجدر الإشارة إليه أننا نرى على المستوى القومي إهمالا شديدا من جانب واضعي السياسات التنموية لفهم التنمية المستدامة وتصميمهم على حصره في نطاق المنظور التحديثي السابق، إذا استعرنا مصطلحات فان بروكويتزين و فان دير بليج. ربما يعود على التنمية كل الخير لو آمنا أن فلسفة التنمية المستدامة تشتمل وتؤكد على كل من الحرية، والديموقراطية، وتنشيط المبادءة والمشاركة الشعبية، واللامركزية، والقيم الإنسانية والبيئية، والحكم المحلي وليس مجرد الإدارة المحلية، وتبنى الأطر التنموية الثقافية والاجتماعية وليس مجرد القيم المادية. ومما لا شك فيه أن تبني مصر المستحدث للخصخصة ومبادئ آليات السوق ليعطى أملا في تبنى مماثل مرافق ومعضد لإعادة الهيكلة الثقافية والاجتماعية. هنا فقط يمكن للتنمية المستدامة أن تنطلق، ولا شك في وجود مسؤولية مباشرة للعلماء الاجتماعيين جزئيا على الأقل عن خلق هذا الوعي لدي واضعي السياسات والبدء في نشر هذا التحول المنشود.
وختاما، يبدو أن اللامركزية والتحولات الديموقراطية تمثل التحديات الأساسية المواجهة للمجتمع المصري، ناهيك عن الدول العربية والنامية بوجه عام، وذلك من أجل تنمية التقنيات الاجتماعية والتنمية المستدامة واللحاق بركب الدول المتقدمة. ومن بين القضايا المفتاحية واجبة المواجهة خلخلة العقلية المركزية لأصحاب الحل والعقد، النظم الإدارية المتخلفة والعامة بصفة خاصة، وقدرات العنصر البشري المتواضعة، المخصصات المالية والتمكينية والسلطوية للمحليات، وتحديد الحجم الأمثل للمحليات، والتغلب على مشاعر الاغتراب واللامبالاة لدي المواطنين والثورة التعليمية والإعلامية. إلا أنه ليجب الحذر عند تحقيق هذه التحولات، وإلا فسيتحقق الضرر باللامركزية والديموقراطية والتحررية والاستدامة.
ساحة النقاش