جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
- يوميات رمضان - ٢٣ -
------------
تثاءب الليل قبل وصول القافلة، كان القمر يطل برأسه المكور كطفل مازال لم يبلغ الحلم، أنين يهشم وجه السكون، أما السماء فكانت في إجازة رسمية، كنت أجلس مع جدي تحت ظل شجرة الكرمة، على المصطبة الطينية، والبساط ذو الألوان الجميلة ... قال جدي يومذاك :
- العمر لا يأتي إلا مرة واحدة يا بني ...
- ولكني أراك عتيا يا جدي ...
ابتسم من كلماتي، ربت على ظهري المحدودب، ثم مسح بيده الخشنة على شعري الأملس ...
- وهل مت ثم عدت يا بني ... أنا مازلت في نفس المركب الذي امتطيته لتوك ...
- إذن يمكن أن يأتي العمر أكثر من مرة ... يا جدي ...
- يبدو بأن مخك سميك اليوم يا ولد ... اذهب إلى فراشك ... هناك سأقص عليك حكاية جديدة من حكايا علي بابا والحرامية ...
مرت علينا سنوات ثلاثة، كان الوقت عصرا، والغبار تغطي وجه السماء، تجمهر الناس في بيت جدي، كانت دموع أمي تحرق أعشاب الحقل القريب .
- ليس هذا احتفالا ، ولا عرسا ... أين جدي كي يخبرني بما يحدث ...
لم يجبني أحد ما على سؤالي، وحدها السماء استيقظت فجأة ، قفزت إلى ذاكرتي بعض الغيوم التي مرت من هنا ذات مساء، ذهب الناس باتجاه آخر، قدماي تخطو خلف ( القطيع ) ...
- ارتحنا منه ... قال أحدهم ...
ينادي أحدهم ( سامحوووووه ) ...
- الله لا يسامحه، كان ظالم، ضربني مرة في الطريق ...
- أهبل من يسامحه ...
لم أعي معنى ما يقولون، شاهدت وجه جدي مسيجا بثوب أبيض،
دنوت منه أكثر، كان باردا جدا على غير العادة، همست في أذنه، لكنه لم يجب، بل لم يتحرك ...
- جدي لماذا يتحدثون عنك هكذا ... أعرفك طيبا كريما مع هؤلاء، كنت أشاهدهم كل يوم يأكلون ويشربون على مصطبة بيتك ... انتظرت قليلا عسى أن يتململ ويحدثني، لكنه لم يفعل ... عرفت حينها بأن شيئا ما قد منعه من الكلام ... انسل من الزحمة كلب جدي، أنينه مازال يدق مسمعي، عاودت النظر إلى جدي، قلت له قبل أن أبتعد عنوة : لا تنس يا جدي ... ( العمر لا يأتي إلا مرة واحدة ) ...
--------------
وليد.ع.العايش
٢٣/رمضان/ ١٤٣٩