- يوميات رمضان - ٢٠ -
------------
يبدو أنها ستكون ليلة ماطرة، هكذا تنبأت السماء، فمنذ قليل فقط أرسلت ومضات برق، واحتفظت ببعض الرعد لنفسها، ارتدى أبو زيدان معطفه على عجل وخرج، وضع العلف برفق في ( المعلف ) ثم مسح بيديه على ظهر البقرة الحمراء، أوصد الباب ثم اتجه إلى دجاجاته التي بدت خائفة، تجمهرت حول بعضها البعض حتى كادت مناقيرها تتصادم في آخر وهلة ، لم ينس أن يمنحها طعامها هي الأخرى، أضاء القنديل لعله يبدد توترها وخوفها ...
كان المطر بدأ يتساقط على مهل، لم يكن الجو باردا، مما جعله يتشجع للسير تحت حبات المطر على الدرب الموازي لبيته الريفي الجميل، ازداد الهطل أكثر، أمسك أبو زيدان بصدره، شيء ما ينتعل قفصه وعظامه، أصبح تنفسه ثقيلا لدرجة لم يستطع أن يتحملها، جلس على قارعة الدرب، بينما الظلام يلفه من جهاته الأربع ...
- لا بد من مراجعة الطبيب ...
- ماهذا الألم ياربي ...
كان يحاور نفسه كاسرا السكون المتفشي كبقعة زيت سقطت لتوها ...
وأخيرا هدأ الوجع، انزاحت الغيمة السوداء التي اعتلت ذاك الصدر الممتلئ بالشعر الأسود والأبيض .
- ماذا دهاك يا أبا زيدان ... وجهك يبدو شاحبا ...
- لا أعرف ماذا حدث، الوجع عاد بغتة إلى صدري، أحسست بأن أحدهم يريد أن يخنقني ...
- عليك بالذهاب إلى الطبيب منذ الصباح ... هذا الوجع اللعين يجب أن يغادر ...
أحضرت له قرص أسبرين وكأس شاي ساخن جدا ...
تلك الليلة كانت ثقيلة الخطا، النوم يأبى الركوع في حضرة الرجل الأربعيني، أما الزوجة فلم تستطع مقاومة النعاس، فغطت في شخيرها المعهود .
ولج الصباح متثائبا وكأنه لا يريد أن يصل في موعده، عندما غادرت الغيوم السماء كان أبو زيدان وزوجته جاهزين للرحيل.
باب عيادة الطبيب مازال مقفلا، المدينة تلد الحياة من رحمها، كانا أول الواصلين، ومالبث أن حضر آخرون إلى عيادة الطبيب .
- أهلا بك يا أبا زيدان ... طال غيابك، لعلك أصبحت أفضل ...
- لا والله يا دكتور ... ليلة أمس كانت ثقيلة جدا، جبل كبير يقبع على صدري ...
- لا عليك ... لا عليك ... سنفعل كل ما يجب الآن ... فقط ثق بأنك سليم ...
- سليم جارنا يادكتور لا يعاني من أي شيء ...
قهقه الطبيب حتى سمعه كل من في غرفة الانتظار ...
- أنت ... أنت سليم ياصديقي ... وليس جارك ... يبدو بأن الخوف قد ذهب بعقلك ...
خجل أبو زيدان من كلمات الطبيب، نظر إلى زوجته فإذا هي الأخرى تضحك في زاوية العيادة .
لحظات حرجة تمر من هنا، الطبيب يتفحص قلب الرجل المنهك، الخائر القوى، هاهو القلب يظهر على شاشة التلفاز .
الأفكار تلهو بذاكرة أبو زيدان، رعب آت من زمن حرب الستة، الطبيب ينهي لتوه كل الفحوصات المطلوبة .
- أجلس ... أجلس يا صديقي .
- ماذا يادكتور ... أخبرني ...
تقهقر الطبيب على كرسيه وهو يراقب الرجل الذي سماه بصديقه .
- أنت سليم ... سليم جدا يا أبو زيدان ... قلبك وكأنه مولود جديد ...
- لكن لست سليم جارك ... هههههه ...
- سليم ... سليم ... أنا سليم ...
أخرج ورقة نقدية من فئة الخمسة آلاف، رماها على الطاولة وخرج مسرعا كالمجنون ...
تبعه الطبيب، حاملا ورقة نقدية أخرى .
- توقف ... توقف يا رجل ...
عندما وصل إلى البيت، كان الكلب بانتظاره .
- هاتي الطعام يا أم زيدان ... أنا جائع جدا ...
لم يرد أحد عليه .
- أين هي ، أين ذهبت ... آه نسيت ... !!! ... قصف جبهته بصفعة اختصرت مشوار اليوم .
( كانت أم زيدان ماتزال تبحث عن نفسها في بحر المدينة ) ...
------------
وليد.ع.العايش
٢٠/رمضان/ ١٤٣٩