.......... //  أمل على قيد الحياة  // ............

قصة قصيرة........الجزء الخامس
التجأت كعادتي لذاك المقعد الوحيد الملقى على الشرفة ونسائم الشوق تحملني فوق أجنحة الصبر 
فأنا أنتظر تلك الفرحة المرتسمة بتقاطيع وجه هيام 
وبصوتها الخجول 
حتى أنني لألمسها لمجرد التفكير 
بتلك المرأة التي بددت بإشراقتها ظلام حزني 
كما يبدد النور حلكة الدجى
أحاسيس كثيرة تجردت وتعرت من مكنوناتها 
عما تختزل من مطامع تلك النفس المعذبة 
لكنها أبت إلا أن تكون طاهرة نقية برغم كل الذكريات المؤلمة
التي كانت ومازالت تعصف بجنباتها على سواحل الحرمان 
مما توهم الكثيرين بأنها اندثرت
وباتت طي الكتمان 
هيام الأنثى التي دخلت حياتي بكل تفاصيلها بلا استئذان
هيام الروح التي تنفستها كنسمات الربيع الصافية 
فكل الصفات التي طالما حلمت بها بأنثاي الوحيدة 
هاأنا أحسها وألمسها وأراها تتجسد بهيام
فلم يزل التفكير بها يشغلني
ويتملكني عشقها ويحيط بكلي كما يحيط السوار بالمعصم
حتى انتشلني ذاك الرنين رنين هاتفي بأروع أربع حروف عشقتها  في الأبجدية 
هاهي ترتسم على شاشة هاتفي من جديد بأسم هيام
أنتفض المجنون قلبي من بين أضلعي يرزح شوقا 
ويرتمي وجدا بين قدمي 
فأول ماطرق مسامعي من أنفاسها عامر بنفس الوقت الذي قلت فيه هيام أشتقت إليك
قالت أشتقت إليك جدا حبيبي
آسفة جدا لتأخيري عنك
قلت لاعليك المهم أنك بخير
قالت لا أعلم أني بخير إلا حينما أكون معك
عامر أي قدر جمعني بك 
هل تصدق
قلت بدون شك حبيبتي
قالت ماعشقت رجل من قبلك 
ولن أعشق من بعدك حبيبي
تعانقنا شوقا بأعذب الكلمات
وتبادلنا جنون العشق بأجمل العبارات 
حتى بكت حروفنا ولها وتتيما على مشارف الهمسات
وبعد أن صفت نفوسنا من كدر البعد والحرمان
وأرتوت أفئدتنا من أقداح الشوق
تنفست عميقا وقالت عامر
قلت ياقلب عامر
قالت لدي خبر مفرح لك 
قلت وكيف لايكون مفرح وأنتي الفرح لقلب عامر 
أخبريني حبيبتي ماهو 
قالت يتعلق الأمر بشأن ديوانك الشعري
فقد ألتقيت اليوم بالإعلامية 
دانا عبدالعليم وتكلمت معها بشأن ديوانك 
وقد أعطيتها نسخة من ديوانك 
لتقوم بعرضه على اللجنة الأدبية المختصة بصالتها الأدبية 
وستقوم بعرضه على أكبر دار للنشر عندنا لوتمت الموافقة عليه
نشوة من السعادة غمرت كياني 
قلت بلهفة صحيح ماتتكلمين هيام
قالت نعم حبيبي وأنا واثقة بأن ديوانك سيصل إلى الجميع بعون الله تعالى 
وسأقف لجانبك حتى أراك من أكبر الكتاب 
قلت لا أعرف كيف سأشكرك
قالت لم تنتظر هيام بيوم ما أي شكر على معروف قدمته بحياتها لأحد 
فكيف تنتظره من رجل ملك قلبها 
وأعادها لأنوثتها 
بعد أن عشقته بكل جوارحها
لا أريد منك سوى أن تعلم 
بأن مسيرة الألف ميل تبدأ بميل
والسهم لا ينطلق 
حتى يتم إرجاعه إلى الخلف
تأمل خيرا عامر 
واعلم بان الأمل لم يزل على قيد الحياة
وسأكمل لك مابدأناه حبيبي
قلت تفضلي
قالت لقد أستطعت بهروبي
وبمساعدة ام ملاك تلك المرأة القبطبية التي تعيش لوحدها
ان أجتاز تلك العقبة  
وتلك الجريمة التي باءت بالفشل
التي رسمتها وخططتها زوجة أبي 
لكنني عدت إلى بيت أبي لأكمل حياتي بتلك الغابة 
لكن الأمور أزدادت سوءا بعد ذلك بعدأن صبت علي جام غضبها زوجة أبي
فراحت تضايقني بأدق التفاصيل
فمرة تمزق كتبي ودفاتري 
ومرة تشتمني بأقبح الألفاظ
فأكثر ماكان يخرجها من جلدها
عندما كانت تراني اتصفح كتابا
أو أقوم بواجباتي المدرسية 
ذاك الملجأ الوحيد الذي أصب به كل أهتماماتي 
كي أستطيع الوصول لمبتغاي
بالاضافة لتلك المرأة القبطية أم ملاك التي كانت بعد ذلك ملاذا دافئا لي بعد زواج أمي
ومرت الأيام ثقيلة متتاليةلا جديد فيها 
سوى ألوانا من البغض والكراهية 
فنزغة الشر لم تزل تتقد بداخل زوجة أبي
فبعد مضي ستة أشهر من فشل تجربة زواجي الأول 
أفاجأ ذات ليلة بأبي يدعوني لأجلس معهم 
بحضور جميع أفراد هذه العائلة المحترمة وكانت المفاجأة فقد قرروا أن يزوجوني ثانية  لشاب آخر من أقارب زوجة أبي
فأنا أعلم بأنها لن يهدء لها بال حتى تتخلص مني وتلقيني خارج البيت 
قلت مقاطعا ولم تفعل كل هذا هيام
هل هي على شاكلة من يقول 
عض قلبي ولا تعض رغيفي
فإن قلبي عند الرغيف ضعيف
أضحكها ماقلت 
وأردفت قائلة لم تخطأ بتعبيرك عامر
تكلم معي أبي هذه المرة وأخبرني بأن شابا من عائلة محترمة كما يدعي ومن طبقة ثرية سيتقدم لخطبتي 
وأضاف بلهجة المهدد المتوعد 
لا أريد هذه المرة أن تتكرر تلك التصرفات الهوجاء 
فقد أعطيتهم كلمة وانتهى الأمر
فلم أستطتع أن أبقى سجينة الصمت كعادتي 
وقلت بلغة الواثقة المتزنة لكنني بسن لا يؤهلني للزواج 
قال أصمتي
أعلم ذلك 
فالشاب سيخطبك 
وسيتم عقد قرانكما وسيسافر لبلد عربي بحكم عمله هناك
ولن يكون هناك زواج قبل عامين
أبي يصدر الأوامر
وكأنه يبيع نعجة في سوق البهائم 
وزوجة أبي تعوض شتائمها بنظرات حاقدة 
خرجت من مجلسهم وألاف الأفكار تتدافع برأسي
فأنا لم أعد صغيرة والضربة التي لا تقصم ضهرك تقويك 
أنا أعلم بأن أشياء كثيرة تحاك ضدي في هذا البيت
 بقانون حكم القوي على الضعيف
ولكن ماسهل علي الأمر هذه المرة المدة الطويلة المقررة لزواجي
وليخلق الله مايشاء بعد عامين
ولم أجد بدا من اللجوء إلى تلك المرأة الطيبة أم ملاك التي بت أستشيرها بكل تفاصيل حياتي 
ولم يكن لأم ملاك خيار آخر غير الموافقة على خطبتي وزواجي 
من ذاك الشاب المدعو  سيد البالغ من العمر 
واحدا وعشرين عاما
كي يتسنى لي متابعة تعليمي
لكونه مسافرا على الدوام بحكم عمله
فلم يكن أمامي سوى الإستسلام
للأمر الواقع
وتمت الموافقة وتم عقد قراني 
على ذالك الشاب الذي لم يستطع ان يأخذ ولا حيزا بسيطا من الاعجاب بداخلي
سوى أنه طوق النجاة بالنسبة لي
الذي سيخلصني من سطوة زوجة أبي ومما يتيح لي الفرصة باستكمال تعليمي 
وتوالت الأيام مسرعة تطوي تفاصيل كثيرة من حياتي
حتى نشأت بيني وبين اختي الكبيرة هاجر علاقة حميمة بتلك الفترة
فكانت هي الأقرب إلى قلبي من كل أفراد العائلة
فكان لدي بذاك الوقت عشق غريب لا حدود له للأدب العربي
حتى أنني كنت أطالع مرة رواية الأيام لعميد الأديب العربي طه حسين ولم أعلم إلا وأبي يقف على مقربة مني قائلا ماذا تقرأين هيام أدرت له غلاف الغلاف
ليرى بأم عينه ماأقرأ
فقال بدهشة تقرأين لطه حسين
لمثل سنك بنيتي أن تجلس أمام التلفاز 
كي تشاهد توم وجيري
فأجبته بلا تلكأ بعد أن زادتني الأيام صلابة وقوة
ألا يكفي توم وجيري الذي عقدتم قراني عليه
فتهكم بكلمات لم أسمعها بوضوح وأستدار موليا
وانا أعلم بقرارة نفسي 
أن أبي لا حول له ولا قوة أمام زوجته السليطة 
رغم مركزه الحساس بوزارة الخارجية 
وهو بنظري أعجز العاجزين عن إدارته الداخلية الفاشلة 
ضمن جدران بيته 
صحيح أنني أستسلمت لأشياء
فذاك حكم القدر
لكنني مازلت ثابتة على مبدأي
ومصرة على متابعة تعليمي 
تتحدث هيام وكأنها تعيد شريط ذكرياتي بأوجاع الماضي وسط سحب من الكآبة 
هاهي السماء تتلبد بالغيوم 
وقد أطفئت كل الأنوار بشقتنا 
بعد أن خلد كل رفاقي للنوم سوى أنوار الشارع التي تنعكس
على شرفتنا 
وأنا متكوم على مقعدي
قدح الشاي الفارغ
ومنفضة ملئت بأعقاب السجائر
ونسمات راحت تتلاعب بألبسة 
نشرت على حبل الغسيل 
ولم تزل هيام تبكي بكلماتها وجعا دفينا أستيقظ بعد مرور تلك الأيام الطويلة 
وقد أستشاط غضبا من خلف أبواب أغلقتها السنين
فها انا أسطر بعضها على ورقة امامي كنقطة تحول بحياتها 
نافثا دخان سيجارتي 
أستمع لها بكل جوارحي
وقد تجاوزت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل.......يتبع
بيروت   ٢٠١٨/٥/٣١
بقلم عبدالله محمد الحسن

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 25 مشاهدة
نشرت فى 1 يونيو 2018 بواسطة mmansourraslan

عدد زيارات الموقع

109,613