- يوميات رمضان - ١٠ - 

------------

- أين كنت يا أماه  ... سألها الكبير  ... 
صمتت لحظات ، كان المطر حينها يطرق باب البيت  ... 
نظرت إلى أبنائها، ثم إلى جناحها المفقود ، احتضنت ابنتها وهي ماتزال صامتة ... 
عاد الطائر الحزين سؤاله مرة أخرى ... 
- أين كنت يا أماه  ... ظننا بأنك لن تعودي إلينا ... 
لم تستطع العصفورة البائسة الصمود أكثر على صمتها، كانت هناك على هاوية عينيها دمعة ( المقهور ) تعاند الهبوط، أطلقت تنهيدة طويلة تشبه دهرا كاملا ... 
- كنت هناك خلف تلك الرابية، أبحث عن طعام لكم، عندما هبت الزوبعة انزويت ، اختبأت بين أكمة كثة، تشبه كثيرا لحية ذاك الرجل الذي فاجأني من خلفي، حاولت الطيران هربا، لكن ذراعيه كانتا أقوى من الزوبعة، فقدت جناحي وأنا أحاول التملص منه، وفي النهاية رضخت له . 
لست أدري إلى أين أخذني، شاهدت ألوان سوداء تلوح في كل مكان، بشر لا يشبهون من ترونهم حولكم هنا، اللون الأحمر كان يطرق ناظري كل لحظة . 
هذه المرة هبطت الدمعة من علو شاهق، تردد صداها في كل أرجاء البلاد، عانقتها ابنتها، ضمتها إلى صدرها، بينما العصافير الآخرين يطرقون بنواظرهم نحو الأرض.  
رفعت رأسها ثم تابعت مسير حديثها ... 
- كان كل تفكيري عندكم، لم تفارق صوركم ذاكرتي، بكيت كثيرا، تألمت أكثر، التعذيب كان يفوق الطعام الذي يمنحوني إياه، بعد مرور شهرين وربما أكثر، لم أعد أشعر بشيء، ظننت بأن كل شيء قد انتهى، أذكر يومها بأني صليت لله واستودعتكم إياه . 
ذات يوم كان المطر ينهمر بغزارة، كنت أشاهده من نافذة ضيقة، جلبة وضجيج في الخارج، الألوان السوداء تتلاشى مسرعة، جائني رجل يرتدي بذة مرقشة، بندقيته تمد عنقها إلى الأمام مع نصلة حادة، قلت بأنها النهاية، لكن الرجل انحنى بقامته الطويلة، ومنكبيه العريضين إلي، حملني بين ذراعيه بحنان، ثم سار على درب أراه لأول مرة . 
لم أر تلك الألوان السوداء، كانت هناك ألوان مغايرة، الطريق إلى هنا كان طويلا جدا، لكنه لم يفارقني ... 
رجل آخر بثوب أبيض، ضمد جرح جناحي، سمعته يقول بأنه لن يعود لكنها تستطيع العيش بدونه . 
سمعت أغنية جميلة يغنيها بعض الرجال، جموع كثيرة ترددها أيضا، حفظتها منهم، وغنيت معهم، المطر توقف قلبه، السماء بدت صافية . 
الآن أنا بينكم كما ترونني، بجناح واحد، لكنني أقسم لكم بأني حافظت على كرامتي وشرفكم يا أولادي . 
انبثقت الشمس التي غابت منذ سنة ونيف، ارتفعت الأصوات أكثر، عيدان القش كانت ترقص على أنغام زقزقة العصافير ... 
قالت الأم الرؤوم ( يا أولادي نحن نمرض لكننا لا نموت ) ...  
------------
وليد.ع.العايش
١٠/رمضان/ ١٤٣٩

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 15 مشاهدة
نشرت فى 26 مايو 2018 بواسطة mmansourraslan

عدد زيارات الموقع

109,682