مذكرات ثائرة - 8 -
---------------
البيت الطيني المصنوع من طوبٍ مُعتّق بالقشّ يُرخي بأجنحته على حافة النهر ، وشجيراتٌ مازالت في ليلتها الأولى تُناجي المساءَ علّهُ يأتي بخبرٍ ما ، بينما بدأتْ العصفورة تَلقُمُ صِغارها ما جادت به السماء في تلكَ الأمسية0
على حجرٍ أشعث الشعر كانتْ تجلِسُ ثراء ، تحملُ كتابَ اللُغة العربية , تقرأُ قصيدةً لشاعرِ النيل ، شَعْرُها لم يكنْ على ما يرام ، فقد تأرجحتْ ضَفائرها كيفما شاءت ، لم تُعرّها أيّ اكتراث ، ظنّتْ بأنّ الليلَ آتٍ دونَ أن يحمل على كتفيهِ أيّة نسائم تُنعش فؤادها الصغير.
في الأفقِ الممتدِّ إلى مالا نهاية, لاحتْ خطوات تُكابدُ ألمَ المسافة، قذفتْ بكتابها إلى تُراب حنون وهي ترنو بعينيها صوبَ الغروب الآتي بِظلٍّ لم تتبدى ملامحه حتى الآن ، ساورتها مئاتُ الأفكار في لحظاتٍ قليلة ، تماوجتْ مابينَ فرحٍ وأسى ربما تحمله بين ثناياها .
- يا إلهي ... إنّها ليلى ... ماذا أتى بها في هذا الوقت !!!
قفزتْ مسرعة تجاه الظلّ الذي ابتدأتْ ملامحه أكثر نضوجاً، كادَ قلبها أن يتوقفَ عندَ حدود النهر, قبلاتٌ وعناق بين أنثيين تفيضان جمالاً وإثارةْ ، خَجِلتْ الشمسُ مِنَ المشهد المترامي أمامها, فمضت خلف كواليس جبلٍ أخضر الرأس .
- افتقدناك اليوم يا ثراء ... لِمَ لمْ تأت إلى المدرسة
- كان لدينا عمل في البيت ... ساعدتُ أمّي, فهي لوحدها ولا تستطيع إتمام العمل.
- الحمد لله ... ظننتُ بأنّك مريضة ...
- من افتقدني أيضا ... أباقي الزميلات ؟ ( قالتها بخجل ) ابتسمت ليلى وهي تمدّ يدها إلى جيب بنطالها الضيق .
- لا ... هناك من افتقدكِ أيضاً وبحثَ عنكِ بيننا ...
- مَنْ ... مَنْ ... يبدو أنّهُ المعلمْ أو مدير المدرسة ؟ قولي حبيبتي مَنْ ....
- آه منكِ ... مديرُ المدرسةْ !!! هاا ...هااااا ... يالكِ من خبيثة.
ناولتها الورقة ثّمّ جلستْ على ذاتِ الحجر ، أما ثراءُ فتوارتْ خلفَ أيْكةٍ صغيرة تُشبهها ، فتحت الورقة وأخذتْ تقرأ ، لمْ تكفِ قراءة واحدة، فعادتْ إليها كرّة أخرى ، ليلى تختلسُ النظرات بعيونها الخضر.
- ألمْ تنتهِ مِنْ القراءةْ ...
- بلى .. بلى ... ها أنا ذا آتية إليكِ ...
امتزجت الدموعُ ببعضها في مُعانقةٍ مثيرةٍ, جميلة، الوجنتان مُحمرتان كما جَمرِ تنورٍ لمْ ينطفئ بعدْ، ردّتْ شَعرَها الأسود إلى الخلف قبلَ أنْ تضعَ مؤخرتها بجوارِ صديقتها
- أراكِ تخجلينَ يا ثراءْ ... أهو الحُبّ ...
- لا أدري يا صديقتي ... أشعرُ بأنّ قلبي ليسَ لي ، اسمعي كيفَ يدقّ ... ماذا يعني هذا الأمر ؟ لم تكن ليلى جَربت الحُبّ منْ قبلُ ، لذلك عجزت لتوّها عنْ الإجابة.
- ربما يكونُ الحُبّ ... غداً نشتري كتاباً عنهُ ... كي نعرفَ ماذا يعني .
أومأتْ برأسها موافقة ، وضعتّهُ على كتفِ صديقتها ، منذُ لحظاتٍ ذابَ جليدٌ كان يتعمرُ قلبين صغيرين, الليلُ يُداعبْهُما على خُطا نسمةٍ عليلةْ ، صرختْ الأمّ.
- هيا يا ثراء تعالوا إلى هنا فقدْ استيقظَ الليل ...
سارتا باتجاه البيت الطينيّ ويداهما مُتشابكتان.
اغمضتُ عيوني وأنا أكتبُ واجبي المدرسيّ ، كُنتُ أفكرُ برسالتي الثانية, أتُراها وصلت ؟ أمْ أنَّ ليلى سوفَ تخونُ الأمانة ... أتذكرين ...
__________
وليد.ع.العايش
٢٠/٢/٢٠١٨م
مذكرات ثائرة - 8 -
---------------البيت الطيني المصنوع من طوبٍ مُعتّق بالقشّ يُرخي بأجنحته على حافة النهر ، وشجيراتٌ مازالت في ليلتها الأولى تُناجي المساءَ علّهُ يأتي بخبرٍ ما ، بينما بدأتْ العصفورة تَلقُمُ صِغارها ما جادت به السماء في تلكَ الأمسية0
على حجرٍ أشعث الشعر كانتْ تجلِسُ ثراء ، تحملُ كتابَ اللُغة العربية , تقرأُ قصيدةً لشاعرِ النيل ، شَعْرُها لم يكنْ على ما يرام ، فقد تأرجحتْ ضَفائرها كيفما شاءت ، لم تُعرّها أيّ اكتراث ، ظنّتْ بأنّ الليلَ آتٍ دونَ أن يحمل على كتفيهِ أيّة نسائم تُنعش فؤادها الصغير.
في الأفقِ الممتدِّ إلى مالا نهاية, لاحتْ خطوات تُكابدُ ألمَ المسافة، قذفتْ بكتابها إلى تُراب حنون وهي ترنو بعينيها صوبَ الغروب الآتي بِظلٍّ لم تتبدى ملامحه حتى الآن ، ساورتها مئاتُ الأفكار في لحظاتٍ قليلة ، تماوجتْ مابينَ فرحٍ وأسى ربما تحمله بين ثناياها .
- يا إلهي ... إنّها ليلى ... ماذا أتى بها في هذا الوقت !!!
قفزتْ مسرعة تجاه الظلّ الذي ابتدأتْ ملامحه أكثر نضوجاً، كادَ قلبها أن يتوقفَ عندَ حدود النهر, قبلاتٌ وعناق بين أنثيين تفيضان جمالاً وإثارةْ ، خَجِلتْ الشمسُ مِنَ المشهد المترامي أمامها, فمضت خلف كواليس جبلٍ أخضر الرأس .
- افتقدناك اليوم يا ثراء ... لِمَ لمْ تأت إلى المدرسة
- كان لدينا عمل في البيت ... ساعدتُ أمّي, فهي لوحدها ولا تستطيع إتمام العمل.
- الحمد لله ... ظننتُ بأنّك مريضة ...
- من افتقدني أيضا ... أباقي الزميلات ؟ ( قالتها بخجل ) ابتسمت ليلى وهي تمدّ يدها إلى جيب بنطالها الضيق .
- لا ... هناك من افتقدكِ أيضاً وبحثَ عنكِ بيننا ...
- مَنْ ... مَنْ ... يبدو أنّهُ المعلمْ أو مدير المدرسة ؟ قولي حبيبتي مَنْ ....
- آه منكِ ... مديرُ المدرسةْ !!! هاا ...هااااا ... يالكِ من خبيثة.
ناولتها الورقة ثّمّ جلستْ على ذاتِ الحجر ، أما ثراءُ فتوارتْ خلفَ أيْكةٍ صغيرة تُشبهها ، فتحت الورقة وأخذتْ تقرأ ، لمْ تكفِ قراءة واحدة، فعادتْ إليها كرّة أخرى ، ليلى تختلسُ النظرات بعيونها الخضر.
- ألمْ تنتهِ مِنْ القراءةْ ...
- بلى .. بلى ... ها أنا ذا آتية إليكِ ...
امتزجت الدموعُ ببعضها في مُعانقةٍ مثيرةٍ, جميلة، الوجنتان مُحمرتان كما جَمرِ تنورٍ لمْ ينطفئ بعدْ، ردّتْ شَعرَها الأسود إلى الخلف قبلَ أنْ تضعَ مؤخرتها بجوارِ صديقتها
- أراكِ تخجلينَ يا ثراءْ ... أهو الحُبّ ...
- لا أدري يا صديقتي ... أشعرُ بأنّ قلبي ليسَ لي ، اسمعي كيفَ يدقّ ... ماذا يعني هذا الأمر ؟ لم تكن ليلى جَربت الحُبّ منْ قبلُ ، لذلك عجزت لتوّها عنْ الإجابة.
- ربما يكونُ الحُبّ ... غداً نشتري كتاباً عنهُ ... كي نعرفَ ماذا يعني .
أومأتْ برأسها موافقة ، وضعتّهُ على كتفِ صديقتها ، منذُ لحظاتٍ ذابَ جليدٌ كان يتعمرُ قلبين صغيرين, الليلُ يُداعبْهُما على خُطا نسمةٍ عليلةْ ، صرختْ الأمّ.
- هيا يا ثراء تعالوا إلى هنا فقدْ استيقظَ الليل ...
سارتا باتجاه البيت الطينيّ ويداهما مُتشابكتان.
اغمضتُ عيوني وأنا أكتبُ واجبي المدرسيّ ، كُنتُ أفكرُ برسالتي الثانية, أتُراها وصلت ؟ أمْ أنَّ ليلى سوفَ تخونُ الأمانة ... أتذكرين ...