في ندوة نظمها برنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز بالتعاون مع المكتب الإقليمي للتربية في الدول العربية تم الكشف عن حقائق خطيرة يحسن بنا أن نعالجها دون أن ندفن رؤوسنا في الرمال.
فلأول مرة يتم الاعتراف علنا بأن الإيدز صار ظاهرة متوطنة في الدول العربية، وأن الشباب العربي صار مستهدفا به أكثر وأكثر ما لم تلجأ الحكومات العربية لصياغة خطط جادة لمواجهة المشكلة التي تم تجاهلها كثيرا خشية ما اعتقد المسؤولون أنه خدش لحياء المجتمع وقضاء على سلامه وأمنه الداخلي.
وكان أخطر ما تم الكشف عنه في تلك الندوة ذلك الاعتراف الخجول -لأول مرة- بدور العلاقات الجنسية في نقل مرض الإيدز، بعد أن كانت الحكومات تردد قبل ذلك أن معظم الحالات التي يتم الكشف عنها ترجع إلى نقل الدم أو تعاطي المخدرات.
الحقائق التي كشف عنها برنامج الأمم المتحدة تحتاج إلى الانتباه، فقد سَجل حتى نهاية عام 2000 ازدياداً في نسبة الإصابات بالمرض في منطقتي إفريقيا الشمالية والشرق الأوسط، وتم تقدير 80 ألف إصابة جديدة بالفيروس في عام 2000 ما جعل عدد الإصابات في بلدان هاتين المنطقتين يرتفع إلى 400 ألف إصابة، وكشفت الدراسات المركزية في الجزائر مثلاً أن نسبة انتشار المرض بين النساء الحوامل وصلت إلي ما يقارب 1%.
وقال برنامج الأمم المتحدة إن تقديراته تبقى نسبية بسبب أن معظم الدول العربية لا تكشف عن العدد الحقيقي للإصابات، إما بسبب عدم تبليغ الجهات الرسمية المختصة عنها، وإما لعدم التوجه إلى المجموعات المعرضة للمرض للتحقيق في أوضاعها، مشيرا إلى أن الحجة الجاهزة للتعتيم على الموضوع هي دائما خدش الأخلاق والتقاليد في ظل إشارة التقديرات المتتابعة إلى أن المسبب الأول للمرض أصبح هو العلاقات الجنسية (بنسبة 28%) في حين تتراجع نسبة الإصابة عن طريق حقن المخدرات ونقل الدم.
**ما علاقة هذا بالشباب؟***
الإجابة بسيطة وواضحة فمعظم حالات الإصابة تكون لشباب حول سن الثلاثين، بعضهم لا تظهر عليه أعراض المرض إلا بعد 10 سنوات من الإصابة، مما يعني أن الشباب ما بين سن العشرين إلى الثلاثين هم الأكثر تعرضا لخطر هذا الداء الفتاك، وحسب تقديرات البرنامج، فإن العدد التقريبي للإصابات يزيد عن 400 ألف في منطقة شرق المتوسط التي تمتد ما بين أفغانستان والمغرب العربي، علماً بأن هذا الرقم هو ضعف ما كانت عليه التقديرات قبل سنوات. أما أكثر البلدان إصابة بالمرض في العالم العربي فهي جيبوتي والصومال والسودان، في حين تظل أفغانستان هي الدولة الوحيدة التي لم تبلغ عن حالات الإصابة لديها.
وباختصار فإن المرض ينتشر في المنطقة بشكل بطيء ويقتصر على مجموعات مستهدفة معظمها من الشباب، ويتضح من الإحصاءات أن 2.5% من الشابات اللواتي يقصدن الطبيب النسائي يحملن الفيروس و1.68% من الشابات الحوامل وترتفع هذه النسبة في الصومال لتصل إلى 3% و1.6% في جيبوتي، ومن العلامات التحذيرية في ارتفاع نسبة الإصابة ما سجل في ليبيا من إصابات بين الأطفال قبل أكثر من سنتين، أما في إيران فقد سجل الارتفاع بين المساجين من 1.73% عام 99 إلى 2.82% عام 2000، وفي مصر سجلت نسبة 1.74% للإصابات بين مجموعة من الرجال تمارس اللواط .
**ما الذي أدى بالأمور أن تتصاعد على هذا النحو؟***
رغم أنه لا توجد حتى هذه اللحظة دراسات اجتماعية تتناول على وجه التفصيل أسباب انتشار الإيدز في العالم العربي، أو دراسات تكشف عن الموقف الاجتماعي من مريض الإيدز، إلا أن هناك عددا من الافتراضات التي تحتاج إلى مزيد من البحث والتنقيح، ومن ذلك:
- أن زيادة انتشار المرض تواكبت مع انتشار الإنترنت والبث الفضائي وما واكب ذلك من حالة إغراق جنسي يتعرض لها الشباب المسلم، حيث قامت هذه الوسائل بكسر الحزام الضابط الذي كانت تفرضه التقاليد والدين على حدود الدول الإسلامية، كما ساعدت على وضع الشباب تحت ضغوط هائلة لكبت جنسي لا تتيح لهم قدراتهم الاقتصادية ولا ظروفهم الاجتماعية سرعة تصريفه، ومن ناحية أخرى فقد ساهمت هذه الوسائل في ترويج ثقافة الزنا والدعارة وسهلت وسائلها، وذلك على الرغم من فوائد هذه الوسائل التي لا تنكر.
ويكفي أن نورد هنا أن دراسة قام بها مركز معلومات مجلس الوزراء المصري في العام 1997 كشفت أن 75% من استخدامات الإنترنت نهارا هي في أغراض الجنس، في حين ترتفع النسبة في الاستخدام الليلي للشبكة إلى 92%.
- لانتشار الإيدز أيضا علاقة - يصعب إنكارها - بضعف تأثير الدين في المجتمع، وهو الأمر الذي يدفعنا إلى مراجعة الدور الذي تقوم به المساجد ومؤسسات التربية والتثقيف الديني في البلدان الإسلامية، في ظل تعرض هذه المؤسسات لضغوط متزايدة في إطار حملات مكافحة الإرهاب، وهي ضغوط تزايدت بعد أحداث 11 سبتمبر، ما يعني أن الشباب العربي ضعف تواصله مع دينه، الأمر الذي أغلق أمامه بابا مهما لتفريغ الطاقة بصورة مباحة وآمنة.
- لو أردنا الاستفادة من أبحاث سابقة تمت حول انتشار ظاهرة الزنا في المجتمع لأمكننا القول إن معظم حالات الإيدز - شأنها شأن الزنا- تظهر وسط شباب ينتمون إلى أسر مفككة تنعدم فيها الرقابة الأبوية، بسبب الانفصال بين الأبوين أو انشغالهما، أو بسبب تأثر الأبوين بأنماط ثقافية غربية.
- وإذا كان المرض يظهر عادة بين شباب بين العشرين والثلاثين، فإن المؤسسات التربوية والتعليمية في المجتمع تعاني هي الأخرى من خلل، وهو أمر يسعنا أن نتأكد منه بمسح لنوعية المناهج التي يتم تدريسها في المدارس والجامعات، حيث تخلو في معظمها من ثقافة حقيقية - صحية ودينية- تعصم الشباب من الوقوع في براثن المرض، بل ونستطيع أن نقول إن حالة الاختلاط التي تسيطر على الجامعات، وسط ضغوط الفيضان الجنسي القادم عبر الإنترنت والفضائيات، وضعف تأثير الدين، تشكل فرصة مواتية للشباب لتفريغ كبتهم الجنسي بصورة بعيدة عن الرقابة، وقد ظهرت بوادر تعضد هذا الافتراض بظهور حالات مثل الزواج السري في الجامعة وجماعات عبدة الشيطان، وأخيرا تنظيم الشواذ الذي ضبط في القاهرة قبل أكثر من عامين.
- ويمكننا أن نضيف - إلى ما سبق - الحالة العامة للمجتمع، حيث الافتقار إلى القدوة والمشروع الوطني الذي يستغل الطاقات، والإعلام المفتون بالنموذج الغربي، الأمر الذي يتم ترجمته تلقائيا إلى نقل ما عند الغرب من مظاهر الحضارة وقشورها دون جوهرها، ويضم ذلك مساوئ هذه الحضارة وإغراقها في عالم الجنس والمادية.
نحن في حاجة هنا إلى دق ناقوس الخطر، ولفت النظر إلى ضرورة وضع خطة جادة لإنقاذ الشباب العربي، يتضافر في تنفيذها مؤسسات الدولة -أي دولة- جميعها، وتقوم هذه الخطة على توفير الثقافة الصحية والدينية للتلاميذ عبر المدارس والجامعات والمساجد ووسائل الإعلام، إضافة إلى محاولة رسم أهداف تبدو واقعية وممكنة التحقيق لهذا الشباب الذي يعاني من اليأس والفراغ بحيث يسعه أن يتحول لتنفيذها، وهو الأمر الذي ستكون فيه مصلحة الشباب ومصلحة الأمة الإسلامية في الوقت نفسه.
المصدر: بقلم زينب بكر - باحثة اجتماعية
http://www.islamweb.net/media/index.php?page=article&lang=A&id=53911
نشرت فى 3 سبتمبر 2010
بواسطة mkhaled
عدد زيارات الموقع
504,569
ساحة النقاش