المدُّ في القرآن الكريم
لست هنا بصدد الحديث عن أحكام المدود فهذا الموضوع قد تناولته كتب تعليم التجويد باستفاضة ، لكنني أقف عند ظاهرة لفتت انتباهي ألا وهي ارتباط المدود الطويلة بمضمون وموضوع الكلمات المتعلقة بها فإذا بالمد يعطي للكلمة أبعاداً واتساعا ….. وحتى يكون الكلام أكثر وضوحاً سأقوم بإدراج بعض الشواهد من آيات الذكر الحكيم وسأبدأ بأول آية أضاءت سراج هذا الموضوع:
بسم الله الرحمن الرحيم
( لابثين فيها أحقابا ) النبأ ٢٣
يبدأ المد من قوله تعالى "فيها" مقدراً بأربع حركات ، ونجد أن "فيها" تعني النار مكاناً وهذا بحد ذاته له أثر نفسي لا يقل أهمية عن طول العذاب زماناً ….. ولنا أن نتخيل فظاعة هذا العذاب على المعذّب في نفس المكان الذي يسمع ويشاهد فيه أصوات و آلآم غيره خالداً مخلداً فيه أبدا ، فالآية تصف عذاباتٍ ثلاث: عذاب المكان و الزمان و الصحبة.
( حدائق و أعنابا ) النبأ ٣٢
المد في قوله تعالى "حدائق" ، و إذا قرأنا الآية بمدها فسنستشعر كثرة وسعة هذه الحدائق خاصة وأنه سبحانه وتعالى ذكرها بالجمع ولم يحدد عددها من كرمه وجوده على عباده...
( أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافّات ويقبضن ) الملك ١٩
المد في قوله تعالى"صافّات" مقدراً بست حركات …. تأملت حركة أجنحة الطيور وربطتها بهذه الآية مراعياً موضوع مدها فإذا بحركة جناح الطائر بسطاً وقبضاً تأتي موافقة للمد ، لأننا لو قرأنا هذه الآية بمدها فإننا سنستشعر طول حركة بسط الجناح عند الطائر قبل القبض … ولعل أبرز شاهد على ذلك حركة جناح الصقر أو النسر … فلو تأملناها لوجدنا أن هذا الطائر يبسط جناحية في السماء لفترة طويلة قبل أن يقبضها من جديد وهنا يكمن أمر المد في قوله تعالى "صافّات" بست حركات لتدل على طول حركة بسط الجناح .
القرآن الكريم مليء بمزيد من الشواهد التي تحتاج إلى غواّص يسبر عمقها ويستخرج ما خفي منها ... فالحمد لله تعالى الذي علمنا وتفضّل علينا .... و الله تعالى أعلم .....
محمد جمال الدين السباعي
حلب 18/4/2008
ساحة النقاش