محمد إسماعيل عتوك

الباحث
في الإعجاز اللغوي والبياني للقرآن





قال الله عز وجل في تسليمه على يحيى : ﴿ وَ سَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَ يَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ﴾

( مريم: 15 ) . ثم قال سبحانه على لسان المسيح في تسليمه على نفسه : ﴿ وَالسَّلَامُ عَلَيَّ 

يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ و َيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ﴾( مريم : 33 ) ، فأتى بلفظ السلام في الآية الأولى نكرة ، 

و في الآية الثانية معرفة ، و قيَّد كلا السلامين بيوم الولادة ، ويوم الموت ، و يوم البعث .

فما السر في تسليم الله تعالى على يحيى - عليه السلام - بلفظ النكرة ، وتسليم المسيح - 

عليه السلام - على نفسه بلفظ المعرفة، وأيهما أتم وأولى ؟ وما الحكمة في تقييد هذين 

السلامين بهذه الأيام الثلاثة : يوم الولادة ، ويوم الموت ، ويوم البعث ؟ وقبل الإجابة عن ذلك 

نقول ، وبالله الاستعانة :

أولاً - لكل قوم من الأقوام تحيَّة يحيون بها بعضهم بعضًا .. فتحيَّة النصارى هي : وضع اليد على 

الفم، وتحية اليهود هي : الإشارة بالأصابع ، وتحية المجوس هي: الانحناء. وتحية الفرس هي 

قولهم : هزا رساله ميمايي . أي : تعيش ألف سنة . وكل قوم لهم تحية من هذا الجنس ، أو ما 

أشبهه ، ولهم تحية يخصون بها ملوكهم من هيئات خاصة عند دخولهم عليهم ، كالسجود ، 

ونحوه ، وألفاظ خاصة تتميز بها تحية الملك من تحية السوقة . 


أما العرب فتحيتهم في جاهليتهم الأولى لملوكهم هي قولهم : أنعم، أو عم صباحًا ، ومساء . 

وأما تحيتهم لبعضهم البعض فهي قولهم: حيَّاك الله ! وقد يزيد بعضهم فيقول : حياك الله ، وبيَّاك 

أي : أطال الله حياتك، وبوَّأك منزلاً حسنًا . وكل ذلك مقصودهم به الحياة ونعيمها ودوامها، ولهذا 

سميت : تحيَّة ، وهي : تَفْعِلَةٌ من الحياة ، كتكرمة من الكرامة، لكن أدغم المثلان فصار: تحيَّة . 


ولما جاء الإسلام ، أبدل المسلمين تلك التحية التي عرفوها في جاهليتهم الأولى بتحية 

أحسن منها ، وهي عبارة : السلام عليكم، وشرعها تحيَّة للمسلمين ، يحيي بها بعضهم بعضًا، 

وحضَّهم على إفشائها، والإكثار من تردادها ، وإلقائها على من يعرفوا ، ومن لم يعرفوا . وكانت 

أولى من جميع تحيات الأمم التي منها ما هو محال وكذب ، كقولهم : تعيش ألف سنة، وما هو 

قاصر المعنى ، كقولهم : أنعم صباحًا . ومنها ما لا ينبغي إلا لله، كالسجود ، فكانت التحية 

بالسلام أولى من ذلك كله ، وذلك لتضمن السلام معنيين : أحدهما : ذكر الله تعالى . والثاني : 

طلب المسلِّم السلامة من الله سبحانه للمسَلَّم عليه ، وتأمينٌ له بالسلام ، لأنه إذا دعا له 

بالسلامة ، فهو مسالم له ، فكان الخبر كناية عن التأمين . وإذا تحقق الأمران حصل خير كثير، 

لأن السلامة لا تجامع شيئًا من الشر في ذات المسلِّم ، والأمان لا يجامع شيئًا من الشر يأتي 

من قِبل المعتدي ، فكانت دعاء ترجى إجابته ، وعهدًا بالأمن يجب الوفاء به . 


ولما كانت الجنة هي دار السلامة من كل عيب وشر وآفة ، بل قد سلمت من كل ما ينغص 

العيش والحياة ، كانت تحية أهلها فيها سلام ، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى : ﴿ َتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا 

سَلاَمٌ ﴾( براهيم : 23 ) ، وكانت تحيَّة الله تبارك وتعالى لعباده المؤمنين يوم اللقاء سلام ، كما 

ينصُّ عليه قوله تعالى : ﴿ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ ﴾( الأحزاب: 44 ) ؛ فهذه تحيتهم من الله 

تعالى يوم يلقونه، كما يحيِّى الحبيب حبيبه . ولولا قوله تعالى بعد ذلك :﴿ سَلَامٌ قَوْلاً مِن رَّبٍّ رَّ

حِيمٍ ﴾ ( يس: 58 ) ، لاحتمل أن تكون التحيَّة لهم من الملائكة، كما في قوله تعالى : ﴿ سَلاَمٌ 

عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾( الرعد: 24- 25 ) .



ولما كان الإسلام هو دين السلام ، وكان لفظ السلام جامعًا للمعنيين السابقين : ذكر الله تعالى 

وطلب السلامة ، جعله الله تعالى تحيَّة الإسلام، وامتن بهذه التحيَّة على المسلمين بأن 

جعلها من عنده سبحانه مباركة طيبة ، كما يشير قوله تعالى : ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَ

نفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً﴾ (النور: 61 ) . وقد أمر تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام 

أن يعامل معارضيه وخصومه قائلاً : ﴿ فاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ ( الزخرف: 89 ) . 

ومن هنا كان السلام أحد الأسباب المفضية إلى الإيمان ، فالمحبة ، فدخول الجنة . روى مسلم 

عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « لا تدخلوا الجنة حنى تؤمنوا ، ولا 

تؤمنوا حتى تحابوا ، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه ، تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم » . وروى 

الترمذي عن عبد الله بن سلام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « يا أيها الناس ! 

أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام ، وصلوا والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام » . 


ثانيًا - فلنرجع بعد هذا إلى المقصود ، وهو الجواب عن السؤالين اللذين بدأنا بهما وما الحكمة 

في تقييد هذين السلامين بهذه الأيام الثلاثة : يوم الولادة ، ويوم الموت ، ويوم البعث ؟ فنقول 


أما الجواب عن السؤال الأول : ما السر في تسليم الله تعالى على يحيى - عليه السلام - بلفظ 

النكرة ، وتسليم المسيح- عليه السلام - على نفسه بلفظ المعرفة ، وأيهما أتم وأولى ؟ فيجاب 

عنه بأن يقال : إن الأصل في الأسماء التنكير ، فجاء تسليم الله تعالى على يحيى - عليه 

السلام - على الأصل . والعرب في ألفاظ الدعاء والطلب من المصادر والأحداث إنما يأتون بالنكرة 

إما منصوبة على المصدر، أو مرفوعة على الابتداء، فمن الأول قولهم : « سَقْيًا لهم ورَعْيًا » ، 

ومن الثاني قولهم : « وَيْلٌ لهم ووَيْحٌ » . ولما كان لفظ السلام متضمنًا معنى الدعاء والطلب ، 

جيء به بلفظ النكرة منصوبًا تارة، ومرفوعًا تارة أخرى ، كما جاء سائر ألفاظ الدعاء . وسر ذلك أن 

هذه الألفاظ جرت مجرى النطق بالفعل ، ألا ترى أن « سَقْيًا لهم ورَعْيًا » جرى مجرى: « 

سَقاهم الله ورعاهم « ، وأن « وَيْلٌ لهم ووَيْح ٌ» معدول عن قولهم : « وَيْلاً لهم ووَيْحًا » . أي : « 

ألزمهك الله ويلاً وويحًا » ؟ وكذلك قولك : « سلامًا عليك » جار مجرى : « سلَّمك الله ، و« سلامٌ 

عليك » معدولٌ به عن الأول ، والفعل نكرة ، فأحبوا أن يجعلوا اللفظ الذي هو جار مجراه وكالبدل 

منه ، نكرةً مثلَه . و إنما عُدِل به من التنكير إلى التعريف ، لأن الألف و اللام إذا دخلت على اسم 

السلام ، تضمنت أربع فوائد : 


الفائدة الأولى : الإشعار بذكر الله تعالى ، لأن السلام المعرف هو اسم من أسماء الله الحسنى 

كما تقدم تقريره .

والفائدة الثانية : الإشعار بطلب السلامة والأمان من المسلِّم للمسلَّم عليه ، لأنك متى ذكرت 

اسمًا من أسماء الله جل وعلا ، فقد تعرَّضْتَ لطلب المعنى الذي اشتق منه ذلك الاسم ، 

وتوسَّلْتَ به إلى تحصيل المعنى الذي اشتق منه ذلك الاسم ، نحو قولك : الرحمن ، الرحيم ، 

الملك ، القدوس ، السلام . 


والفائدة الثالثة : أن السلام - بالألف واللام - يشعر بعموم التحية ، وأنها غير مقصورة على 

المتكلم وحده . فأنت ترى أن قولك : سلامٌ عليك، ليس بمنزلة قولك : السلامُ عليك، في 

العموم . 


والفائدة الرابعة : أن الألف واللام تقوم مقام الإشارة إلى المعين ، كما تقول لما هو حاضر بين 

يديك : ناولني الكتاب ، واسقني الماء ، واعطني الثوب ، . فإنك تستغني بها عن قولك : هذا ، 

فهي مؤدية معنى الإشارة .


وقد اجتمعت هذه الفوائد الأربعة في تسليم المسيح - عليه السلام - على نفسه بقوله :﴿ 

وَالسَّلَامُ عَلَيَّ ﴾، ولم تكن واحدة من هذه الفوائد في تسليم الله تعالى على يحيى - عليه 

السلام - في قوله جل وعلا : ﴿ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ ﴾ ، لاستغناء المواطن الثلاثة عنها ، وهي يوم 

الولادة ، ويوم الموت ، ويوم البعث ، لأن المتكلم – هنا - هو الله جل جلاله ، فلم يقصد تبركًا 

بذكر الاسم الذي هو السلام ، ولا طلبًا لمعنى السلامة ، كما يطلبه العبد ، ولا عمومًا في 

التحية منه ، لأن سلامًا منه سبحانه كاف عن كل سلام ، ومُغْنٍ عن كل تحية ، ومُرْبٍ عن كل 

أمنية .. ولهذا لم يكن لذكر الألف واللام ههنا معنى كما كان لهما هنالك ، لأن المسيح يحتاج 

كلامه إلى هذه الفوائد ، وأوكدها كلها : العموم ، فلذلك كان لابد في تحيته من تعريف السلام 

بأل الجنسية التي تفيد معنى الاستغراق والعموم . 


ومن هنا كان سلام الله تعالى على يحيى - عليه السلام - أتم وأوْلَى من سلام المسيح - عليه 

السلام - على نفسه، ويؤيِّد ذلك أيضًا : أن لفظ السلام بالتعريف يدل على أصل الماهيَّة ، 

وبالتنكير يدل على أصل الماهيَّة ، مع وصف التمام والكمال ، ولهذا كان أتم وأولى . وعن 

الحسن رضي الله عنه : « التقى يحيى وعيسى عليهما السلام ، فقال يحيى : استغفر لي ، 

أنت خير مني. فقال عيسى : استغفر لي ، أنت خير مني ، سلَّمت على نفسي ، وسلَّم الله 

عليك » .



وأما الجواب عن السؤال الثاني : ما الحكمة في تقييد السلام بهذه الأوقات الثلاثة : يوم الولادة ، 

ويوم الموت ، ويوم البعث ، فقد أجاب عنه ابن قيِّم الجَوْزِيَّة بقوله : « إن طلب السلامة يتأكد في 

المواضع التي هي مظان العطب ، ومواطن الوحشة . وكلما كان الموضع مظنَّة ذلك ، تأكد طلب 

السلامة فيه ، وتعلقت بها الهمة ، فذكرت هذه المواطن الثلاثة ، لأن السلامة فيها آكد ، 

وطلبها أهم ، والنفس عليها أحرص ، لأن العبد فيها قد انتقل من دار كان مستقرًّا فيها ، موطِّن 

النفس على صحبتها وسكناها ، إلى دار هو فيها معرَّض للآفات والمحن والبلاء .. فكان طلب 

السلامة في هذه المواطن من آكد الأمور . فتأمل كيف خصَّ هذه المواطن بالسلام لشدة 

الحاجة إلى السلامة فيها ، واعرف قدر القرآن وما تضمنه من الأسرار وكنوز العلم والمعارف 

التي عجزت عقول الخلائق عن إحصاء عشر معشارها ، وتأمل ما في السلام مع الزيادة على 

السلامة من الأنس وذهاب الوحشة . فأيُّ موطن أحقُّ بطلب السلامة من هذه المواطن ؟ 

فنسأل الله السلامة فيها بمنِّه وكرمه ولطفه وجوده وإحسانه » . 



ثالثَا - ومن فوائد هذا الفصل : إجماعهم في الرد على قول: السلام عليكم، بقول : وعليكم 

السلام ، بالألف واللام ، لأنها لو سقطت – ههنا - لصار الكلام خبرًا محضًا ، كما في قولنا : 

عليكم دينٌ . وإذا صار الكلام خبرًا محضًا ، بطل معنى التحية ، والدعاء ، لأن المسلم يبدأ بالأهم 

، وهو ذكر السلام ، فليس بمحيٍّ من قال : عليكم سلام ، وإنما المسلم من قال : السلام 

عليكم ، فيجاب بقول: وعليكم السلام ، لأن موضوع السلام للأحياء ، إنما هو للأنس ، ورفع 

الوحشة ، والإشعار بسلامة الصدور . والدعاء لا بد فيه من ذكر المدعو ، وهو السلام بالألف 

واللام . فإن نكرته ، فلم يعد اسمًا من أسماء الله سبحانه ، فعُرِّف بالألف واللام إشعارًا بالدعاء 

للمخاطب ، وأنك رادٌّ عليه التحية ، لا مخبرٌ . ومن هنا لم يكن بدٌّ من الألف واللام . 




وقد يزيد كل من المسلِّم والمسلَّم عليه ، فيقول : « ورحمة الله وبركاته » . عن عائشة - رضي 

الله عنها – قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:« هذا جبريل يقرأ عليك السلام » . 


قالت : قلت : وعليه السلام ورحمة الله وبركاته . وروي أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه 

وسلم : السلام عليك . فقال عليه الصلاة والسلام : « وعليكم السلام ورحمة الله » . وقال آخر 

: السلام عليك ورحمة الله . فقال : « وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته » . وقال ثالث : السلام 

عليك ورحمة الله وبركاته . فقال :« وعليك » . فقال الرجل : نقصْتني ، فأين ما قاله الله : ﴿ وَإِذَا 

حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ﴾ ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : « إنك لم تترك لنا 

فضلاً، فرددت عليك مثله » !


  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 69 مشاهدة
نشرت فى 6 أكتوبر 2012 بواسطة misr25

ساحة النقاش

مصر25

misr25
»

ابحث

تسجيل الدخول