ربما الحقيقة تُرهبنا أكثر وتجعل مداد أقلامنا لا ينضب، فالقهر مازال يحيط بنا ولكن يختبئ تحت أنقاض حرية المرأة والمساواة بين الرجل والمرأة، مدواة من الحبر انسكبت لتكتب أحرف لا معنى لها، اختفى عصر قهر النساء.. ما يكتبه الوحي الآن كيف نسميه؟؟!!

“هالة” فتاة جميلة متفوقة في دراستها، تحارب وتحفر معبرا لها لتمر من بيت أبيها بسلام، تحفر بأظافرها، تنزف وتتألم، ولكن أمامها حلما لا تريد الابتعاد عنه: ألا وهو أن تكون كاتبة وتبحر في عالم ِ طالما تمنت الغوص في أعماقه، كانت تعشق (مي زيادة) وتقرأ لها كثيرا، كان حلمها الحقيقي أن تصبح (هي).

هالة هي الأخت الثالثة والصغرى، فهي الإبنة الوحيدة لأب لا يحبّ إلا الذكور، يرفض أمر الله.
فالله هو من يهب الذكور ومن يهب الإناث، والد هالة عندما بُشر بها اسودّ وجهه، ولم يتحمل زوجته في البيت بل على العكس طلب منها أن تذهب لتُنجب طفلتهما الصغيرة في بيت أهلها، نفذت طلب زوجها رغمًا عنها، فهي تعرف مدى قسوة قلبه، وخرجت من بيتها وهي تحمل في أحشائها طفلتها، التي تعلم مسبقًا أنها سوف تقاسي من سوء معاملة الأب والتفريق الواضح بين الأبناء الذكور والابنة التي لم ترَ الدنيا بعد، أنجبت الأم الابنة، (سبحان الله المبدع).
طفلة لم يروا مثيلا لجمالها ونور وجهها، وكانت ليلتها كالنسيم العليل،
اعتقدت الأم أنه عندما ينظر الأب  في وجه طفلته ستنساب الرحمة من قلبه، ويحن للطفلة التي لا حول لها ولا قوة، وكل ذنبها أنها ابنته؛ فأرسلت الأم في طلبه لكي يرى طفلتهما، ولكي تعود لمنزلها مكرمةً معززةً.

ذهب الأب وطلب من الأم أن تستعد بترتيب حقائبها لكي تعود الى منزلها؛ فركضت خالة هالة وحملتها وقربتها من أبيها لكي يراها ويشكر الله على نعمته؛ فعبس الأب ورفض حمل الطفلة، وتنحى بعيدًا عن مكان تواجد الطفلة الصغيرة.

عادت الأم تحمل بين حناياها الخوف الكثير والقلق على مستقبل ابنتها، ولكنها عاهدت الله أن تعوض طفلتها عن جحود الأب، ودارت الأيام ومرت، والابنة تذاكر وتجتهد وتعتمد على ذكائها، ولا تطلب من والدها أو والدتها ثمنًا لدرس خصوصي مثل الإخوة الصبية؛ فهالة منذ أن عرفت وإستوعبت  ما هي الدنيا… ومن هو والدها؛ أقلمت حياتها على أنها ضيف ثقيل في بيت أبيها، فاجتهدت في مدرستها الحكومية، وكانت دائمًا وأبداً من المتقدمات في دراستهن، وعندما نجحت في الشهادة الإعدادية طلب منها والدها اختصار مدة التعليم، وعدم متابعة المرحلة الثانوية، ولكن الابنة ترجته وقبّلت يديه لتُكمل تعليمها مثل أخويها؛ فقبل الأب الأمر على مضض؛ فأولاده الصبية متعثرون في دراستهم برغم سعي الأب الدائم ومحاولاته الدؤوبة ليحصلوا على شهاداتهم الجامعية، ولكن بدون جدوى.

نجحت هالة بتفوق في الثانوية العامة، لم تكلف والدها ثمن الكتاب الخارجي ولا الدرس الخصوصي، فسبحان الله؛ فالأب يملك المال ويملك القدرة على العطاء، ولكن عطاؤه كان لأولاده الذكور فقط، ليس لهالة وأمها!

دخلت الابنة الجامعة بأقل الثياب، ولكن الفتاة كانت لافتة للنظر، ثياب قليلة، ولكن جمال الفتاة جمل ملبسها، وحياؤها أحاطها بهالة من نور؛ أحبها زميلها بالجامعة وتقدم لطلب يدها؛ وافقت الفتاة للتخلص من صعوبة الحياة في بيت أبيها، ولتتخلص من ليالي مظلمة بدون نوافذ.

كانت تنام جائعة والأب وأبناؤه يأكلون ويقهقهون ويتسامرون، ولكن الإبنة ممنوع عنها العشاء بسبب أي خطأ، ولو بسيطاً!! أو رد على الأب، أو حكم من أحكام الإخوة الرجال الذكور، بالطبع كانت الأم تجاري ابنتها فتمنع نفسها عن الطعام، ولا تقبل أن  تأكل وابنتها تتلوى من جوعها، والابنة تتحمل وتطلب من الله أن يخرجها من الدنيا بسلام، أو يُخرجها من بيت والدها إلى بيت فارس أحلامها ليؤنس قلبها ويعوضها سنين الحرمان، وافق الأب بدون تردد على زميل ابنته.

لم يشتر الأب في جهاز ابنته أي شيء يرفع من قيمتها، أو يجمل من صورتها أمام زوجها وعائلته، على العكس؛ كان يحاول أن يزجرها ويتصيّد لها الأخطاء أمام زوجها، ولكنها كعادتها المقهورة التي دفنت دموعها فيها، لا تعترض على الظلم بكلمة ولا تشكو؛ فهي نشأت على عدم الشكوى، لأن الشكوى لله فقط، ولا مناجاة لها إلا مع الله.
فهالة كانت تحلم بأن يكون بيت زوجها نهاية المطاف لعذاباتها، وأن يكون حضنه مرساها وأمانها ، ولكن يا ويلها، زوجها اعتقد أنه ملَكها؛ فقام بنحر بذرة المحبة في قلبها، أول ما فعل هو تدمير حلمها بالعمل الصحافي، تنازلت عن حلمها لتتجنب عبوسه الدائم وتطاوله الزائد عليها، فلا حامي لها إلا الله منه، منعها من متعة القراءة، فهو لا يحب أن يراها تقرأ، وفي أكثر من مناسبة قام بالاعتداء عليها بالضرب والسب، وعندما طلبت الحماية من أهلها
كان ردهم الطبيعي والمنتظر: أنت من اختار؛ فتحملي نتيجة اختيارك، تزوجتي وانتهى أمرك، حتى لو قتلك لن نهتم للأمر، فأنت لست منا.

هذا كان رد الأب وأشباه الرجال الذين اعتبرتهم من دمها وواجبهم حمايتها.

كان دائم التحكم فيها وفي كل ما تفعله، كان يتدخل في حواراتها مع صديقاتها، كان دائم القول (أنه الرجل، وأن عليها واجب الطاعة، وعدم التحرك أو الكلام إلا بإذنه).

لم يكن لهالة من رد إلا البكاء والدموع والرجاء من الله أن تجد الراحة والسلام؛ فهي لا تتكلم إلا بإذن، ولا تتحرك إلا بإذن، تحيا هالة في عالم من القهر الذكوري: الأب، الأخوة الصبية، والزوج الحلم الذي انتظرته طويلا، وظلت الليالي الطوال تحلم وتحلم بهبوب عاصفة الأمل مع ظهوره في حياتها!!، لا تستطيع هالة طلب الطلاق، فأبوها لن يفتح لها منزله ولن تجد مكانًا يأويها، تتحمل لمجرد أن هناك أربعة جدران تحيط بها وتحميها من العالم الخارجي، الذي لا تعرف عنه إلا من خلال ما يذكره زوجها وما تراه وتشاهده أثناء دوامها في عملها، الذي يُعتبر المنفذ الوحيد لها للعالم الخارجي.
هالة دفنت روحها في مقبرة القهر بدون رحمة أو استغفار أو حتى صلاة، كان أملها الوحيد، الذي نمت جذوره داخلها، هو رغبتها في الموت، وتلك رحمة من ربّها، العجلة بالموت، هذا حلمها الذي كانت تحيا عليه. ولكن يشاء القدر أن تتوفى والدتها بالتسمم بسبب تفشي الغرغرينا في جسدها الطاهر الطيب، بعد وفاتها بشهرِ واحد شعر الأب ببعض آلام في الحلق ولم يجد من يساعده أو يضحي بوقته للذهاب معه الى  الطبيب غير ابنته هالة، قررت التفرغ تماما لأبيها وخاصة بعد أن فجر الطبيب سبب آلام الأب، فالأب مريض بالسرطان، ويجب أن يتلقى علاجا كيماويا مكثفاً  فحالة الأب متأخرة، في خلال هذه الفترة تعذب الأب من قسوة أبنائه الذكور، ولم يجد أمامه إلا بيت ابنته يقيم فيه لكي يجد من يرعاه ويسهر على راحته الى أن ينفذ أمر الله، في هذا الوقت كان زوجها يمد لها يد المساعدة فهو يكن للأب كل الحب والاحترام، وحاول بشتى الطرق أن يكبح جماح عصبيته وأن يحاول أن يلين مع زوجته فهو يشعر بما تعانيه، من مجهود جسدي ونفسي وشعر بمدى أصالتها وموقفها الذي قربها من قلبه وقربها من ربها أكثر، توفي والدها وهو يدعو لها بالستر ويدعو لزوجها، ويبكي من قسوة قلوب البشر في صورة أبنائه وتناسى عمدا أن قلبه كان يحمل أضعاف أضعاف قسوة أبنائه عليه، تناسى أن هالة هي ابنته وكانت تستحق  منه الحنان والحب والرعاية كما كان مع أبنائه، بعد وفاة الأب، سمح الزوج لزوجته بمساحة من الحرية، فلقد أعاد لروحها الحياة بأن سمح لها بالكتابة مرة أخرى، وسمح لها بالعمل كمراسلة في قناة فضائية، نجحت هالة كعادتها أبدعت في الكتابة وأبدعت في العمل والأن ذاع صيتها على مستوى العالم العربي الكل يقرأ لها، والكثيرون من الأوفياء يحيطون بها، فطوبى لزمن تدلت منه أغصان الحرية وطوبى لفتاة لم تستلم ولم تيأس ولم يمتلأ قلبها غِلاً على من حرمها نعمة الحنان.

ــــــــــــــــــــــ

المصدر: ميمي قدري
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 42 مشاهدة
نشرت فى 31 يناير 2012 بواسطة mimiahmedadry

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

3,147