محمد شو

العالم بين يديك

جواد البشيتي

.. وإنَّها لتَحِيَّة صادقة يَسْتَحِق أنْ يُحيَّا بها مرسي بعد، وبسبب، الخطاب التاريخي الذي ألقاه في مليونية "تسليم "ونَقْل" السلطة كاملةً"، والذي يَصْلُح "أُسلوبًا وشكلًا ومضمونًا" للتأسيس لعلاقة جديدة، جيِّدة، في مصر، بين "الشعب" و"الرئيس".

لمَّا اختارت قوى مناوئة لثورة الـ25 من يناير، وفي القَلْب منها "سلطة حُكْم العسكر"، التي يتولاها "المجلس العسكري الأعلى"، أحمد شفيق مرشَّحًا رئاسيًّا لها، قُلْنا إنَّ محمد مرسي هو الذي يجب أنْ يكون، من وجهة نظر مصالح الثورة المصرية، المرشَّح الرئاسي المضاد، والذي يُصوِّت له الناخبون المؤيِّدون للثورة، إنْ عن اقتناعٍ به "أيْ بما يُمثِّل، وبمن يُمثِّل" أو عن اضطرارٍ "فيه كثير من معنى النكاية بشفيق وبمن يَقِف معه".

ولم نتحدَّث عن المرشَّح الرئاسي مرسي إلا بما يشتمل على "إذا الشرطية"، أو ما يَعْدِلها معنى؛ فليس من موقف مُطْلَق "غير مشروط" نَقِفُه من هذا المرشَّح "الإسلامي" الرئاسي؛ ولقد قُلْنا، غير مرَّة، "مرسي إذا ما تغيَّر "بما يجعله أصْدَق تمثيلًا للثورة""، أو "مرسي الذي تغيَّر..".

وانتصر مرسي "انتصارًا يُبشِّر، لجهة حجمه، بدُنُوِّ قيام الدولة الديمقراطية المدنية" وهُزِم شفيق "ومعسكره" على الرُّغم من انتصار الدولة القديمة "الضاربة جذورها عميقًا في الحياة المصرية" له؛ فحَظِيَت مصر بأوَّل رئيس "مدني" مُنْتَخب في تاريخها، واستولت ثورة الـ25 من يناير العظمى، من ثمَّ، على "القصر الجمهوري"، سِلْمًا، ومن طريق "صندوق الاقتراع".

ثورة مصر نالت، أوَّلًا، "مرشَّحها الرئاسي"، ثمَّ نالت "رئاسة الجمهورية" إذ فاز مرسي؛ لكنَّها ظلَّت، حتى الـ29 من يونيو- حزيران 2012، بلا قائد، أو رأس، لها؛ فإذا بالرئيس المُنْتَخَب مرسي، وفي ساعة واحدة، استغرقها خطابه التاريخي، يغدو لها القائد والرأس؛ ولقد عَرَفَ محمد مرسي، الذي حَملته مصر في بطنها زمنًا طويلًا، كيف يكون "في خطابه ووقَفْتِه في ميدان الثورة" القطيعة بعينها مع عهدي "محمد أنور السادات" و"محمد حسني مبارك"، وكيف يُحْيي بعضًا من جَمال عهد "جمال عبدالناصر"، وكيف يُزاوِج في شخصه وموقفه بين "رَجُل الدولة"، أو "رئاسة الدولة"، وبين "رَجُل الثورة"، أو "قيادة الثورة"، وبما يجعله يبدو "مُطَعَّمًا" بما يَجْتَذِبُ إليه تأييد "العلمانيين "أو بعضهم""، و"الليبراليين "أو بعضهم""، واليساريين والقوميين وأنصار "الدولة المدنية" و"الديمقراطية "بطابعها الغربي"" والأقباط.. "أو بعضهم".

مرسي الذي انتخبه رئيسًا نصف المقترعين المصريين "تقريبًا" هو الآن، وبفضل خطابه ووقْفَتِه، الرئيس وقائد الثورة الذي يُحِبُّه، ويطمئنَّ إليه، ويَثِق به، ويؤيِّده، معظم المصريين؛ كيف لا وهو الذي خَطَبَ في "أهل الثورة" في ميدانهم، وخاطب شعب مصر كله عَبْرَهُم، وحَلَف اليمين أمامهم، وغَلَّب انحيازه إلى "الشَّرعيَّة الثورية" على ما عداها، وأعاد كل فروع السلطة إلى أصلها، وجَعَل مبدأ "الشعب هو مَصْدَر السلطات جميعًا" نابضًا بالحياة، وأحْيا "ديمقراطية أثينا" في "ميدان التحرير"، واعترف بهذا الميدان "وبسائر ميادين الثورة في مصر" على أنَّه "القَلْب النابض "أبدًا"" للحياة الديمقراطية الجديدة في مصر، والملجأ الذي إليه يلجأ في أوقات الضيق والشِّدَّة، وأعاد "الرئيس" إلى "كينونته البشرية"، نازِعًا منه "الفرعونية"، وخاطب الشعب كما يُخاطِب الخادِم سيِّده، منحنيًا أمامه انحناء غصن يمتلئ ثمارًا، وزَهَدَ في "الشَّكلانيَّة الرئاسية" في غير موقف وسلوك وتصرُّف، وكَشَف عن صدره ليقول إنَّه لا يحتاج أبدًا إلى أنْ يلبس سترة واقية من الرصاص.

مرسي الذي أظهر قابليَّةً لهذا التغيير، ولمزيدٍ منه، ونال، من ثمَّ، ما نال من ثقة الشعب به، وبقيادته، يستطيع الآن أنْ يتنازل ويستخذي "عن اضطرار يَقْبله الشعب على مضض" لـ"المجلس العسكري الأعلى"، و"محكمته الدستورية"، حالِفًا اليمين أمام الجمعية العمومية لهذه المحكمة.

إنَّه التراجع خطوة إلى الوراء؛ ولن يَقِف على أهمية هذا التراجع إلا من قرَّر اجتياز الهوَّة السحيقة بقفزة كبرى واحدة لا غير.

مُضطرًّا مُكْرَهًا ذهب الرئيس المصري "المدني" المُنْتَخَب محمد مرسي، والذي شَقَّ عصا الطاعة في "ميدان التحرير"، إلى ما يشبه "بيت الطاعة"، وهو الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا، فأدَّى اليمين الدستورية أمامها، فأصبح رئيسًا للجمهورية، فَنَقَل إليه "المجلس العسكري الأعلى" السلطة، أيْ سلطة رئيس الجمهورية، مُحْتَفِظًا لنفسه بسلطة التشريع "بعد، وبسب، حل "مجلس الشعب"".

هذا تَنازُل واستخذاء لمشيئة "المجلس العسكري"؛ ولن ينال من قوَّة هذه الحقيقة "المُرَّة" قول من قبيل إنَّ الرئيس المُنْتَخَب أراد، بقبوله تأدية اليمين الدستورية أمام هذه الهيئة، أنْ يُشْهِر "ويؤكِّد" إيمانه بـ"دولة القانون"، وبـ"الدستور"؛ فهذا "إيمان" يَكْمُن فيه كثير من "الكُفْر"، الذي عَبَّر عنه "ميدان التحرير"، بقانونية ودستورية وشرعية هذه المحكمة، التي هي من أدوات الحكم في عهد الرئيس المخلوع مبارك، والتي أكَّدت بنفسها عدم قانونيتها، وعدم دستوريتها، وعدم شرعيتها، إذ حَكَمت بحلِّ "مجلس الشعب" المُنْتَخَب، مزوِّدةً "المجلس العسكري الأعلى" بالحيثية القانونية والدستورية لإصداره قرار حل "المجلس"، ولوَضْع يده، من ثمَّ، على سلطة التشريع، التي سيستخدمها بما يُقَوِّي سلطة الرئيس إذا ما استعملها لمصلحة "العسكر"، وبما يُضْعِفها إذا ما استعملها لمصلحة الشعب والثورة؛ فانتظِروا "ولن يطول انتظاركم" عودة الرئيس مرسي إلى "أهله وعشيرته" في "ميدان التحرير"، مُسْتَنْصِرًا، طالِبًا الدَّعم والمدد؛ فإنَّ "ألغامًا" كثيرة زَرَعَها "المُسلِّم" طنطاوي في درب "المُسَلَّم "إليه السلطة"" مرسي.

وإنَّها لتجربة قانونية ودستورية غنية بمعانيها ودلالاتها؛ وليس من أهمية لتجربةٍ يخوضها المرء إذا لم يَخْرُج منها بالدروس والعِبَر؛ فالرئيس مرسي سيشرع يُصارِع من أجل حصوله على سلطات وصلاحيات رئاسية يُعْتَدُّ بها، وعلى مزيدٍ منها؛ لكنَّه سيزداد اقتناعًا، يومًا بعد يوم، بضرورة تحطيم القيود التي قيَّده وكَبَّله بها "الإعلان الدستوري المُكمِّل "المُكبِّل"" الذي أصدره "المجلس العسكري الأعلى" إذ أخَذَ سلطة التشريع؛ فهل الثورة مع زيادة وتقوية وتعزيز سلطة رئيس الجمهورية مرسي؟ إنَّه لسؤال يشبه سؤال "هل المطر مفيد أم ضار؟".

الثورة مع زيادتها وتقويتها وتعزيزها إذا ما كان من شأن ذلك تقليص وإضعاف سلطة العسكر، والتي بفضلها يُصْبِح وزير الدفاع طنطاوي رئيسًا "فعليًّا" لرئيس الجمهورية مرسي؛ لكنَّها، أيْ الثورة، يجب أنْ تكون مع تقليصها وإضعافها توصُّلًا إلى تركيز السلطة التنفيذية في البلاد في حكومة برلمانية "ائتلافية" مُنْتَخَبة، أيْ منبثقة من برلمان مُنْتَخَب.

إنَّنا لا ندعو إلى صِدامٍ بين "الرئيس" و"المجلس العسكري الأعلى"؛ وإنَّما إلى رَفْع وزيادة منسوب الضغط الشعبي السلمي في "ميدان التحرير"، وفي سائر ميادين الثورة في مصر، وإلى أنْ يُصارِع "الرئيس"، في استمرار، ضدَّ "الإعلان الدستوري المُكمِّل"، مستعينًا دائمًا بـ"الميدان"، وإلى الإسراع في تأليف "فريق رئاسي" وحكومة جديدة ائتلافية مؤقَّتة، وإلى أنْ تُسْرِع "الجمعية التأسيسية" في كتابة مشروع الدستور "الديمقراطي" الجديد، المؤسِّس لـ"الدولة المدنية الديمقراطية"، وإلى أنْ يُسْتَفْتى فيه الشعب سريعًا، فيُنْتَخَب، سريعًا، "مجلس شعب" جديد، إذا ما تعذَّر إلغاء قرار حل "مجلس الشعب".

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 56 مشاهدة
نشرت فى 7 يوليو 2012 بواسطة mhmadshoo

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

272,499