محمد شو

العالم بين يديك

أكدت دراسة اجتماعية أن قدرة الإنسان على الاعتذار أحد أنواع الفنون البشرية التي لا يتمتع بها الكثيرون، وأنها مقدرة قد تتطلب علماً وثقافة وأدباً وذوقاً وحلماً، موضحة أن الاعتذار فن يدل على الثقة بالنفس وقوة الشخصية، لكن ربطه كثيرون بمفهوم الكرامة، ففضلوا الاحتفاظ بكرامتهم على أن يحتفظوا بعلاقاتهم الاجتماعية.

وأشارت إلى كمٍ من المشكلات وجدت، وكم من العلاقات انتهت وكم من الأرحام قطعت بسبب عجز أو امتناع البعض عن قول كلمة واحدة.. كلمة اعتذار أو أسف، والتي ما إذا قيلت ستئد جميع الخلافات في مهدها وتؤدي إلى تقوية العلاقات وزيادة ترابط الأفراد.

وقالت بدرية محمد، موظفة، إن الاعتذار شاق على كثير من الناس، خاصة أولئك الذين تربوا منذ صغرهم على الترفع، حيث إنهم يفضلون خسارة علاقاتهم على أن يبادروا بالاعتذار، حتى لو كانوا هم من أخطأ في حق الطرف الآخر، وذلك بسبب الربط بين الاعتذار والكرامة، فكثيرون يعتقدون أن الاعتذار دليل ضعف وخنوع وتنازل يقدمه شخص لطرف آخر، فهم لا يعلمون أن الاعتذار يدل على القوة، التي تجعلنا تتحامل على أنفسنا من أجل إنقاذ علاقاتنا مع أشخاص نحبهم ونكنّ لهم كل مشاعر التقدير والاحترام.

إصلاح الخطأ

 

وأضافت أنها ليس لديها مانع في أن تعتذر لكل شخص أخطأت في حقه، وذلك لأنها إنسانة، والإنسان ليس معصوماً من الخطأ، ويتطلّب من كل شخص يخطئ إصلاح خطأه، فيجب علينا أن نتقن فنون التعايش مع بعضنا بعضاً، ومن ضمن هذه الفنون الاعتذار الذي يؤدي في كثير من الأحيان إلى تجديد العلاقات الإنسانية وتماسكها. وعبرت بدرية عن أمنيتها في تجاوز هذه الحدود التي رسمتها “النفسيات” المتزمتة، وذلك لنعيش في عالم يعمه السلام.

وفي المقابل، قالت وردة الجابري- طالبة جامعية، إنه يصعب عليها الاعتذار، فالشخصان الوحيدان اللذان تعتذر لهما هما والداها، حيث إن “كرامتها” لا تسمح لها بالاعتذار لأشخاص آخرين، وهذا ليس من منطلق غرور، ولكن هذا أسلوب تربت عليه منذ الصغر، فالأسرة تلعب دوراً كبيراً في مبادئ وقيم أبنائها الذين لا بد أن يتأثروا بالأم والأب مهما كبروا، فبعض الكلمات تبقى راسخة في أذهان الأبناء يصعب عليهم تبديلها.

وأضافت أنها تتمنى أن تغيّر هذا الطبع، وتصبح أكثر مرونة في تقبل الاعتذار، حيث ترى أن الاعتذار مهم وضروري للمحافظة على كثير من العلاقات التي قد ننقذها بكلمة «أنا آسف».

وأشار فهد ناصر، موظف، إلى أن قدرة الشخص على الاعتذار تعبّر عن رقي فكره، وعن مدى ثقافته الواسعة التي منعته من حصر مفهوم الاعتذار في مفهوم آخر، وهو “الكرامة والكبرياء”، وأنه يجب على كل إنسان أن يوسع مداركه، بحيث لا يربط الاعتذار بالكرامة، فكثير من العلاقات قطع بسبب الربط بين الكرامة والاعتذار، مضيفاً أن الاعتذار لا يدل على الضعف، بل على رقي التربية التي تلقاها الشخص في كنف أسرته التي ربته على محاسن الأخلاق، وجعلته يدرك أن التضحية في بعض الأحيان تصب في مصلحته، فحين يعتذر تكون مصلحته في حفاظه على علاقاته الاجتماعية وعدم التخلي عنها لمجرد عجزه من قول كلمة بسيطة.

عدم التردد

وقال: إنه لا يتردد دائماً في الاعتذار لكل شخص أخطأ في حقه، فعندما يعتذر الشخص يقدم بذلك رسالة إلى الطرف الآخر مضمونها «لا أريد التخلي عنك»، ويجنب نفسه الوقوع في دوامة الندم بعد انقطاع العلاقة التي تجعله يسأل نفسه مراراً وتكراراً: ماذا سيحدث لو أني اعتذرت؟ كما أن الاعتذار يُساهم بطريقة أو بأخرى في تماسك المجتمع، فمن خلاله يسود الود في جميع العلاقات مما يجعله مجتمعاً يمتاز بالرقي الأخلاقي. وعبّرت نورة الظاهري، طالبة جامعية، عن حزنها لخسارتها أقرب وأحب صديقة إلى قلبها، وذلك بسبب رفض كل منهما التنازل والاعتذار، حيث قالت إنها حاولت أكثر من مرة إجبار نفسها على الاعتذار لصديقتها، ولكنها لم تستطع، حيث إن “كرامتها” لا تسمح لها بذلك، ولكن حاولت أن تتواصل معها عبر المواقع الاجتماعية، وإرسال بعض عبارات العتاب، لكن تفاقمت المشكلة بينهما وقادتهما إلى طريق مسدود، قد يكون مفتاحه كلمة اعتذار واحدة.

وأشارت إلى أنها تؤمن بأهمية الاعتذار، حيث يجب على كل شخص يريد الاستمرار في علاقاته أن يتعلّم فن الاعتذار، وأنها ستحاول أن تخرج من قوقعة مفهوم الاعتذار المرتبط بالكرامة الذي غرس فيها منذ نعومة أظافرها، وذلك لأنه لا يوجد هُناك ما يستحق لأن نخسر بسببه أناساً أهدوا لنا الفرح والسعادة بقربهم منا، وفي المقابل نعجز من استرجاع هذه العلاقات بعفويتها السابقة، وأرسلت نورة دعوة إلى صديقتها (ع. ب) بالتخلي عن هذا التزمّت من أجل إنقاذ علاقتهما وإرجاعها إلى سابق عهدها وأفضل.

وقالت عائشة الشحي، خريجة جامعة الإمارات: إنه عندما يوجد شخصان لا يترددان في الاعتذار لعضهما كلما أخطآ، فاعلم أنه تجمعهما علاقة قوية ومتينة تجعلهما يضربان بـ”الكرامة” عرض الحائط من أجل أن ينقذا علاقتهما. وأوضحت أنها ليست مستعدة إطلاقاً لأن تخسر أحبتها من أجل أن ترضي كرامتها، فالكرامة شيء والاعتذار شيء آخر، وأن الشخص الذي يبادر بالاعتذار أولاً ليس ضعيفاً، بل على العكس، فهو يعبر بهذا الفعل عن مدى سمو خلقه ورفعة أخلاقه اللذين منعاه من أن يقطع علاقاته من أجل كلمة تتكون من ثلاثة أحرف.

رفعة الأخلاق

وقالت: إنه يجب علينا أن نوسع مداركنا، وأن نكون أقوى من أن تعجزنا كلمة واحدة كفيلة بأن تنقذ الكثير من العلاقات من الغرق في بحور “الكرامة” التي ربطوها بمفهوم الاعتذار، وإنه يجب على كل أسرة أن تربي أبناءها على الاعتراف بالخطأ وتعزيز مفهوم ضرورة المبادرة إلى إصلاح هذا الخطأ، حيث إن تجاهله يؤدي إلى نتائج سلبية قد لا نرغب فيها.

وأوضح الدكتور أحمد العموش، أستاذ علم النفس في جامعة الشارقة، أن الاعتذار قيمة أخلاقية تلعب الأسرة دوراً مهماً في غرسها في نفوس أبنائها، ويجب على الأسرة أن تحرص على غرس جميع المبادئ والأخلاق الحميدة في أبنائها لتسهم في جعلهم أشخاصاً واثقين من أنفسهم قادرين على الاعتراف بأخطائهم دون خوف أو تردد، مضيفاً أن للمدرسة دوراً أيضاً، حيث لا يكمن دورها في العملية التعليمية وحسب بل يمتد إلى المشاركة في العملية التربوية إلى جانب الأسرة التي يجب أن تتعاون مع المدرسة لتوحيد الجهود في تنشئة وتربية أجيال تمتاز بسمو الأخلاق وتسهم في بناء مجتمع راقٍ.

وقال العموش: إن الاعتذار يؤدي إلى تقوية العلاقات، فبالتالي يساهم بطرق غير مباشرة في زيادة تماسك المجتمع وترابطه، وإن غيابه يؤدي إلى الحقد والضغينة والكراهية في النفوس مما يؤدي إلى تفكك العلاقات التي تؤثر سلباً في تماسك وترابط المجتمع، فللأسف لا يوجد في مجتمعاتنا العربية الوعي الكافي بأهمية مفهوم الاعتذار وضرورته للمحافظة على العلاقات الإنسانية التي تربطنا مع بعضنا ببعض.

مبادرة

أشار الدكتور أحمد العموش أستاذ علم النفس في جامعة الشارقة إلى أن الشخص الواثق من نفسه هو الذي يبادر بالاعتذار، فهو لا يعتبر بذلك إنساناً ضعيفاً، بل على العكس يعتبر قوياً استطاع أن يتحامل على نفسه لكي يعتذر لإنقاذ علاقاته الاجتماعية مع الآخرين، مضيفاً أن الاعتذار لا ينحصر في الكلمة اللفظية فقط، حيث هناك طرق أخرى للاعتذار كالابتسامة، بالإضافة إلى الاعتذار الفعلي كتقديم الهدايا.

<!--EndFragment-->

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 44 مشاهدة
نشرت فى 3 يوليو 2012 بواسطة mhmadshoo

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

276,736