أمجد عرار
"إسرائيل" وضعت مخططاً جديداً لبناء ثلاثة وعشرين ألف وحدة استيطانية في القدس المحتلة لاستيعاب مئة ألف مستوطن خلال السنوات القليلة المقبلة. هذا أخيراً وليس آخر ما في جعبتها، لأن القادم أخطر حيث المشروع الفلسطيني موضوع في العصّارة الصهيونية مستفردة به بعدما صمّ المعتصم العربي أذنيه ملتزماً "لا حياة لمن تنادي".
تدور الدائرة وآخر محيطها حدود فلسطين الممزّقة بفعل الاحتلال ومساعدة الانقسام. يخرج وزير في غزة يحذّر ويندّد ويستنكر. يدخل شقيقه اللدود في الضفة في نقاش عن انعكاسات فوز محمد مرسي بمنصب الرئاسة في مصر على المصالحة الفلسطينية، وكأنها قبل فوزه كانت قاب قوسين أو أدنى من التحقّق. يعلو صوت مبحوح: أغيثوا الشعب الفلسطيني المهدّد بالبعثرة والتبدّد، قبل أن تبكوا على أطلال القدس. يهبط وهم آخر عن خيار السلام الاستراتيجي مع مغتصبي فلسطين ومهوّدي القدس. يدنو "أمل" بقرب المصالحة ثم نكتشف أننا نسير في صحراء المشروع الوطني وليس "الأمل" الداني سوى سراب.
قبل بضعة أيام مر خبر اقتحام عشرات من قوات البحرية "الإسرائيلية" باحة المسجد الأقصى كومضة برق في يوم مشمس. لم يكونوا وحدهم بل رافقهم ثلاثة أعضاء "كنيست" وما تيسّر من ضباط المخابرات. فضائية واحدة من بين ما أشاهد أوردت الخبر في شريط إخباري. صحافي زميل قطّب حاجبيه شاكياً من أنه تصبّب عرقاً بعدما لبس سترة الغوّاصين وغطس في بحر الوكالات العربية والأجنبية بحثاً عن تفاصيل للخبر فعاد خالي الوفاض. زمجر واحتدّ وراح يتمتم باسم صلاح الدين. مسكينة أيتها القدس. يتيمة أصبحت يا زهرة المدائن يا مدينة السلام على المستوطنين. كم أنت واسعة للقادمين من خلف البحار، وكم أنت ضيّقة على أهلك الحراس على مقابر شهدائهم منذ آلاف السنين.
مئة ألف ممن سمعوا باسم القدس قبل خمس دقائق سيأتون ليصبحوا "أصحابها"، وآلاف ممن ولد جدهم العاشر في رحاب المسجد الأقصى سيبحثون عن سكن في رام الله أو مخيم الجلزون. سيكونون لاجئين جدداً في عصر التوطين البطيء والمقنّع بالصمت والتواطؤ.
"إسرائيل" تخطّط لزرع القدس بمليون مهاجر، والضفة الغربية بكم؟ الاستمارة مفتوحة على ما يجود به الصمت والتواطؤ. كم مهاجر سيأتي إلى النقب واللد والجليل؟ "الإسرائيليون" يجيبون بلا اكتراث بأحد: مئة وثمانون ألف وحدة جديدة. إلى كم قادم جديد تتسع؟ احسبوها يا من تحوّلتم إلى عدادات. القدس الفلسطينية لا شأن لكم بها منذ أصبحتم لا شأن لكم بفلسطين. القدس العربية تبخّرت مع القومية منذ نضجت طبخة القُطرية على نار "سايكس بيكو" الجغرافية. القدس الإسلامية تلفظ أنفاسها الأخيرة مخنوقة بـ"سايكس بيكو" الطائفية.
تهتفون "عاشت القدس حرة عربية". قبلكم هتف ياسر عرفات "عالقدس رايحين شهداء بالملايين"، لكنه حين استشهد كحّلوا عينه بحفنة تراب أحضرها رفاقه خلسة من القدس لدفنها معه في رام الله على بعد أمتار من مقر حصاره ثلاث سنوات بدبابات "إسرائيل" و"غياب" العرب ومباركة العالم "الحر".
القدس خالدة.. وهل يكفي خلودها في الأغنيات والقصائد؟ القدس عروس عروبتكم.. أجل، لكنها ترتدي بذلة زفاف سوداء وتتهادى على إيقاع "دقوا المزاهر" بالعبرية. فيروز تغني "يا قدس يا مدينة الصلاة".. فهل تستطيعون الدخول للصلاة في القبلة الأولى وثالث الحرمين؟
تلومون فلاديمير بوتين لأنه زار حائط البراق وتحدّث عن تاريخ يهودي في القدس؟! لا بد أن يلام ويطلب منه تصحيح تصريحاته المتناقضة مع اعتبار موسكو الشطر الشرقي من القدس جزءاً من الأرض المحتلة عام 67 والتي يجب أن ينسحب منها الاحتلال. لكن قبل أن تلوموه، عودوا إلى أرشيف الفضائيات، هل سمع أحد اسم القدس في الشارع العربي الملتهب؟!.
<!--EndFragment-->
نشرت فى 2 يوليو 2012
بواسطة mhmadshoo
عدد زيارات الموقع
272,171
ساحة النقاش