محمد شو

العالم بين يديك

د. عبد الله الأشعل

أصدرت المحكمة الدستورية العليا يوم 14/ 6 حكمًا بعد دقائق من فتح باب المرافعة الشفوية يقضي بحلِّ مجلس الشعب، وكانت القضية قد أُحيلت إلى محكمة القضاء الإداري في قضية أخرى تطعن في الطريقة التي وُزعت بها مقاعد مجلس الشعب على الدوائر الفردية بين المستقلين والمرشحين التابعين لأحزاب سياسية.

ونُبدي فيما يلي ثلاث مجموعات من الملاحظات حول هذا الحكم، المجموعة الأولى، تتعلق بعدم اختصاص القضاء عمومًا ومن ضمنه المحكمة الدستورية بسبب الطبيعة السيادية لقانون انتخاب مجلس الشعب.

والمجموعة الثانية تتصل بالظروف والملابسات التي صدر في ظلها هذا الحكم، وأما المجموعة الثالثة فتتصل بالحكم نفسه.

المجموعة الأولى من الملاحظات حول قانون انتخاب مجلس الشعب:

1 - صدر هذا القانون بالتشاور بين كل الأحزاب والقوى السياسية من ناحية، وبين المجلس العسكري من ناحيةٍ أخرى، أي أنه يُعبِّر عن توافقٍ وطني عام، حتى وإن خالف بعض مبادئ الدستور.

2 - حذَّرت بعض الأحزاب من تعرُّض هذا القانون لمخاطر عدم الدستورية، فعمد المجلس العسكري إلى تحصين القانون ضد هذه المخاطر، وأصدره في صورة إعلان دستوري يمتنع على القضاء النظر في المنازعات المتعلقة به، فلماذا قبلت المحكمة رغم ذلك أنها مختصة بنظر هذه الدعوى؟!!

3 - أن الجلسة المطولة التي صدر بعدها هذا القانون ضمت عددًا من مستشاري المحكمة الدستورية، وبذلك شاركوا في إصدار هذا القانون حتى لو كانت مشاركتهم غير رسمية وبشكلٍ فردي، فهم إما يعلمون العوار الدستوري وأخفوه أو أنهم حضروا لمجرد الحضور وهذا أمرٌ غير مستساغ.

المجموعة الثانية من الملاحظات تتعلق بالظروف والملابسات التي صدر في ضوئها هذا الحكم:

1 - التوتر الحاد بين سلطات الدولة الثلاث؛ التشريعية والتنفيذية والقضائية؛ بسبب إصرار البرلمان على القيام بدور الرقابة على أعمال الحكومة، وبسبب إصراره على سلطة التشريع في قانون المحكمة الدستورية، فأدَّى ذلك إلى ظهور موقف العداء بين نادي القضاة وبين مجلس الشعب من ناحية، وبين مجلس الشعب والمحكمة الدستورية من ناحيةٍ أخرى، فنشأت خصومة صدر هذا الحكم في ضوئها؛ مما أعطى انطباعًا واضحًا بأنه عملٌ انتقامي ضد مجلس الشعب أضمرته المحكمة الدستورية العليا.

2 - بدا هذا الحكم وكأنه كان مبيتًا في إطار خطةٍ للنيل من البرلمان وتشويه صورته ثم إزالته، وهو الوليد الوحيد للثورة، والدليل على ذلك أن رئيس الحكومة هدد رئيس مجلس الشعب بأن التمادي في مشروع سحب الثقة من الحكومة يدفع إلى حلِّ البرلمان، وأكد أن قرار الحل جاهز لدى المحكمة الدستورية، وكان ذلك بعد أيامٍ قليلةٍ من تحويل الدعوى إلى المحكمة.

3 - صدر الحكم في فترةٍ وجيزةٍ جدًّا قياسًا على المدد التي تصدر فيها أحكام المحكمة؛ حيث تستغرق بعض القضايا عدة سنوات، وكأنَّ المحكمةَ تلقفت هذه الدعوى للانتقام.

4 - صدر الحكم مع حكم قانون العزل السياسي، وكلاهما صدر بعد أيام قليلة من تبرئة قيادات الداخلية من دم الشهداء، وهناك ارتباط أكيد بين هذه الأحكام الثلاثة، وكلها تخدم النظام السابق وتهزم الثورة.

5 - أن هذه الأحكام صدرت قبل 48 ساعةً من جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية، ربما بهدف إحباط مرشح حزب الحرية والعدالة، ولكنها أدَّت إلى العكس.

6 - أن الحكم تمَّ تنفيذه بالقوة حتى قبل أن يبلغ رسميًّا إلى رئيس المجلس؛ فانطوى على مشاعر الاستهانة بمجلس الشعب المنتخب.

المجموعة الثالثة من الملاحظات تنصبُّ على الحكم نفسه:

1 - أن الحكم اجتهد في إبطال انتخابات مجلس الشعب في جميع الدوائر، ولم يقتصر على إبطال الدوائر التي تم الانتخاب فيها بالمخالفة لمبادئ الدستور، أي الدوائر الفردية وحدها أو الأعضاء المنتخبين المستقلين الذين هدف الطعن إلى ردِّ مزاحمة المرشحين من الأحزاب لحقوقهم في هذه الدوائر، وبدلًا من أن يُعالج الحكم هذا الجزء تحديدًا وتُسلِّط المحكمة قضاءها عليه فإن الحكم يمثل اعتداءً على حقوق الأعضاء المنتخبين بالقائمة، وهم الأغلبية، ولذلك فإن تأكيد محكمة النقض لحماية حقوقهم سوف يصطدم بحكم الدستورية العليا، فالمحكمة الدستورية أنصفت القلة وجارت على الأغلبية.

2 - أن الحكم تجاوز في منطوقه سلطة المحكمة، وما جرى عليه العمل والنطاق الذي حدده قرار الإحالة إليها من محكمة القضاء الإداري، فقامت المحكمة بدور سياسي نيابةً عن المجلس العسكري، وقررت من تلقاءِ نفسها حل مجلس الشعب؛ لأن الإعلان الدستوري لم يعطِ حق الحل للمجلس العسكري، وبذلك تكون المحكمة قد خالفت قانونها وفقهها المتواتر ولعبت دورًا سياسيًّا مُمالئًا للمجلس العسكري في ظروفٍ ملتهبة، وكأنها تريد أن تُحاصر مجلس الشعب بالحلِّ من جانبها وتُعفي المجلس العسكري مؤونةَ مواجهة مجلس الشعب، كما أنها لم تحترم مبدأ الفصل بين السلطات فاعتدت على السلطتين التشريعية والتنفيذية.

3 - أن المحكمة وكأنها مدفوعة برغبة عارمة في الانتقام من مجلس الشعب تجاسرت على أن تضمن حكمها حل المجلس، بينما كان يتعين عليها أن تُحيل الحكم من الناحية الفنية دون القفز إلى النتائج إلى المحكمة التي طلبت منها الرأي الدستوري حتى تستكمل محكمة الموضوع النظر في القضية الأصلية؛ ولذلك لم يكن مطلوبًا من المحكمة الدستورية أن تُعلن حكمها للكافة، وفي هذا التوقيت المتعمد بالذات.

لكل هذه الأسباب نرى أن حكم المحكمة الدستورية العليا بحلِّ مجلس الشعب بُني على أسس سياسية وليس على أسس قانونية؛ ولذلك فهو في نظرنا عمل سياسي بالتناغم مع المجلس العسكري ضمن تصديه لإرادة الناخبين الذين تجاوز عددهم ثلاثين مليونًا لأعضاء مجلس الشعب، وفي مرحلةٍ بدأت فيها مصر استكمال مؤسساتها الدستورية، وإذا كان احترام القضاء وأحكامه واجبًا فإن هذا الحكم يجب أن يستثير القضاة للدفاع عن المحكمة الدستورية ومكانتها القانونية والأخلاقية، وألا يسمحوا لها بأن تُوظَّف لأغراضٍ سياسية، وعلى الذين يعتبرون هذا الحكم هو أساس الشرعية التي يدافع الجيش عنها أن يتبصروا هذه الحقائق فهي شرعية زائفة مصطنعة، ولا يجوز أخلاقيًّا قهر الشعب على احترام هذه اللعبة السياسية المكشوفة.

وأخيرًا.. فالرأي عندي هو أن مجلس الشعب لا يزال قائمًا، وأن تعطيل المجلس العسكري له بحجة تنفيذ حكم قضائي يُعتبر عدوانًا على نواب الشعب، وإهدارًا للمجلس التشريعي، وهو عدوانٌ من نوعٍ جديدٍ مثلما كان يفعل نظام مبارك، الذي شكَّل المجلس بالتزوير، ولكن المجلس العسكري لم يحتمل بقاءه عندما أصبح مجلسًا منتخبًا.

ويجب أن ننبه إلى خطورة توظيف القضاء في هذه المخططات، كما نُنبه إلى أن احترام أحكام القضاء يجب أن يسبقها احترام القضاء نفسه، والمحافظة على استقلاله وعدم توظيفه قبل أن يطالب الشعب باحترام أحكامه. <!--EndFragment-->

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 31 مشاهدة
نشرت فى 2 يوليو 2012 بواسطة mhmadshoo

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

272,163