جواد البشيتي
مُضطَّراً مُكْرَهاً ذهب الرئيس المصري "المدني" المُنْتَخَب محمد مرسي، والذي شَقَّ عصا الطاعة في "ميدان التحرير"، إلى ما يشبه "بيت الطاعة"، وهو الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا، فأدَّى اليمين الدستورية أمامها، فأصبح رئيساً للجمهورية، فَنَقَل إليه "المجلس العسكري الأعلى" السلطة، أيْ سلطة رئيس الجمهورية، مُحْتَفِظاً لنفسه بسلطة التشريع "بعد، وبسب، حل "مجلس الشعب"".
هذا تَنازُل واستخذاء لمشيئة "المجلس العسكري"؛ ولن ينال من قوَّة هذه الحقيقة "المُرَّة" قول من قبيل إنَّ الرئيس المُنْتَخَب أراد، بقبوله تأدية اليمين الدستورية أمام هذه الهيئة، أنْ يُشْهِر "ويؤكِّد" إيمانه بـ"دولة القانون"، وبـ"الدستور"؛ فهذا "إيمان" يَكْمُن فيه كثير من "الكُفْر" بقانونية ودستورية وشرعية هذه المحكمة، التي هي من أدوات الحكم في عهد الرئيس المخلوع مبارك، والتي أكَّدت بنفسها عدم قانونيتها، وعدم دستوريتها، وعدم شرعيتها، إذ حَكَمت بحلِّ "مجلس الشعب" المُنْتَخَب، مزوِّدةً "المجلس العسكري الأعلى" بالحيثية القانونية والدستورية لإصداره قرار حلَّ "المجلس"، ولوَضْع يده، من ثمَّ، على سلطة التشريع، التي سيستخدمها بما يُقَوِّي سلطة الرئيس إذا ما استعملها لمصلحة "العسكر"، وبما يُضْعِفَها إذا ما استعملها لمصلحة الشعب والثورة؛ وكأنَّه "أيْ الرئيس المُنْتَخَب" المرأة المُغْتَصَبَة جيء بها عروساً إلى الكنيسة "أيْ "المحكمة الدستورية العليا"" لإلباسها لبوس الشرعية؛ فانتظِروا "ولن يطول انتظاركم" عودة الرئيس مرسي إلى "أهله وعشيرته" في "ميدان التحرير"، مُسْتَنْصِراً، طالِبَاً الدَّعم والمدد؛ فإنَّ "ألغاماً" كثيرة زَرَعَها "المُسلِّم" طنطاوي في درب "المُسَلَّم "إليه السلطة"" مرسي.
وإنَّها لتجربة قانونية ودستورية غنية بمعانيها ودلالاتها؛ وليس من أهمية لتجربةٍ يخوضها المرء إذا لم يَخْرُج منها بالدروس والعِبَر؛ فـ"السلطة القضائية"، وعلى رأسها "المحكمة الدستورية العليا"، يجب أنْ تأتي بما يوافِق مبدأ "الشعب هو مَصْدَر السلطات جميعاً"، فيَنْتَخِبها الشعب انتخاباً، ولا يعود من حقّ، من ثمَّ، لأيِّ سلطة مُنْتَخَبة أنْ تَحِلَّ غيرها من السلطات المُنْتَخَبَة؛ وويلٌ لأُمَّةٍ ارتضت قضاءً غير مُنْتَخَب؛ فإنَّ قضاءً كهذا، ومهما تبجَّح القُضاة، لن يكون إلاَّ ذَيْلاً للسلطة التنفيذية، ولكبار المهيمنين عليها.
الرئيس مرسي سيشرع يُصارِع من أجل حصوله على سلطات وصلاحيات رئاسية يُعْتَدُّ بها، وعلى مزيدٍ منها؛ لكنَّه سيزداد اقتناعاً، يوماً بعد يوم، بضرورة تحطيم القيود التي قيَّده وكَبَّله بها "الإعلان الدستوري المُكمِّل "المُكبِّل"" الذي أصدره "المجلس العسكري الأعلى" إذ اغتصب سلطة التشريع؛ فهل الثورة مع زيادة وتقوية وتعزيز سلطة رئيس الجمهورية مرسي؟.. إنَّه لسؤال يشبه سؤال "هل المطر مفيد أم ضار؟".
الثورة مع زيادتها وتقويتها وتعزيزها إذا ما كان من شأن ذلك تقليص وإضعاف سلطة العسكر، والتي بفضلها يُصْبِح وزير الدفاع طنطاوي رئيساً "فعلياً" لرئيس الجمهورية مرسي؛ لكنَّها، أيْ الثورة، يجب أنْ تكون مع تقليصها وإضعافها توصُّلاً إلى تركيز السلطة التنفيذية في البلاد في حكومة برلمانية "ائتلافية" مُنْتَخَبة، أيْ منبثقة من برلمان مُنْتَخَب؛ فإنَّ نظام الحكم الذي يُركِّز السلطة التنفيذية في فَرْدٍ هو رئيس الجمهورية لن يُنْتِج في بلادنا إلاَّ ضَعْفاً، ومزيداً من الضَّعْف، للديمقراطية بأوجهها كافَّة.
إنَّنا لا ندعو إلى صِدامٍ بين "الرئيس" و"المجلس العسكري الأعلى"؛ وإنَّما إلى رَفْع وزيادة منسوب الضغط الشعبي الثوري السلمي في "ميدان التحرير"، وفي سائر ميادين الثورة في مصر، وإلى أنْ يُصارِع "الرئيس"، في استمرار، ضدَّ "الإعلان الدستوري المُكمِّل"، مستعيناً دائماً بـ"الميدان"، وإلى الإسراع في تأليف "فريق رئاسي" وحكومة جديدة ائتلافية مؤقَّتة، وإلى أنْ تُسْرِع "الجمعية التأسيسية" في كتابة مشروع الدستور "الديمقراطي" الجديد، المؤسِّس لـ"الدولة المدنية الديمقراطية"، وإلى أنْ يُسْتَفْتى فيه الشعب سريعاً، فيُنْتَخَب، سريعاً، "مجلس شعب" جديد، إذا ما تعذَّر إلغاء قرار حل "مجلس الشعب".
وإنَّ "الدولة المدنية الديمقراطية"، وبصفة كونها غاية الثورة، ونصرها النهائي، لن تأتي إلاَّ في الصراع، وبالصراع، ضدَّ عدُوَّيْها اللدوديْن، "العسكر" و"سلطة رجال الدِّين"، فالعسكر يعودون إلى "الجبهة"، ورجال الدِّين إلى الجوامع والكنائس. <!--EndFragment-->
نشرت فى 2 يوليو 2012
بواسطة mhmadshoo
عدد زيارات الموقع
272,173
ساحة النقاش