محمد شو

العالم بين يديك

خلال الأيام العشرة الاخيرة توالت مواقف  لكل من بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الارثوذكس اغناطيوس الرابع هزيم  والسفير البابوي المعتمد في دمشق ماريو زيناري، تدحض المواقف التي اطلقها اساقفة او كهنة حول تعرض المسيحيين في سوريا، وخصوصاً في حمص للاضطهاد او التطهير العرقي من جانب المعارضة السورية. البطريرك هزيم قال "ان موقف الكنيسة الانطاكية من الاحداث ينطق بها البطريرك حصرياً، وان آراء بعض الاساقفة في لبنان وسوريا لا تعبّر بالضرورة عن مواقف الكنيسة الانطاكية من الاحداث والتغييرات". فيما حذر السفير البابوي من معلومات تنشر في وسائل الاعلام ترمي الى التخويف بنشر انباء عن اضطهاد المسيحيين، معتبراً انه حتى اليوم "لن اقول أنهم تعرضوا لتمييز محدد او اي اضطهاد ومن المهم التيقظ ورؤية حقيقة الوقائع".
هذان الموقفان يحاولان تهدئة المخاوف التي تثيرها جهات عدة على المسيحيين منذ بدء الازمة السورية، والتي وجدت لها صدى في لبنان بمواقف سعت الى تبرير تأييدها إستمرار النظام، بالمخاوف على الاقلية المسيحية ووصول الاسلاميين، ولا تزال. وأخذ تسعير هذه المخاوف طريقه الى الترجمة في الآونة الاخيرة عبر تسليط الضوء على احداث وضعت في اطار استهداف المسيحيين وتم تداولها في لبنان، كما في بعض وسائل الاعلام العالمية، ولا تزال المخاوف في هذا الاطار تستخدم لتبرير دعم المسيحيين الرئيس السوري على قاعدة خوفهم من احتمال وصول اسلاميين الى السلطة مع تصاعد المد الاسلامي في المنطقة. والسؤال الأساسي هو هل تطور موقف القيادات الروحية المسيحية من النظام السوري أو تغير بعد اكثر من سنة على الازمة واتضاح اتجاهاتها ؟ وما هي حقيقة  الوضع على الارض؟
ان المعلومات المتوافرة للمطلعين عن كثب على الوضع السوري عموماً، والمسيحي خصوصاً، ان عدد الذين غادروا حمص كبير، وقد يكون في حدود المئة الف نسمة، ولا سيما ان القسم الاكبر منهم نزح من المدينة القديمة التي تتعرض بقوة للقصف على نحو ما تعرض له بابا عمرو، ما ادى الى نزوح المسلمين والمسيحيين معاً، وقد توجه غالبية هؤلاء الى وادي النصارى، خصوصاً ان اكثريتهم تتحدر من تلك المنطقة، في حين تقوم الكنيسة الارثوذكسية بتقديم المساعدات لهم، وان كانت غير كافية، الامر الذي يبدو أصعب بالنسبة الى المسلمين النازحين. وتالياً فإنه لم يبقَ في قلب المدينة، إلاّ عدد محدود من الناس، ومعهم اربعة كهنة، ارثوذكسيان ويسوعيان. وبحسب المعلومات فان المعارضة لم تعتدِ على الكنائس، في حين ان كنيسة مار جرجس الاثرية للارثوذكس دمرها القصف، كما انها لم تحتل بيوت المسيحيين، إلاّ في حالات معدودة ولذرائع امنية، ولم تطلب من المسيحيين المغادرة، بل على العكس. وتقول المعلومات نفسها ان حمص لم تشهد قتلاً او خطفاً على الهوية طاول المسيحيين، علماً ان الثوار قتلوا منذ الخريف الماضي تسعة مسيحيين، وعدداً اكبر من المسلمين بعد اتهامهم بأنهم من المتعاونين مع اجهزة المخابرات السورية ومن ناقلي المعلومات اليها او من "العوايني"، كما يطلق على المتعامل مع هذه الاجهزة. وفي متابعة الفاتيكان المباشرة لهذه المسألة، فان الثورة السورية لم تنتهج سلوكاً معادياً للمسيحيين يتعمد ايذاءهم او اخافتهم، كما ليس من تطهير عرقي لا في حمص ولا في القصير او في غيرها، وان كل ما يروجه حتى رجال دين او راهبات عن اعتداءات على الكنائس او تهجير متعمد غير صحيح، وصولا الى تحذير المسؤولين الكنسيين هؤلاء من مغبة افعالهم التي ستكون كلفتها عالية عليهم وعلى من يدعون مساعدتهم، وفقاً لما يقول هؤلاء المسؤولون بالتزامن مع مبادرات اطلقت خارج سوريا وداخلها بدفع من هيئات مسيحية ويشارك فيها سوريون من اتجاهات مختلفة تهدف الى الحؤول دون افتعال مشكلات طائفية، اضافة الى اقامة نوع من شبكة امان للعلاقة بين المسيحيين والمسلمين. وهناك ثلاثة مطارنة من الروم يعملون يوميا على معالجة اي مشكلة طارئة على هذا الصعيد.
اما القادة الروحيون والذين غالوا مع انطلاق الثورة في دعم النظام السوري، فانهم اصبحوا اكثر حذراً في الجهر بهذا الدعم لاعتبارات متعددة قد يكون ابرزها ان الكلفة الانسانية لما قام به النظام كبيرة جداً لا يمكن التغاضي عنها او تحملها.
ويقول الوزير السابق طارق متري الذي يتابع عن كثب شأن المسيحيين في سوريا والمطلع على المبادرات الخارجية في اتجاههم، ان وضع المسيحيين في سوريا من حيث موقعهم في قلب ما يجري من حروب على الارض لا يختلف عن وضع السوريين ككل وهو وضع صعب جداً. "هناك تغيير في الموقف المسيحي ومن الواقعي القول ان هناك اقلية صغيرة تعمل لمصلحة النظام السوري وتجهد كي تربط مصير المسيحيين بمصيره من دون ان يعني ذلك ان باقي المسيحيين صاروا ضد النظام او انهم يتحولون نحو اتجاهات علمانية او ليبرالية في المعارضة السورية". ويوضح "لعل الاكثرية لا تزال مقيمة في قلقها وصمتها"، عازياً ذلك الى جملة عوامل يتصل بعضها باختزال الصراع في سوريا وعليها بين العلمانيين والاسلاميين من خلال ابراز علمانية النظام وتجاهل طائفيته والمغالاة في اسلمة الثورة السورية او "سلفنتها" نسبة الى السلفيين، وتعمد الخلط بينها وبين الحركات المتطرفة او الارهابية من دون الاعتراف باتساع شعبية الثوار او تنوعهم. كما تتصل بالقلق المسيحي الاقلوي الضارب في الذاكرة التاريخية من جهة والعازف عن المشاركة في الحياة العامة من جهة اخرى، او المقارن مع ما حصل في العراق مثلا". ولا يستبعد ان يكون القلق قد ازداد اخيراً بفعل القمع المتصاعد في دمويته والعسكرة المتعاظمة للثورة وعدم نجاح المعارضة في مخاطبة مواطنيها المسيحيين او ايضاً قلة عدد الشخصيات المسيحية الفكرية او السياسية المشاركة في الثورة "ما زاد عند بعضها شعوراً بالغربة او رغبة في الهجرة في حين ان الغالبية تعرف ان مصير السوريين مشترك وترى انه مهما حصل فمسلمو سوريا باقون في حين ان الانظمة متغيرة ومن بينها شبان كثر لا يقبلون ان يأخذهم القلق الى التنصل من واجباتهم الاخلاقية النابعة من قيمهم المسيحية"المسيحيون في سوريا: تصويب البوصلة بعد التشويه
مبادرات من الداخل والخارج حفاظاً على شبكة أمان
روزانا بو منصف

خلال الأيام العشرة الاخيرة توالت مواقف  لكل من بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الارثوذكس اغناطيوس الرابع هزيم  والسفير البابوي المعتمد في دمشق ماريو زيناري، تدحض المواقف التي اطلقها اساقفة او كهنة حول تعرض المسيحيين في سوريا، وخصوصاً في حمص للاضطهاد او التطهير العرقي من جانب المعارضة السورية. البطريرك هزيم قال "ان موقف الكنيسة الانطاكية من الاحداث ينطق بها البطريرك حصرياً، وان آراء بعض الاساقفة في لبنان وسوريا لا تعبّر بالضرورة عن مواقف الكنيسة الانطاكية من الاحداث والتغييرات". فيما حذر السفير البابوي من معلومات تنشر في وسائل الاعلام ترمي الى التخويف بنشر انباء عن اضطهاد المسيحيين، معتبراً انه حتى اليوم "لن اقول أنهم تعرضوا لتمييز محدد او اي اضطهاد ومن المهم التيقظ ورؤية حقيقة الوقائع".
هذان الموقفان يحاولان تهدئة المخاوف التي تثيرها جهات عدة على المسيحيين منذ بدء الازمة السورية، والتي وجدت لها صدى في لبنان بمواقف سعت الى تبرير تأييدها إستمرار النظام، بالمخاوف على الاقلية المسيحية ووصول الاسلاميين، ولا تزال. وأخذ تسعير هذه المخاوف طريقه الى الترجمة في الآونة الاخيرة عبر تسليط الضوء على احداث وضعت في اطار استهداف المسيحيين وتم تداولها في لبنان، كما في بعض وسائل الاعلام العالمية، ولا تزال المخاوف في هذا الاطار تستخدم لتبرير دعم المسيحيين الرئيس السوري على قاعدة خوفهم من احتمال وصول اسلاميين الى السلطة مع تصاعد المد الاسلامي في المنطقة. والسؤال الأساسي هو هل تطور موقف القيادات الروحية المسيحية من النظام السوري أو تغير بعد اكثر من سنة على الازمة واتضاح اتجاهاتها ؟ وما هي حقيقة  الوضع على الارض؟
ان المعلومات المتوافرة للمطلعين عن كثب على الوضع السوري عموماً، والمسيحي خصوصاً، ان عدد الذين غادروا حمص كبير، وقد يكون في حدود المئة الف نسمة، ولا سيما ان القسم الاكبر منهم نزح من المدينة القديمة التي تتعرض بقوة للقصف على نحو ما تعرض له بابا عمرو، ما ادى الى نزوح المسلمين والمسيحيين معاً، وقد توجه غالبية هؤلاء الى وادي النصارى، خصوصاً ان اكثريتهم تتحدر من تلك المنطقة، في حين تقوم الكنيسة الارثوذكسية بتقديم المساعدات لهم، وان كانت غير كافية، الامر الذي يبدو أصعب بالنسبة الى المسلمين النازحين. وتالياً فإنه لم يبقَ في قلب المدينة، إلاّ عدد محدود من الناس، ومعهم اربعة كهنة، ارثوذكسيان ويسوعيان. وبحسب المعلومات فان المعارضة لم تعتدِ على الكنائس، في حين ان كنيسة مار جرجس الاثرية للارثوذكس دمرها القصف، كما انها لم تحتل بيوت المسيحيين، إلاّ في حالات معدودة ولذرائع امنية، ولم تطلب من المسيحيين المغادرة، بل على العكس. وتقول المعلومات نفسها ان حمص لم تشهد قتلاً او خطفاً على الهوية طاول المسيحيين، علماً ان الثوار قتلوا منذ الخريف الماضي تسعة مسيحيين، وعدداً اكبر من المسلمين بعد اتهامهم بأنهم من المتعاونين مع اجهزة المخابرات السورية ومن ناقلي المعلومات اليها او من "العوايني"، كما يطلق على المتعامل مع هذه الاجهزة. وفي متابعة الفاتيكان المباشرة لهذه المسألة، فان الثورة السورية لم تنتهج سلوكاً معادياً للمسيحيين يتعمد ايذاءهم او اخافتهم، كما ليس من تطهير عرقي لا في حمص ولا في القصير او في غيرها، وان كل ما يروجه حتى رجال دين او راهبات عن اعتداءات على الكنائس او تهجير متعمد غير صحيح، وصولا الى تحذير المسؤولين الكنسيين هؤلاء من مغبة افعالهم التي ستكون كلفتها عالية عليهم وعلى من يدعون مساعدتهم، وفقاً لما يقول هؤلاء المسؤولون بالتزامن مع مبادرات اطلقت خارج سوريا وداخلها بدفع من هيئات مسيحية ويشارك فيها سوريون من اتجاهات مختلفة تهدف الى الحؤول دون افتعال مشكلات طائفية، اضافة الى اقامة نوع من شبكة امان للعلاقة بين المسيحيين والمسلمين. وهناك ثلاثة مطارنة من الروم يعملون يوميا على معالجة اي مشكلة طارئة على هذا الصعيد.
اما القادة الروحيون والذين غالوا مع انطلاق الثورة في دعم النظام السوري، فانهم اصبحوا اكثر حذراً في الجهر بهذا الدعم لاعتبارات متعددة قد يكون ابرزها ان الكلفة الانسانية لما قام به النظام كبيرة جداً لا يمكن التغاضي عنها او تحملها.
ويقول الوزير السابق طارق متري الذي يتابع عن كثب شأن المسيحيين في سوريا والمطلع على المبادرات الخارجية في اتجاههم، ان وضع المسيحيين في سوريا من حيث موقعهم في قلب ما يجري من حروب على الارض لا يختلف عن وضع السوريين ككل وهو وضع صعب جداً. "هناك تغيير في الموقف المسيحي ومن الواقعي القول ان هناك اقلية صغيرة تعمل لمصلحة النظام السوري وتجهد كي تربط مصير المسيحيين بمصيره من دون ان يعني ذلك ان باقي المسيحيين صاروا ضد النظام او انهم يتحولون نحو اتجاهات علمانية او ليبرالية في المعارضة السورية". ويوضح "لعل الاكثرية لا تزال مقيمة في قلقها وصمتها"، عازياً ذلك الى جملة عوامل يتصل بعضها باختزال الصراع في سوريا وعليها بين العلمانيين والاسلاميين من خلال ابراز علمانية النظام وتجاهل طائفيته والمغالاة في اسلمة الثورة السورية او "سلفنتها" نسبة الى السلفيين، وتعمد الخلط بينها وبين الحركات المتطرفة او الارهابية من دون الاعتراف باتساع شعبية الثوار او تنوعهم. كما تتصل بالقلق المسيحي الاقلوي الضارب في الذاكرة التاريخية من جهة والعازف عن المشاركة في الحياة العامة من جهة اخرى، او المقارن مع ما حصل في العراق مثلا". ولا يستبعد ان يكون القلق قد ازداد اخيراً بفعل القمع المتصاعد في دمويته والعسكرة المتعاظمة للثورة وعدم نجاح المعارضة في مخاطبة مواطنيها المسيحيين او ايضاً قلة عدد الشخصيات المسيحية الفكرية او السياسية المشاركة في الثورة "ما زاد عند بعضها شعوراً بالغربة او رغبة في الهجرة في حين ان الغالبية تعرف ان مصير السوريين مشترك وترى انه مهما حصل فمسلمو سوريا باقون في حين ان الانظمة متغيرة ومن بينها شبان كثر لا يقبلون ان يأخذهم القلق الى التنصل من واجباتهم الاخلاقية النابعة من قيمهم المسيحية".

<!--EndFragment-->

المصدر: روزانا بومنصف - "النهار"
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 93 مشاهدة
نشرت فى 2 يوليو 2012 بواسطة mhmadshoo

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

276,720