كتبت حكمة منذ أيام على موقع تويتر والفيسبوك قلت فيها: “ترى أعيننا آلاف البشر، ويسكن قلوبنا قليلهم، فالجواهر الثمينة يملكها النخبة، فمن غلا سكن، ومن وطأ الفؤاد اطمأن”. نعم نحن هكذا نلتقي بالآلاف من الناس خلال حياتنا، ونتعرف على كثير منهم نتيجة ظروف معينة وأوضاع وتعاملات تجعلنا نحتك بهم لمدى زمني قصير أو طويل، مع مرور الأيام من التلاقي والتعامل والحديث والتواصل تتجلى حقيقة بعضهم، ويظهر معدنهم، فنكتشف أننا عشنا مع أناس يقدرون بالذهب والألماس، فنتمسك بهم أكثر من ذي قبل. ومن جهة أخرى نكتشف أننا انخدعنا بأناس كنا نحسبهم عوناً وسنداً في هذه الحياة، اعتقدنا أنهم أهل علم وخلق بسبب لمعتهم الزائفة التي نحن من زادها بريقاً لمديحنا لهم وثناؤنا عليهم فإذا بهم عكس من ظننا “خاب الظن وبقيت الحقيقة”.
القلوب تأسرها الكلمة الطيبة والنفس تحب الاحترام والتقدير. ليس من شأن الإنسان أن يسأل عما ليس له، وليس من شأنه التدخل فيما لا يعنيه. فهذه مشكلة يقع فيها بعض الناس، لا ندري أهو سوء فهم منهم أم جهل أم ماذا؟. سنحسن الظن بهم ولكن عندما نرى التمادي منهم يوماً بعد يوم، وموقفاً بعد الآخر، وهذا سيجعلنا في حالة لابد فيها من وقفة نتوجه بها لهم لنقول لهم: “إن كنتم لا تحسنون التقدير، فأقل القليل أن يحق لنا ألا نجعل لكم في قلوبنا مكاناً، فهناك من يدرك قيمتنا، ويعلم من نكون، وهم أولى بالفؤاد امتلاكا”.
عزيزي القارئ، الرسول عليه الصلاة والسلام قال في احترام الناس ومكانتهم: “انزلوا الناس منازلهم”، فلكل إنسان مكانة يحب أن يجدها في تعاملاته مع الآخرين، يحب أن يجدها في نظرتهم له، وكلامهم معه، وتفاعلهم مع ما يقول ويفعل بدرجة تشعره بالراحة والأهمية. دخل أحد مدراء الإدارات في إحدى الشركات قاعة اجتماع وفقاً للجدول المحدد، فوجد أحد الأعضاء مجتمعاً مع أناس آخرين، فطلب منه ذلك العضو بطريقة غير لائقة الانتظار خارج القاعة دون أن يستسمح منه أو يعتذر له، فانصدم ذلك المدير وتضايق وانصرف وهو يشعر بالإهانة والقهر لما حدث، ولم يذهب بعدها للاجتماع في ذلك اليوم. عزيزي القارئ التعامل مع البشر فن لابد من إتقانه، فالنفس تحب من يحبها، وتبغض من لا يهتم بها، وقد تعاديه. كثير من الناس يشتكون من وجود أناس في حياتهم من المقربين والأصدقاء والزملاء وغيرهم همهم الأكبر متابعتهم ومراقبتهم في كل صغيرة وكبيرة بشكل سلبي، والتعليق عليهم وتشويه صورهم وغيرها من التصرفات التي ليس فيها ما يدل على التقدير والاحترام لهم. إن مثل هذه التصرفات تجعل بعض الناس تتجنب أمثال هؤلاء، وقد قيل لإبراهيم بن أدهم: لماذا لا تصحب الناس؟ فقال: “إن صحبت من هو فوقي: تكبر عليّ، وإذا صحبت من هو دوني: لم يعرف حقي، وإذا صحبت من هو مثلي: حسدني”. إننا بحاجة لإيجابية التعامل مع الآخرين بناءً على ما يرضيهم ويسعدهم طالما ليس فيما نفعله خطأ.
د. عبداللطيف العزعزي | [email protected]<!--EndFragment-->
ساحة النقاش