في مرحلة المراهقة التي تعتبر مرحلة استكشاف النفس وقدراتها والتفكير في ميول الإنسان واتجاهاته الفكرية، يصل الشباب والفتيات غالبا إلى نقطة لا يتوقفون فيها عن التساؤل حول ما هو صواب وما هو خطأ. الجميع يمرون بهذه المرحلة، وبعد التفكير بعمق، ينتهي بنا الأمر إلى التساؤل: هل نحن سائرون على الطريق الذي من المفروض أن نسير فيه وفقا لتخطيط خارجي من أطراف أخرى، أم أننا بالفعل على الطريق الذي اخترناه عن قناعة ورضا من داخلنا؟
فعند الانتهاء من مرحلة الثانوية العامة على سبيل المثال، تجدين نفسك بين أكثر من خيار: الالتحاق بالكلية التي اخترها لك الوالدان، أو اختيار الكلية التي ستدرسين بها ما ترغبين فيه وتحبين دراسته، أو اختيار الكلية التي ستوفر لك فرصة عمل بسهولة وبمرتب مجز عند التخرج فيها.
في الغالب يكون هذا هو أول اختبار حقيقي لك، وعلى أساسه يتحدد مسار حياتك بالكامل، فلو درست ما اختاره لك والداك حتى تقومي بإدارة أعمالهما أو شركاتهما بعد ذلك، ستظلين طوال حياتك مرتبطة بشكل أو بآخر بأسلوب حياة والديك وعلاقاتهما مع الآخرين وتكتشفين في النهاية أنك لم تعيشي حياتك الخاصة ولم تحققي طموحاتك أنت، بل كنت مجرد امتداد لهما.
وإذا وصلت يوما لهذه المرحلة ستجدين نفسك تتوقفين وتتساءلين هل اخترت الطريق الصحيح؟ وبغض النظر عن الإجابة التي ستتوصلين إليها، قد تواصلين حياتك باستسلام دون أي تغيير، أو يحتاج الأمر منك إلى قرار جريء وانتحاري، بتغيير مسار حياتك والبدء في عيشها كما تريدينها، وليس كما رسمها لك الآخرون.
ولأننا في مجتمع ثقافته الأساسية هي مقاومة التغيير، وإذا حاولت طلب النصيحة من الآخرين وأنت في مفترق الطرق، ستجدين أن الغالبية العظمى من الناس ترشدك لاتخاذ الطريق الآمن الخالي من العقبات أو المغامرات، ويسهبون في سرد تجاربهم الشخصية وخبرات حياتهم التي في معظم الأحيان تختلف عن موقفك الشخصي.
وحتى لا تصلي إلى هذه المرحلة من التشتت والتردد بين ما اعتدت على فعله ولا تشعرين فيه بالرضا أو تحقيق الذات، وما تريدين بالفعل أن تفعليه، وتنازلت بإرادتك عنه في أحد الأيام، كوني سيدة قرارك منذ البداية.
لا تسمحي لأحد أن يخطط لك مستقبلك، سواء كان ذلك في اختيار مجال الدراسة، في العمل داخل البلاد أو خارجها، أو في اختيار شريك الحياة فيما بعد.
رأي الوالدين مهم بلا شك، ويجب أن تستشيريهما وتفكري جيدا في نصائحهما وأرائهما، وتستفيدي من خبراتهما في الحياة، لكن اجعلي دائما القرار النهائي لك، واحتفظي دوما بشخصيك المستقلة ورؤيتك الواضحة للأمور المتعلقة بشئون حياتك.
اختاري مجال دراستك بحرية، لتدرسي ما تحبين فتستمتعي به وتتفوقي فيه. وبعد التخرج اعملي في المجال الذي تميلين إليه، حتى لو اضطرك الأمر لتجربة أكثر من مجال في البداية حتى تجدي المجال الذي تتحقق فيه ذاتك وطموحاتك العملية.اختاري شريك حياتك -عندما يحين الوقت لذلك- وفقا للمواصفات التي رسمتها في خيالك لزوج المستقبل.
الصواب والخطأ في اختيارات الحياة، هو أمر غالبا ما يكون نسبيا، ويعتمد في البداية والنهاية على ما هو مناسب لكل إنسان، وهو الأمر الذي يختلف بالطبع من شخص إلى آخر. وأقصر الطرق إلى الحيرة والندم والرغبة في التراجع التي يصل إليها بعض الناس في مرحلة ما، هو اتباع أراء الآخرين واختياراتهم لنا، دون أن يكون لنا رأي خاص أو رؤية محددة لما نريد أن نحققه في حياتنا.
لو تساهلت في البداية، واتخذت طريق الاعتماد على الآخرين في التفكير والتخطيط، فلا تلومي إلا نفسك بعد ذلك إذا اكتشفت يوما أنك لا تستمتعين بحياتك ولا تحبين ما تفعلينه في أيامها.
<!--EndFragment-->
ساحة النقاش