تجد الدول الغربية التي تحاول الاطاحة بالرئيس السوري بشار الاسد صعوبة متزايدة في مواجهة دعم روسيا العنيد له.. أو حتى مجرد فهمه.
والتفسيرات المحتملة تنصب على صفقات الاسلحة وقاعدة بحرية روسية في طرطوس ومخاوف من تشدد إسلامي في حقبة ما بعد الأسد ولكن مسؤولين روسا واخرين يقولون ان هذه التفسيرات اغفلت زاوية أشمل.
ويوضحون أن معارضة موسكو لتغيير الانظمة بدعم اجنبي يعكس خلافا مبدئيا مع الغرب بشأن السيادة وحقوق الدول في التعامل مع قلاقل داخلية باي وسيلة ضرورية.
وقال دنيس بوكارد الدبلوماسي السابق وخبير شؤون الشرق الاوسط في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية "يمكن تفسير الموقف الروسي بعداء "موسكو" لاي تدخل في الشؤون الداخلية لدولة ما لاسيما في الاوضاع الحالية لان لديها ما يقلقها في الداخل."
ومرة بعد الاخرى ابدى مسؤولون غربيون ثقتهم بان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوشك على التخلي عن حليفه القديم ولكن خيبة الامل كانت من نصيبهم في كل مرة.
واليوم السبت يتباحث وزير الخارجية سيرجي لافروف مع نظرائه من القوى الكبرى في جنيف.
ومرة اخرى يتوقع دبلوماسيون من عدد من الدول الغربية تحولا في موقف روسيا. وذكروا أن روسيا لأول مرة وافقت على خطة الامين العام السابق للامم المتحدة كوفي عنان او ما تشترطه من انتقال تدريجي للسلطة.
ولكن في ساعة متأخرة من مساء الخميس تقدمت روسيا بتعديلات وصفتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بانها غير مقبولة.
وفي قمة مجموعة العشرين في المكسيك في الشهر الماضي كان الحرج من نصيب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون فبعدما لمح لان بوتين وافق على ضرورة رحيل الاسد فوجيء ببوتين يستبعد الفكرة شخصيا.
وتحدث الرئيس الفرنسي فرانسوا اولوند باستفاضة عن اهمية كسب دعم روسيا ولكن في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع بوتين في مايو أيار بدا واضحا انه اخفق في مسعاه.
وفي مواجهة كل مبرر طرحه اولوند امام وسائل الاعلام تقدم بوتين بحجة مضادة. وحين سأل اولوند إذا كانت روسيا ستمنح الاسد حق اللجوء أجاب بوتين بأن عائلة الاسد تلقت دعوات لزيارة باريس اكثر مما تلقته لزيارة موسكو. ورغم عدم اتضاح مدى صحة ذلك الا ان اولوند بدا ممتعضا.
وقال بوتين ان الاطاحة بالرؤساء لم يقر السلام بالضرورة واشار لحالة ليبيا حيث يعتقد ان الغرب احتال على موسكو لتدعم التدخل العسكري.
وتساءل بوتين "هل اضحت "ليبيا" اكثر امنا؟ إلى اين نتحرك؟ هل من جواب؟"
ولازالت الدول الغربية تأمل ان تقلب سلسلة هزائم يمنى بها الاسد الموازين مما يدفع بوتين للتخلي عنه ولكن ربما لا يكون الامر بهذه السهولة.
ولا يبدو ان عدد الضحايا الذي تجاوز عشرة الاف قتيل كافيا كي يغير بوتين موقفه. وتباينت كثيرا تقديرات ضحايا القتال في الشيشان - وهو الصراع الذي انخرط فيه بوتين كرئيس وزراء ورئيس للدولة - ولكنه في اغلبها تجاوز مئة ألف قتيل.
ويقول نشطاء حقوق انسان وشهود اخرون ان الصراع في سوريا شمل قصفا مدفعيا لمناطق مدنية ومذابح وحالات اختفاء وثمة بلاغات في سوريا الان عن جرائم حرب محتملة.
ويخشى قادة في روسيا - وفي اذهانهم الاحتجاجات ضد بوتين ناهيك عن المخاوف بشأن دعاوى انفصال في القوقاز ولديها مخاوفها بشأن الاضطرابات في التبت وشمال غرب الصين وكثير من المناطق الاخرى - من احتمال اضطرارهم لتبنى اساليب مماثلة مرة اخرى في يوم ما.
ويعتقد كثيرون ان ما يثير قلق روسيا اعتقاد متنام بان الديمقراطيات الغربية بشكل خاص قد تتدخل عسكريا او بشكل اخر لمساعدة مثل هذه الانتفاضات.
واجج هذه المخاوف ثوارت في جمهويات سوفيتية سابقة مثل اوكرانيا و جورجيا وقيرغيزستان.
وقال ستيفين سيستانوفيتش المسؤول السابق بوزارة الخارجية الامريكية عن الاتحاد السوفيتي في الفترة بين 1997 و2001 وهو حاليا عضو في مجلس العلاقات الخارجية ان الثورات المختلفة سيطرت على تفكير بوتين خلال الاعوام العشرة الماضية.
وتابع "انه يكره فكرة ان يكون للمجتمع الدولي اي شأن بمن يتولي السلطة في اي دولة اقترف قادتها فعلا مشينا. يميل للتعاطف مع هؤلاء القادة".
ويمكن التعلل بان ثمن مثل تلك الثورات كالتي تشهدها سوريا باهظ جدا.
وكتب لافروف في هيفينجتون بوست في 15 يونيو حزيران "على الارجح تدرك روسيا الثمن الحقيقي للثورات أكثر من معظم الدول الاخرى.
"نحن ندرك تماما ان التغييرات الثورية غالبا ما يصاحبها انتكاسات اجتماعية واقتصادية فضلا عن سقوط ضحايا ومعاناة. ولهذا السبب نؤيد سبيل التطور السلمي لتطبيق التغيرات التي طال انتظارها في الشرق الاوسط وشمال افريقيا".
ويقول مسؤولون روس انهم لايتمسكون بالاسد ولكنهم يريدون عودة الاستقرار ولكنهم لم يروا بعد استراتيجية لتحقيق ذلك.
وما من شك بان الوضع في روسيا يغذي مخاوف أوسع لدى روسيا.
ويرتاب العديد من الدبلوماسيين الغربيين بان روسيا تخشى ان تصبح سوريا بعد الاسد ملاذا لإسلاميين من بينهم من يقاتلون ضد روسيا في الشيشان.
ولا تعدو القاعدة البحرية في روسيا كونها محطة لإعادة التزود بالوقود ولكنها تمنح روسيا مرفأ على البحر المتوسط ربما تتضح قيمته إذا اعاقت مشاكل مع اوكرانيا او تركيا عمليات لاسطول البحر الاسود.
وتجد روسيا في سوريا التي يحكمها العلويون وعلى نطاق اضيق في ايران الشيعية ثقلا اقليميا موازيا لكتلة اعلى صوتا للدول السنية المتحالفة مع واشنطن وعلى رأاسها السعودية ودول الخليج.
ويرتاب البعض بان روسيا ترى في تقويض المصالح الغربية واحراج قادتها هدفا في حد ذاته في مسعاها لاعادة التأكيد على دورها كقوة عالمية او كخطة مفيدة على المدى القصير حتى تتضح الصورة أكثر.
ويقول المسؤول الامريكي السابق سيستانوفيتش "في الغرب نبالغ دائما في تصوير الجانب الدكتاتوري لبوتين".
وتابع "في روسيا ينتقده كثيرون لانه غير حاسم. ربما هو مرتبك بشأن ما يجب عمله بشان سوريا وسيخلص ببطء إلى ان الاسد قد انتهى. <!--EndFragment-->
نشرت فى 1 يوليو 2012
بواسطة mhmadshoo
عدد زيارات الموقع
271,951
ساحة النقاش