أحمد شعبان
أكد علماء الدين أن تحويل القبلة كان إيذانا باستقلال الأمة الإسلامية في كل شؤون حياتها وأن أهمية شهر شعبان تأتي من ذكرى تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة، حيث يعتبر الحدث عنواناً لوحدة المسلمين ودليل منزلة نبينا عند ربه، وأعظم مآثر ليلة النصف من شعبان. وقالوا إنه التحول الذي كان له أثر مهم في تاريخ الأمة الإسلامية وأن الله عز وجل خص ليلة النصف من شعبان بكثير من الخيرات والرحمات فقد استجاب الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم الذي تضرع وأبتهل من أجل الصلاة باتجاه المسجد الحرام فكان القبلة عن قبلة قوم لم تلن قلوبهم لدعوة الحق إلى الكعبة المشرفة بيت الله الحرام.
قال الدكتور السيد أبو الحمايل أستاذ الثقافة الإسلامية بكلية الدعوة جامعة الأزهر إن فضل ليلة النصف من شعبان من كونها ليلة تحويل قبلة المسلمين في صلاتهم من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام استجابة لدعاء النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بعد ان مكث وأصحابه الكرام يتوجهون في صلاتهم إلى المسجد الأقصى قرابة ستة عشر شهرا وكانت اليهود فرحة بذلك وكان تحويل القبلة إمتحانا وابتلاء للمسلمين والمشركين واليهود والمنافقين قال تعالى في كتابه العزيز: «قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون» البقرة 144.
وأضاف، جاء في تفسير هذه الآية أن الله تعالى يرى تقلب وجه نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، في السماء شوقا وانتظارا لنزول الوحي باستقبال القبلة وأن الله تعالى استجاب له بتوجيهه إلى قبلة يرضاها ويحبها وهي الكعبة وهذا بيان لفضله وشرفه، صلى الله عليه وسلم، حيث أن الله تعالى يسارع في رضاه ثم أمر الله تعالى في هذه الآية باستقبال القبلة الجديدة وأن يولي وجهه وبدنه إليها حيث ما كان من بر وبحر أو شرق أو غرب بشرط استقبال الكعبة للصلوات كلها وبعد تحول القبلة ارتاب اليهود وفرح المشركون وشمت المنافقون وأذاعوا أباطيل ومزاعم واتهامات فأنزل الله تعالى قوله: «سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم».
وأوضح الدكتور السيد أبو الحمايل أنه بعد استقبال القبلة قال المسلمون سمعنا وأطعنا وآمنا به كل من عند ربنا وقال المشركون: كما رجع إلى قبلتنا يوشك أن يرجع لديننا واليهود قالوا خالف قبلة الأنبياء ولو كان نبيا لاستمر فى صلاته إلى قبلتهم والمنافقون قالوا ما يدري محمد أين يتوجه إن كانت الأولى على حق فقد تركها وإن كانت الثانية هي الحق فقد كان على باطل ورد الله عليهم بقوله: «سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم» سورة البقرة الآية 143.
حكمة التشريع
وحول حكمة التشريع من تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام قال الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر إن البيت العتيق الذي رفع قواعده نبي الله إبراهيم ونبي الله إسماعيل عليهما السلام هو قبلة أهل الأرض كما أن البيت المعمور قبلة أهل السماء قال تعالى:»وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم» واقتضت حكمة الله أن يجتمع الموحدون على قبلة واحدة فأمر خليله إبراهيم، عليه السلام، ببناء البيت العتيق ليكون مثابة للناس وأمنا ومصدرا للإشعاع والنور الرباني ومكانا لحج بيته المعظم يأتيه الناس من كل فج عميق :»ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معدودات» وأمر رسوله محمدا، صلى الله عليه وسلم، بالتوجه إليه في الصلاة بعد أن توجه إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا وذلك لحكمة جليلة هي إمتحان إيمان الناس واختبار صدق يقينهم ليظهر المؤمن الصادق من الكاذب والمنافق لتكون الريادة لهذه الأمة: «هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم المصير».
جهة واحدة
وقال: ومن حكم ومقاصد تحديد القبلة أن المقصود من الصلاة حضور القلب والحضور لا يحصل إلا بالسكون وترك الالتفات والحركة وهذا لا يتأتى إلا باستقبال جهة واحدة على التعيين وأن الله عز وجل خص الكعبة بإضافتها إليه في قوله تعالى: «وطهر بيتي» وخص المؤمنين بإضافتهم بصفة العبودية إليه في قوله تعالى: «يا عبادي» والإضافتان للتكريم والتخصيص فكأنه جل شأنه يقول ان المؤمن عبده والكعبة بيته والصلاة خدمته فالمؤمن يقبل بوجهه في خدمة ربه إلى بيته وبقلبه والتوجه إلى الكعبة المشرفة من مظاهر ووسائل وحدة المسلمين.
أفضل الأعمال
أما عن أفضل الأعمال والعبادات التي يستحب على العبد القيام بها في هذه الليلة فأكد الدكتور شعبان اسماعيل استاذ الفقه والقراءات بجامعة أم القرى مكة المكرمة أن الصلاة والدعاء في هذه الليلة والصوم في شهر شعبان عامة بلا تخصيص من أجل العبادات والطاعات التي تقرب العبد إلى ربه.
وأضاف: وردت أحاديث كثيرة صحيحة في فضل صوم شهر شعبان ومنها عن عائشة- رضي الله عنها: لم يكن النبي- صلى الله عليه وسلم- يصوم من شهر أكثر من شعبان فإنه كان يصوم شعبان كله وفي رواية أخرى كان يصوم شعبان إلا قليلا. وروي عن الرسول- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إنه شهر ترفع فيه الأعمال فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم» وقال: «انه شهر تكتب فيه الآجال فأحب أن يكتب أجلي وأنا صائم» وقال- صلى الله عليه وسلم-: «إنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان فأحب إحياءه» لكن لم ترد أحاديث صحيحة في تعيين صوم يوم النصف من شعبان أما الدعاء المقبول في هذه الليلة الكريمة فيجب الدعاء بالعناية واستمداد المعونة وإظهار الافتقار إلى الله والبراءة من الحول والقوة وإظهار الذلة البشرية لله تعالى وأن يكون دعاء هذه الليلة فيه معنى الثناء على الله وإضافة الجود والكرم إليه قال تعالى: «وقال ربكم ادعوني استجب لكم» ووردت آثار في فضل الدعاء في ليلة النصف من شعبان بعضها ضعيف والآخر حسن.
<!--EndFragment-->
ساحة النقاش