عمرو أبوالفضل
الإمام نعيم بن حماد من كبار علماء الفقه والحديث، وأوحد الفرائض في عصره، أمضى حياته في الدفاع عن صحيح الدين، ونقد أصحاب الباطل، ومحاربة المذاهب المنحرفة، وتسببت شدته على المبتدعة في سجنه وموته في قيوده، حيث توفي رحمه الله- ببغداد سنة 227 هجريا، وقيل سنة 228 هـ.
ويقول الدكتور عثمان الخشت الاستاذ بجامعة القاهرة، ولد نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث ابن همام بن سلمة بن مالك، وكنيته أبو عبدالله، في مرو، واتجه منذ طفولته الى طلب العلم بحفظ القرآن الكريم وتعلم علوم العربية والحديث وعلوم الشريعة على كبار شيوخها، وارتحل في طلب العلم إلى خراسان والحجاز وبغداد والشام واليمن، وانكب على دراسة الحديث، فاخذ على مشاهير علماء عصره، وحدث عن أبي حمزة السكري، وهشيم، وعبد الله بن المبارك، وفضيل بن عياض، وسفيان بن عيينة، ويحيى القطان، وكثيرين غيرهم.
وأشار إلى أن الإمام ابن نعيم برع في الحديث وأتقنه، حتى صار علم الحفاظ وعالمهم والمشار إليه من بينهم وعليه يدور الكلام في صحة الحديث أو تضعيفه، وصار الناس يقرنونه بمشاهير العلماء من أساطين علم الحديث. وكان آية من آيات الحفظ واستحضار النصوص والأصول وأسماء الرجال وألقابهم. وقيل انه جمع برحلته وذكائه وجده حديثا كثيرا، حتى كتب عن شيخه روح بن عبادة خمسين ألف حديث. وروى عنه البخاري، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، ويحيى بن معين، والذهلي، وخلق سواهم.
طلب العلم
وأوضح الدكتور عثمان الخشت الاستاذ بجامعة القاهرة، أن الامام ابن نعيم انتقل إلى مصر وأقام بها وجلس للتدريس بمدارسها والتف حوله طلاب العلم وذاع صيته وطافت شهرته الآفاق، وبقي فيها أربعين عاما، معلما وإماما في الحديث والفرائض والسنة، وكان من أوعية العلم والمعرفة، وأثنى على علمه العلماء، قال أحمد العجلي: «نعيم بن حماد ثقة صدوق»، وقال أبو زرعة الدمشقي: «يصل أحاديث يوقفها الناس»، وقال أبو حاتم:«ووضع ثلاثة عشر كتابا في الرد على الجهمية وكان من أعلم الناس بالفرائض»، ووصفه ابن حجر بأنه:«صدوق يخطئ كثيرا، فقيه عارف بالفرائض»، وذكر ابن عدي انه:«كان أحد من يتصلب في السنة»، وذكر الذهبي أنه: كان شديدا على الجهمية، أخذ ذلك عن نوح الجامع، وكان كاتبه، وقال صالح بن مسمار: «سمعت نعيما يقول: أنا كنت جهميا، فلذلك عرفت كلامهم، فلما طلبت الحديث عرفت أن أمرهم يرجع إلى التعطيل»، وقال الخطيب: يقال إن نعيم بن حماد أول من جمع المسند وصنفه، وترك مصنفات فريدة فى الفقه والحديث منها «المسند»، و«الفتن»، و«الرد على الجهمية».
طريق الحق
وبين الدكتور عثمان الخشت أن الامام ابن نعيم- رحمه الله- صاحب عقيدة صافية نقية، يلتمس أبوابها ومفرداتها من فقه الكتاب والسنة، وما كان عليه أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- عازفا عن طريقة الفلاسفة ومنهج المتكلمين ويرى الحق في إتباع النصوص والتزامها من دون تأويل ولا تعطيل، ولا تشبيه ولا تمثيل، ولهذا، فقد كان حربا على الفرق الضالة والأحزاب المبتدعة.
وكما بين أن مواقفه من أصحاب البدع لا سيما في أبواب الأسماء والصفات، من تعطيل أو تشبيه، وهجومه اللاذع على التيارات المنحرفة أثارت أحقاد المتعصبين والخصوم المقلدين.
وأشار الدكتور عثمان الخشت إلى أنه تعرض أثناء وجوده في مصر لمحنة قاسية بسبب موقفه من مسألة خلق القران، فقد اعتقد الخليفة المأمون برأي المعتزلة في خلق القران، وطلب من ولاته في الأمصار عزل القضاة وامتحان الأئمة والعلماء الذين لا يقولون برأيهم، وحمل الناس على قبولها قسرا وقهرا دون دليل أو بينة، فمن أجابهم أطلقوه، ومن أبى حبسوه وعذبوه، ولما هلك المأمون سار المعتصم على دربه واستمر في امتحان العلماء، ولما استدعى والي مصر الإمام ابن نعيم لامتحانه والقول بخلق القرآن، رفض أن يجيب فيه بشيء مما أرادوه عليه، فقيده وحمله إلى العراق، فوصل سامراء وامتحن فثبت فأمر به إلى السجن، وطال بقاؤه في السجن بقيوده، وحين شعر بدنو أجله أوصى بأن يدفن في قيوده، وروى الخطيب بسنده إلى أبي بكر الطرسوسي يقول: «أخذ نعيم بن حماد في أيام المحنة سنة ثلاث وعشرين أو أربع وعشرين، وألقوه في السجن ومات في سنة سبع وعشرين، وأوصى أن يدفن في قيوده وقال إني مخاصم»، فقد أراد أن يقف بين يدي ربه يخاصم من آذاه في الله وظلمه بغير حق إلا أن ينـزه ربه عما لا يليق به. وحين جاءه الأجل لقي ربه في السجن.
وقال الدكتور عثمان الخشت إن المصادر ذكرت ان خصومه جروه بعد موته بقيوده، وألقوه في حفرة، وتركوه، فلم يغسلوه ولم يكفنوه ولم يصلوا عليه ولم يدفنوه بل تركوه لسباع الأرض وهوامها، فقد روى أبو القاسم البغوي، وإبراهيم بن عرفة نفطويه، وابن عدى: كان مقيدا محبوسا لامتناعه من القول بخلق القرآن، فجر بأقياده، فألقي في حفرة، ولم يكفن، ولم يصل عليه. فعل به ذلك صاحب ابن أبي دواد.
<!--EndFragment-->
ساحة النقاش