محمد شو

العالم بين يديك

عبد الرحمن أبو عوف

لم يتبقَّ أمام نظام بشار الأسد في سوريا خيارات عديدة للبقاء في السلطة، فهو يمرُّ حاليًا بأصعب اختبار منذ اندلاع التمرُّد علي حكمه، ومنذ عام وعدة أشهر فأجهزة النظام لديها اعتقاد جازم باقتراب الثوَّار من العاصمة دمشق، وهو تطوُّر يصعِّد من الضغوط على النظام، خصوصًا أنَّ العاصمة شهدت بوادر عصيان في الفترة الأخيرة، منها الإضراب الذي انْخَرط فيها آلاف التجار احتجاجًا على مجزرة الحولة، ناهيك عن أنَّ مدينة تقترب من رفع راية التمرُّد بشكل تامٍّ ضد النظام، يضاف إلى ذلك أنَّ الطائفة العلوية لم تَعُد متحمسة لممارسات لنظام وانخفضت وتيرة المظاهرات المؤيدة التي كان يستخدمها النظام لتسويق نفسه دوليًا، لا سيما أمام الحليفين البارزين في موسكو وبكين، فضلاً عن الخسائر الملحوظة في صفوف جيشه النظامي على يد الجيش السوري الحر.

ولعلَّ كل هذه التطورات تقدِّم تفسيرًا للجوء النظام السوري لسلاح المجازر، كما وقع في كل من الحولة والقبير والحفة وتلبيسة والتي خلَّفت مئات القتلى في عدة أيام قليلة أغلبيتهم من الأطفال بعد تقييدهم وتصفيتهم أحياء وبدمٍ باردٍ، وهو السيناريو نفسه الذي تكرَّر مع عشرات النساء؛ فالنظام يدرك أنَّه يحارب في معركته الأخيرة، ولم يعد أمامه إلا المجازر لكسر إرادة الثوار وتوصيل رسالة إرهاب لأهالِي دمشق وحلب من أنَّ وضعهم لن يكون أفضل من أهالِي حمص ودرعا واللاذقية في حالة انضمامهم للثورة، اقتناعًا من جانب الأسد بأنَّ اشتعال الثورة في دمشق- وهي الورقة الأخيرة بيده- ستكتب شهادة وفاته وتقود على مضضٍ منه إلى أقبية المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي برفقة مجموعة الـ99 الداعمة له.

سيناريو بغداد

ولا تقتصر أهداف الأسد من وراء توسيعه لنطاق المجازر عند هذا الحدّ، فهو يدرك أنَّ دعم الأقلية العلوية خصوصًا في دمشق وحلب لم يَعُد قويًّا وملموسًا، بل إنَّ تيارًا واسعًا داخل الطائفة يتخوَّف بشدة من دفع فاتورة سقوط النظام ومواجهة نفس مصير السنة في بغداد بعد سقوط نظام صدام حسين إذا مُورست ضدهم عملية تطهير عرقي شاملة في معظم إحياء العاصمة، وتفشي القتل على الهوية بشكل أدَّى في النهاية لإخلائها من الوجود السُّنِّي وهو ما يخشَى العلويون تكراراه حالَ دعمهم كطائفة لمجازر ومذابح الأسد ضد الطوائف السورية.

وسعيًا للخروج من هذا المأزق فقد عمل الأسد بقوَّة على جرِّ العلويين لحرب طائفية تأتِي على الأخضر واليابس وتأمين دعم هذه الطائفة للنظام بشكل أكثر قوة وشراسة، تكريسًا لمبدأ أنَّ الدفاع عن النظام هو دفاع عن الطائفة وهو خطاب قد لا يحقِّق نتائج جيدة بالنسبة لسَدَنة النظام؛ إذ إنَّ هناك شبهَ توافقٍ في أوساط الطائفة يفضِّل النأي بها عن جرائم النظام حتى لا تسدِّد وحدها فاتورة سقوطه، لا سيما بعد أن ضاقت الدوائر عليه وبدت عزلته أكثر وضوحًا في ظلّ المطالبات المستمرة بطرد سفرائه من العواصم الإقليمية والدولية وإخفاق حملته الإعلامية في تحسين صورته عالميًا.

ولا يخفَى على أحدٍ أنَّ لجوء الأسد لاستراتيجية المجازر قد جاء أيضًا لصرف الأنظار داخل جيشه عن حالة الإرهاق والتململ التي بدأت تصيبه نتيجة اتساع جبهة القتال وتصاعد هجمات الجيش السوري الحر ضد وحداته مما يهدِّد باندلاع تمرُّد، ومن ثَم لزم القيام بعمل يرفع معنويات جنود وضباط الجيش الذين قد لا يستطيعون استكمال المعركة حتى شوطها الأخير، انطلاقًا من قناعة أنَّ دروس تاريخ لا تشير أبدًا لانتصار جيش على الشعب فأعتى النظم الديكتاتورية لم تستطع البقاء متى نفضت شعوبها غبار الذلّ والمهانة واستنكفت عن حياة القطيع وهو أمر بدا يتسرب لنفوس الكثير من رموز النظام ووحدات الجيش وإن كان بوتيرة قليلة قد تتصاعد حدتها في الأسابيع المقبلة

وممَّا لا شكَّ أنَّ النظام الأسدي يراهن منذ فترة طويلة على الحرب الأهلية أو الطائفية كملاذٍ أخير له لتأمين استمراره في السلطة والبُعْد عن الوقوع في أسري محاكم لاهاي، فربَّما تقدّمه الحرب الطائفية كبديل وحيد لضمان عدم وقوع سوريا في أيدي قوى راديكالية قد تؤثِّر بالسلب على الأوضاع في جبهة الجولان، وتعبث بالأوضاع في الأردن، وربَّما تعيد صياغة علاقات مع حزب العمال الكردستاني بشكل يقضّ مضاجع تركيا؛ وهي حسابات لا زال الأسد يراهن عليها مع قضايا أخرى للبقاء في سدة السلطة.

تحقيق دولي

لذا فقد غَدَت المجازر والحرب الطائفية هما الورقتان الوحيدتان بيد النظام لإطالة أمد بقائه في السلطة مستفيدًا من استمرار الدعم الروسي- الصيني ومعه حالة التردُّد الشديدة من المجتمع الدولي حيال التعاطِي مع الوضع بمجمله؛ فهناك حالة من الاضطراب وعدم وضوح الرؤية لدَى المجتمع الدولي في الردِّ على مجازر الأسد، لا سيما من جهة خروج تصريحات من جانب المبعوث العربي والأممي كوفي عنان تشير إلى أنَّ حجم المجازر الواقعة في سوريا والتفجيرات المتزامنة هناك تؤكِّد وجود طرف ثالث وتكرِّر نفس المعني على لسان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ناهيك عن مطالبات أخرى تطالب بإجراء تحقيق دولِي في هذه المجازر لمعرفة هوية المتورِّط فيها.

من البديهي الإشارة إلى أنَّ هذه الدعوات لإجراء تحقيق دولي تجد أذانًا صاغية لدى نظام الأسد؛ فتشكيل لجنة دولية سيُوجه بقبول من الأسد كونه تشكيلها والاتفاق على هوية أعضائها وصلاحياته وتحديد مساراتها يتيح له مزيدًا من الوقت للولوغ في دماء السوريين غير عابئ هو وعصابته أنَّ مثل هذه المجازر تفتح الباب لسقوط أي نظام باعتبارها تفقده شرعيته وتقود به في النهاية إمَّا إلى مصير القذافي أو أن يعانِي آلام السجن المؤبد كما هو حال مبارك في مصر، خصوصًا أنَّ جزار إدلب يعانِي حاليًا ما عانته هذه الأنظمة قبل فترة قصيرة من سقوطها.

ومِمَّا يضاعف من مشاكل الأسد في اللحظات الأخيرة نجاح المعارضة السورية في احتواء خلافات واستقرارها في النهاية على تولِّي الناشط السياسي الكردي عبد الباسط سيدا رئاسة المجلس الوطني خلفًا لبرهان غليون بشكل قدَّم رسالة على توحُّد ألوان الطيف السياسي والعرقي السوري ضد الأسد وعصابة الـ99 الداعمة له وانضواء عدد من الخلايا الكردية داخل المجلس الوطني السوري وإمكانية توظيف ذلك لرفع أسهم المعارضة ونجاحها في تسويق نفسها كبديلٍ مستقرٍّ للنظام بعد أن لعب تشتتها في السابق حائلاً دون تأمين الدعم الدولي لها.

طريق ثالث

ومن ثَمَّ فإنَّ مجمل تطورات المشهد السوري تؤشِّر إلى أنَّ اللحظة الفارقة قد بدأت تقترب من النظام الأسدي، خصوصًا أنَّ دماء الشهداء والنساء والأطفال التي تورِّط الأسد في إزهاقها لن تفت في عضد السوريين بل ستشكل وقودًا لثورتهم لإسقاط طاغية دمشق وسفاح حمص ودرعا وإدلب، لا سيما أنَّ المجتمع الدولي لن يستمر صامتًا أمام هذه المجازر وسيبحث عن تسوية للأزمة السورية قد تستجيب جزئيًا لآمال وطموحات الشعب السوري وتضع في اعتبارها مخاوف بلدان الجوار من تداعيات سقوط النظام وحدوث فراغ سياسي على استقرارها، مما قد يدفع بسيناريو مماثل للوضع اليمنِي يطيح بالأسد والدائرة المقربة منه ويبقي على النظام لاستمرار نفس النهج في التعاطي مع الملفات الحاسمة دون أي تغيير وشنّ حملة إعلامية دولية باعتبار خروج الأسد وزمرته من الساحة نصرًا للثوار ونهاية ولو مؤقتة للمأساة السورية.

<!--EndFragment-->

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 31 مشاهدة
نشرت فى 20 يونيو 2012 بواسطة mhmadshoo

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

276,781