محمد شو

العالم بين يديك

تسللت كلمة “عربية” وسط الزحام، انتابت أحمد قشعريرة ملأى بالسعادة، وكأنها أعادته إلى الحياة، أخذ ينصت باحثاً عن المصدر، كان الصوت يتلاشى شيئاً فشيئاً، وما زال لديه الأمل بأن يجد ضالته، ولم يكن أمامه إلا أن يصرخ بأعلى صوته “أنا هنا..أنا العربي” وكأنه يبحث عن هويته التي ضاعت في الزحام.. من أروع وأسعد اللحظات التي تواجه المغترب حين تتناهى إلى سمعه صدى كلمة، نطقت بلسان عربي، فيلهث باحثاً عن مصدر الكلمة، وكأنها أعادت إليه الحياة، ينتفض وتتداعى كل الحواس جالبة كل الذكريات في شريط سريع، وحين يجد من يتحدث بلغته، يشعر بأن الحياة قد عادت إليه، فها هو من يتحدث بلغته ويفهمه، ويتحاور معه.

فاللغة أول وسائل التواصل الإنساني، وهي العامل الأساسي في وحدة الأمة، أيا كانت، ولا ينفك الإنسان من التضامن والتآزر مع من يتحدث بلغته.
يقال إن الإنسان ابن بيئته، فهو جزء من وطنه، لا يستطيع أن يخرج من جلده، ومهما ابتعد عن بيئته ومحيطه تظل ذكريات الأهل والأماكن والأصدقاء ماثلة في الذاكرة والقلب، تسكنه في خلاياه، وعندما يبتعد عن وطنه تحدث ردة فعل داخلية، بهيجان مشاعر الشوق لإحداث التوازن الداخلي في النفس التي تشعر بالاغتراب، فتظهر ردة الفعل بالعودة إلى الماضي والذكريات، للتكيف مع المحيط الجديد، فيقرن كل حديث له بقريته ومدينته وبلده، وأكثر الاغتراب مرارة اغتراب اللغة.

روي أن عمر بن أبي ربيعة لما لقي مالك بن أسماء بن خارجة الفزاري: استنشده، فأنشده مالك شيئاً من شعره، فقال له عمر: ما أحسن شعرك لولا أسماء القرى التي تذكرها فيه، قال: مثل ماذا؟ قال: مثل قولك:

إن في الرفقــة التي شــيعتنا بجـــوير ســما لزيــن الرفــاق

ومثل قولك:

أشــهدتنا أم كــنت غـائبـة عن ليـلتي بحديثــة القســب

ومثل قولك:

حبــذا ليلــتي بتــل بـونــى حين نســقى شــرابنا ونغـني

فقال له مالك: هي قرى البلد الذي أنا فيه، وهو مثل ما تذكره في شعرك من أرض بلادك، قال: مثل ماذا؟ قال: مثل قولك:

حي المــنازل قد دثرن خــراباً بين الجوين وبين ركن كسابا

ومثل قولك:

ما على الرسم بالبليين لو بيـ ـن رجع السلام أولو أجابـا

فأمسك عنه عمر بن أبي ربيعة.

أنور العطار:

خفـقَ القـلبُ فاذَّكـرتُ بلادي وبـلادي الحقــولُ والأدغــالُ

وبـلادي الأنهـارُ تهـتفُ فـرحى والنَّدى السمحُ والسُّلاف الحلال

والرّياضُ اللطافُ تعبقُ بالعطـ رِ حـلتْها الأفــيـاءُ والأظــلال

والينـابيــعُ حفُّــلٌ بالأناشـــيـ ـد تـراخـى فيها السَـّنا والبِـلال

لا يُـروّعــكِ مدمــعي وهُــيامي أنـا سرّ الهـوى وأنتِ الجمال

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 44 مشاهدة
نشرت فى 18 يونيو 2012 بواسطة mhmadshoo

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

272,091