د. عبداللطيف العزعزي
الاعتقاد أحد أهم قوانين العقل الباطن الذي يلعب دوراً هاماً في حياة الإنسان حيث يقول هذا القانون: «الشيء الذي تفكر فيه أكثر من مرة، وتضيف إليه شعورا وأحاسيسا يصبح معتقداً». فالفكرة هي بداية تكوين المعتقد، وهذا يقودنا إلى التأمل في أفكارنا والسعي إلى فلترتها من الأمور السلبية والتأكد من سلامتها وحسن منطوقها. فالفكرة إذا وجدت ما يعززها تصبح شكاً، والشك إن تعزز بالأفكار أصبح ظناً، والظن إذا تجمع له ما يعززه صار معتقداً، وهنا يقع المحظور إذا كانت الفكرة غير صحيحة «سلبية»؛ وذلك لأنه عندما يركز الإنسان على ترديد المعتقد في ذهنه من وقت لآخر فإن هذا الأمر يولد له ذبذبات تحقق له ما اعتقد به، وهذا الأمر أثبتته كثير من التجارب، وأثبته لنا واقعنا العملي.
ففي بحث علمي قامت به عالمة بريطانية حول ما إذا كان للإنسان نسبة معينة من التوقع. جهزت الاستبانة وجاءت بمتطوعين وطبقت الاختبار وخرجت النتيجة لتقول إن لدى الإنسان نسبة معينة من التوقعات. سمع بهذا الخبر عالم أميركي فلم يصدق ولم يقتنع بالأمر. فقام ببحث مماثل وجاء بمتطوعين وطبق عليهم الاختبار فخرجت النتيجة تقول: بعدم وجود نسبة معينة من التوقعات لدى الإنسان. بلغ ذلك الخبر العالمة البريطانية فاتصلت بذلك العالم الأميركي وطلبت منه أن يأذن لها بأن تقيم الاختبار عنده في أميركا فوافق. فذهبت إليه وأجرت الاختبار على المتطوعين فخرجت النتيجة تقول: إن لدى الإنسان نسبة معينة من التوقعات. عادت العالمة البريطانية إلى بلدها وبعد فترة اتصل بها العالم الأميركي وأخبرها بأنه سيحضر إلى بريطانيا ليجري البحث هناك فرحبت به. ذهب العالم الأميركي وأجرى الاختبار على المتطوعين فكانت النتيجة أن ليس لدى الإنسان نسبة معينة من التوقعات. التساؤل هنا: ما الذي جرى؟ فبالرغم من أن الاختبارين طبقا وفقاً للأسس العلمية إلا أن النتائج مختلفة. لقد تبين أن السر يكمن في اعتقاد الباحث تجاه النتيجة. فالعالمة البريطانية كانت تحمل في ذهنها معتقدا، أنه يوجد نسبة معينة من التوقعات لدى الإنسان، فعزز ذلك نتائج البحث. أما العالم الأميركي فقد كان لا يعتقد ذلك فأثر معتقده بقوة على النتيجة.
من نتيجة هذا البحث العلمي علينا مراجعة معتقداتنا تجاه أمور كثيرة في حياتنا، لنتأمل فيما نعتقده عن: ذواتنا، حياتنا، صحتنا، أبنائنا، أسرتنا، أموالنا، تجارتنا، وظائفنا، مستقبلنا.. إلخ. وجدنا البعض يحمل معتقدات سوداوية تجاه أمور معينة إما لسبب وجود خبرات سلبية سابقة «قد لا تتعدى التجربة أو الاثنتين»، أو بسبب وجود فكرة سلبية حول شيء معين تتطور في كل مرة بشكل سلبي. فالآباء يؤثرون على الأبناء وفقاً لما يحملونه من معتقدات عنهم وعن دراستهم وتصرفاتهم ومستقبلهم. وكذلك يفعل المعلم مع الطلبة، والمدير مع الموظفين، والأزواج مع بعضهم البعض. عزيزي القارئ حاول ألا ترفض قبول فكرة المعتقد الإيجابي حتى وإن كنت تعيش في ظروف صعبة، فحسن الظن مدعاة للفرج، فأحسن الظن بالله، ولا تقيد فكرك بما يعيق تقدمك.
<!--EndFragment-->
ساحة النقاش