محمد شو

العالم بين يديك

عماد عفانة

مضى على حكم عائلة الأسد للقطر العربي السوري أكثر من 40 عاما وتحديدا منذ العام 1971م عندما نفذ حافظ الأسد انقلابه وأطلق عليه اسم الحركة التصحيحية. 

بالمناسبة ثورات الربيع العربي تستهدف فيما تستهدف الإصلاح والتغيير والتصحيح كذلك..!!

ورغم قيام الأسد الأب بارتكاب مجازر بشعة بحق الإنسانية في مدينة حماة السورية على مدار 27 يوما في فبراير عام 1982، أعقبها في حزيران 1982م قيام شارون بمجازره البشعة بحق الفلسطينيين واللبنانيين في العملية التي أطلق عليها شارون عملية سلامة الجليل والتي تخللتها مجازر صبرا وشاتيلا وطرد م.ت.ف من لبنان. 

ولم تنتهي عمليات العدو الصهيوني ضد لبنان إلا في العام 2000م وهو ذات العام الذي ورث فيه الأسد الابن حكم أبيه..!!. فهل هناك علاقة بين التواريخ يا ترى؟ علما أن الأسد الأب أعلن عن سقوط الجولان قبل أن يدخلها أي جندي صهيوني..!! 

الغريب العجيب أن هذا العالم الذي يسمي نفسه بالعالم الحر والديمقراطي وحقوق الإنسان التزم الصمت حيال مجازر الأسد في حماة ولم يحرك ساكنا أو جيشا ولا حتى مجلس الأمن ليصدر قرارا بالإدانة!!

كما أن الأغرب أن الشعب العربي السوري لم يقم في ذلك الحين بثورة ولا حتى مظاهرة على حكم الأسد احتجاجا على سيل الدماء الذي أراقه الأسد بدكه لنحو 750 ألفا من سكان حماة بالدبابات والصواريخ والجرافات لتهدم البيوت على أصحابها..!! 

والعجيب أن الذي يقود التحريض العلني والسافر على حكم الأسد في سوريا هي حكومات عربية لا تعرف من الديمقراطية حتى اسمها، وأغلب حكام هذه الدول وصل إلى الحكم إما بتنصيب الغرب وحمايته لها، وإما بالانقلاب على عائلتها لتستأثر بالحكم لنفسها..!! 

لا نلوم ولا يستطيع أحد أن يلوم الشعب السوري على ثورته للمطالبة بحريته من نظام حكم مارس القهر والظلم والقمع على مدار أكثر من أربعين عاما. لكننا نلوم ومن حق أي أحد أن يلوم القوى الثورية في الشعب السوري بسماحها للآخرين باستخدامهم كـ"مهداف" أو "مكسر" عصا لهذا النظام في سبيل تجريم حكم الأسد لإسقاطه تنفيذا لأجندات غربية لا تستهدف تحقيق الحرية والعدالة للسوريين بقدر ما تستهدف تحقيق مصالحها وأطماعها. 

فالعدالة التي ينشدها الغرب وبعض الأنظمة العربية التي تدور في فلكه لا تخرج عن العدالة والحرية التي حققتها للشعبين العراقي والأفغاني..!! 

فالغرب يريد سوريا كالعراق يهدده شبح التفتت والانقسام على نفسه على أسس مذهبية وطائفية. و"إسرائيل" تريد سوريا كأفغانستان ساحة مستباحة لجنود الغرب وآلته العسكرية تشن حربا بالوكالة على كل ما يمت للدين والشرف وعلى المقاومة حماية لمصالحها وحماية لـ"إسرائيل". 

الغرب وأذنابه العرب يريدون من الربيع السوري إخراج سوريا من التحالف مع إيران ومع حزب الله تحت دعاوى محاربة التشيع أو الأطماع الإيرانية بإنشاء ما يسمى بالهلال الشيعي. 

الغرب وأزلامه العرب يريدون من الثورة السورية سلخ لبنان عن سوريا والاستفراد بحزب الله وقطع الحبل السوري الممتد مع إيران عبر سوريا وإنهاء ظاهرة المقاومة والممانعة التي ثبتها في لبنان عبر خوضه حروبا دامية ضد العدو الصهيوني. 

في ظل ما سبق هل يمكن لنا أن نطلق على ما يحدث في سوريا تسمية الأزمة أم الثورة السورية..؟! 

إذا كان ما يحدث في سوريا ثورة شعبية نابعة من الشعب السوري وغير مدفوعة لا من أنظمة غربية ولا عربية ولا تستهدف سوى تحقيق الحرية والعدالة للشعب السوري فنحن إذن مع الثورة السورية. لكن إذا كان ما يحدث في سوريا يستخدم الشعب السوري لمواجهة هذا النظام الدموي الظالم من أجل تحقيق أجندات ومصالح الغرب، ويوظف الدم السوري والأشلاء البريئة لخدمة أهداف أجنبية مقيتة، فيمكن اعتبار ما يحدث في سوريا أزمة مفتعلة وليس ثورة. 

وعليه يحق لنا التساؤل: ماذا تفعل كل أجهزة الاستخبارات الدولية والعربية والفرق الدموية الخاصة في الساحة السورية إذا لم يكن ارتكاب الكثير من المجازر بحق الأبرياء من الشعب السوري وإلصاقها بالنظام السوري ليختلط الحابل بالنابل وتضيع البوصلة وتنشب حرب أهلية مخطط لها لتسقط سوريا إن لم يسقط النظام في مستنقع الفتنة والتشتت والفرقة والضعف ليسهل على الأعداء تنفيذ أجنداتهم..؟! 

وماذا تفعل كل مراكز الدراسات والتخطيط والاستخباراتية والأكاديمية في أرقى جامعات الغرب وفي وزارات الدفاع ودوائر المكر ورعاية المصالح وإدارة الأطماع..؟!

وهل كان الربيع العربي مفاجئا للغرب كما يحلوا للثوار الاعتقاد..!!، أم كان نتيجة للمخططات الغربية كما يحلوا لأنصار نظرية المؤامرة القول؟! 

من هنا يمكن لنا الحديث عن ظاهرة الربيع العربي بشكل عام- من وجه نظر أصحاب نظرية المؤامرة- بأنها كانت مسيرة وليست مخيرة، على اعتبار أن مراكز الرصد والدراسات الغربية كانت ترقب مظاهر الاحتقان في كل البلاد العربية، وكانت تتوقع لحظة انفجار وشيكة في هذه البلدان كانت ستقود الربيع العربي في اتجاهات معادية للغرب ومهددة لمصالحها في المنطقة. 

لذا بدأ الربيع العربي مدفوعا ومسيرا في أحد بلاد الأطراف -التي لم تكن تغلي- وهي تونس ذات التأثير الهامشي والضعيف على مصالح الغرب ليمثل مجرد فتيل اشتعال فقط، ليمتد الفتيل بسرعة ويشعل النار في هشيم أحد بلاد المركز وهي مصر- التي كانت على وشك الانفجار- التي كان يمكن لأي انفجار غير محسوب فيها أن يهدد مصالح الغرب بشكل كبير جدا وعلى رأس هذه المصالح أمن "إسرائيل". 

وها هي مصر وطبقا للمخطط تغرق في مناكفات سياسية وأزمات اجتماعية وفلتان أمني وهدر مالي وعجز اقتصادي، ليزيح بالمحصلة مصر عن ساحة الفعل والتأثير الدولي فضلا عن تهميش دورها الفاعل في المحيط العربي. 

ثم يمتد فتيل الربيع إلى أحد دول الأطراف مرة أخرى وهي ليبيا كي لا تشكل بما تملك من مال ونفط رافعة إنقاذ لمصر المراد لها الغرق في الأزمات والحوج والعوز لإطعام شعبها، وكي تمثل ليبيا طرفا محاصِرا- بكسر الصاد- لمصر، وفي ذات الوقت محاصَرة- بفتح الصاد- بأزماتها الداخلية. 

أما وصول فتيل الاشتعال إلى اليمن فلم يكن الغرض منه التخلص من نظام صالح الأكثر إخلاصا لأمريكا، بل كان لتنفيس حالة الاحتقان الكبيرة في اليمن من جانب ولتوجيه هذا الاحتقان باتجاه صراع داخلي تحت عناوين ويافطات براقة كالحرب على الإرهاب وعلى القاعدة، وإدخال اليمن في عصر جديد من الضعف والتخلف بحيث يبقى الخليج العربي بقيادة المملكة السعودية بمنأى عن أي تأثيرات اليمن كتكتل بشري وتأثيرات القاعدة التي ستقوم اليمن بمحاربتها نيابة عن الخليج بأسره، فضلا عن تحييد اليمن عن طريق "إسرائيل" في استكمال تمدد أطماعها وقواعدها في اريتريا وإثيوبيا وربما بعد قليل في خليج عدن لتكمل حصارها العسكري والمائي لمصر من جانب، ولتشكل تلك القواعد قلاعا متقدمة لتوجيه ضرباتها أنى شاءت سواء باتجاه إيران أو غيرها من البلدان المعادية.

وبنظرة أكثر اتساعا نرى أن الربيع العربي المخطط له غربيا توقف تقريبا عن التمدد لأي بلدان أخرى وذلك لعدد من الأسباب:

- أن السودان يقع بالكامل تحت تأثيرات مخططات التفتيت والإضعاف بفضل قواعد "إسرائيل" المتقدمة المتمثلة بالقوى السودانية الانفصالية، ولا حاجة للغرب بربيع قد يوقظ الشعب السوداني ليستعيد وحدته وثرواته المنهوبة.

- أن الأردن يشكل عامل قلق للغرب ولكنه حريص أن لا يمتد الربيع إليه خوفا من تهديد أمن "إسرائيل" لذلك فالأردن يحظى برعاية وتركيز غربي وصهيوني كبير لحمايته وللحيلولة دون سقوطه. 

- أن لبنان لا يمكن تنفيذ الربيع العربي فيه بحكم الفسيفساء المذهبية والطائفية التي تحكمه، رغم كونه قاعدة استخباراتية لأمريكا و"إسرائيل" وقاعدة عسكرية متقدمة لإيران، وسيبقى مرشحا لاستخدامه كأداة ابتزاز لأكثر من طرف إقليمي.

- أما الجزائر والمغرب فلا حاجة لهما للربيع لأن المغرب استبق الربيع بإصلاحات داخلية أشركت المعارضة، ولأن الجزائر دولة طرفية تمارس الديمقراطية، السكر زيادة.

- أما السعودية، وبعض الدول الخليجية فهي تمثل للغرب الأداة الفاعلة لدعم قوى التغيير في بلاد الربيع العربي بما يخدم المصالح الغربية، وبما يغرق هذه البلدان في أتون أزماتها الداخلية، لتحييد هذه البلدان كمصر عن موقع قيادة العالم العربي لصالح قوى أخرى في انتقال وهمي للقيادة أشبه بالحمل الكاذب لا يرضي سوى نفوس مريضة ولا يحقق سوى المصالح الغربية.

بالمحصلة هل يمكن تشخيص الطريق التي يتجه إليها العالم العربي بعد الربيع العربي..؟ هل أنتج الربيع العربي عالماً عربياً يتجه إلى امتلاك مزيد من أوراق القوة الداخلية- ديمقراطية- والاقتصادية والعسكرية، أم على العكس من ذلك يتجه إلى مربعات الإضعاف والشرذمة والأزمات الداخلية؟!

هل المصالح الغربية والصهيونية في عالمنا العربي انكمشت أو تضررت بأي شكل من الأشكال، أم أنها باتت أكثر أمانا وتمدداً وانتعاشا في ظل الربيع العربي...؟! 

هل مآلات الأمور بناء على الدراسات والتوقعات الاستخبارية وبناء على نظرة بعيدة المدى تتجه إلى تحقيق مصلحة كبرى لعالمنا العربي من الربيع العربي أم تتجه إلى إدخال عالمنا العربي في أتون أزمات حادة وانكفاء داخلي يتيح للغرب مزيد من التغول على قضايانا المحقة والعادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية؟! 

قد يقول قائل لا يعلم الغيب إلا الله، وقد تأتي الرياح بما لا تشتهي دوائر الكيد والتخطيط الغربية والصهيونية، وقد يكون للربيع العربي الفضل في يقظة العملاق العربي والإسلامي ليعود ويأخذ دوره من جديد في قيادة الأمة نحو نهضتها من جديد... هذا من نرجو وهذا ما نأمل من الله أن يتحقق. <!--EndFragment-->

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 43 مشاهدة
نشرت فى 17 يونيو 2012 بواسطة mhmadshoo

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

272,135