محمد شو

العالم بين يديك

عبد الرحمن أبو عوف

لا يعتقد أن نتائج جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية المصرية ستتجه بالبلاد إلى أي نوع من الاستقرار، فجميع المؤشرات والتصريحات الصادرة عن المرشحين وأنصار هما تسير في اتجاه واحد مفاده أن المصريين على موعد جديد مع تزوير كامل لإرادتهم وفرض رئيس عليهم لمدة أربعة أعوام يعتبره الملايين منهم مجرد رموز من رموز النظام السابق على نفس نهج الحزب الوطني المنحل الذي أسقطته الثورة ومعه نظام المخلوع حسني مبارك.

فالتسريبات التي صدرت من المرشح المدعوم من مؤسسات الدولة العميقة شفيق تشير إلى أن رموز المؤسسة العسكرية لن يقبلوا أن يؤدوا التحية لرئيس مدني، وهو ما يكشف أن المسألة لا تتجاوز مسرحية هزيلة للوصول برئيس وزراء معركة الجمل لسدة السلطة.

تزوير "أمريكاني"!

مما زاد من هذه الاحتمالات التصريحات التي أدلى بها مرشح جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة الدكتور محمد مرسي من أن جهات في مصر تدير أكبر عملية تزوير "أمريكاني" لجولة الإعادة في الاستحقاق الرئاسي، حيث لم يترك مرسي الرأي العام يجتهد في تفسير كلمة "أمريكاني"، بل أوضح أنه قصد أن التزوير الناعم الذي لا يشعر به المواطنون خارج لجان الاقتراع هو من سيسود جولة الإعادة لمن يطلق عليه مرشح الدولة العميقة، مدللا على ذلك بمجموعة من الخطوات، منها عدم تسليم اللجنة العليا للانتخابات لقوائم الناخبين حتى الآن، رغم أن الانتخابات لم يبق عليها إلا ساعات، فضلا عن أن هذه القوائم تضم أسماء مكررة، بل أضيف إليها عقب انتهاء الجولة الأولى ما يقرب من 4 ملايين صوت بالمخالفة للقانون.

تصويت دوار

ولم يقف الأمر عند هذا الحد بحسب مرسي، حيث أصدرت وزارة النقل قرارًا غريبًا يجعل الانتقالات داخل خطوط السكك الحديدية خلال يومي الاقتراع مجانية، بزعم دعم الناخبين وحثهم على المشاركة، وهي خطوة فتحت الباب بحسب المعارضين لها أمام عملية تزوير واسعة النطاق تسمح بانتقال الشخص الواحد ممن يحملون بطاقات هوية متعددة- ملايين- بالانتقال بين محافظات دلتا وصعيد مصر للإدلاء بصوته أكثر من عشر مرات في مراكز اقتراع مختلفة، وهي عملية أعد لها بعناية من خلال إضافة الملايين الأربعة لقوائم الناخبين بشكل مفاجئ قبل جولة الإعادة.

خطوات دعم

وتجاوزت عملية التزوير هذا الأمر، حيث دخلت عدة وزارات مصرية على خط الأزمة وفي مقدمتها وزارة الزراعة عبر إقرار عدة خطوات داعمة لشفيق، حيث أوقفت صرف نسبة كبيرة من حصص الأسمدة المدعومة المخصصة للمزارعين، وربطت بين استئناف صرف هذه الحصص في دلتا وصعيد مصر بوصول المرشح المثير للجدل أحمد شفيق -الذي بدأت النيابتان العسكرية والعامة التحقيق فيما يقرب من 40 بلاغًا تتهمه بإهدار المال العام- لسدة السلطة بل إن الوزارة ربطت بين وصول "آخر رئيس وزراء لمبارك"، للحكم لتسوية مشاكل ملايين الفلاحين مع الوزارة، سواء فيما يتعلق بقروض بنك التنمية والائتمان أو البناء على الأراضي الزراعية، وهو ما يمثل إهدارا للمال العام وتخريبا لآلاف الأفدنة من أجود الأراضي الزراعية، ما دام ثمن ذلك عودة النظام السابق بفساده وفلوله للمشهد مجددًا، ناهيك عن تقديم محفزات لتأمين دعم العاملين في هذا القطاع لمرشح "مبارك" لحكم البلاد.

أوراق اقتراع

وفي هذه الأجواء كشف النائب جمال العشري، عضو مجلس الشعب عن حزب الحرية والعدالة، أمام إحدى الفضائيات عن أوراق اقتراع خاصة بالمرحلة الثانية يتم تداولها في مناطق من القاهرة الكبرى قبل أيام من بدء المصريين التصويت خلال جولة الإعادة بشكل يؤشر إلى أن ظاهرة الورقة "الدوارة" التي كان يستخدمها الحزب الوطني المنحل ستكون حاضرة بقوة خلال الانتخابات لترجيح كافة المرشح أحمد شفيق الذي يواجه اتهامات ببيع ما يقرب من 40 ألف متر لنجلي المخلوع علاء وجمال إبان رئاسته لجمعية الطيارين في منطقة البحيرات المرة وقطع الطريق على جماعة الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي بشكل عام للوصول للسلطة وتحويل مصر إلى دولة مدنية حديثة يلعب الالتزام بالقانون والدستور الدور الأهم فيها.

ولا يبدو أن أجهزة الأمن المصرية التقليدية ستكون غائبة عن حسم المشهد في جولة الإعادة، حيث تدير مجموعات منتقاة من ضباط جهاز مباحث أمن الدولة المنحل والذي صدر قرار صوري بحله واستبداله بنفس عناصره ومقراته بالأمن الوطني، حيث وجه الجهاز خطابات استدعاء لمجموعات كبيرة من العملاء والبلطجية وثيقي الصلة بالجهاز طوال العقود الماضية وتوجيههم بضرورة بذل أقصى جهد لدعم الفريق أحمد شفيق، فضلا عن وضع العراقيل أمام مساعي حملة الدكتور محمد مرسي لحشد كوادرها وأنصارها أمام اللجان وافتعال أزمات لعرقلة تصويت هؤلاء في معاقلهم الانتخابية التقليدية.

منزوع الشرعية

ولكن ورغم هذا التزوير وتعدد وسائله بين التزوير الناعم أو الأمريكاني كما يطلق عليه الدكتور مرسي إلا أن من يقفون وراء التلاعب بإرادة الشعب المصري لا يدركون أن قواعد اللعبة قد اختلفت وأن وسائل التزوير المتعددة لم تعد تخفى على أحد، بل إن الشعب سيتصدى لها داخل مراكز الاقتراع أو خلال عمليات الفرز مما سيقود إلى حملة تشكيك في شرعية الرئيس القادم والعملية الانتخابية برمتها بشكل سيفتح الباب أمام مظاهرات مليونية اعتراضا على التزوير واسع النطاق لصالح متهم بقتل المتظاهرين إبان الثورة ومن تواطأ على دمائهم وسخر من ثورتهم في وقت لا يخفي هو توقه الشديدة لإعادة إنتاج نظام مبارك المخلوع ورد الاعتبار لمثله الأعلى كـ"رجل وطني"، كما يدعي.

ثورة ثانية

ولا يخفى على أحد أن عمليات التزوير الناعم أو الخشن لن تمر مرور الكرام، فالشعب المصري لن يصمت ويصبر ثلاثين عامًا على ميلاد ديكتاتور جديد لا يمتلك أي تصور لتقديم حلول لمشاكل الشعب المصري إلا بالاعتماد على الآلة الأمنية التي دأب على استخدامها نظام مبارك طوال ثلاثين عاما، بل سيواجه بقوة محاولات تفريغ ثورة الخامس والعشرين من يناير من مضمونها وسيعمل على إشعال ثورة ثانية تعيد الأوضاع للمربع الأول، ولكن بدون أي دور للمجلس الأعلى للقوات المسلحة وإزاحته من صدارة المشهد واقتلاع رموز نظام مبارك من مؤسسات الدولة وليس تركهم يعبثون ويعملون على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء عبر ورقة الـ "الشفيق".

فراغ سياسي

ومن هنا ينبغي التأكيد على أن تعداد وسائل التزوير ومشاركة جميع مؤسسات الدولة العميقة في الوصول بشفيق للسلطة لن تنهي عاما ونصف من الاضطرابات في مصر، بل إنها ستخلط الأوراق وتقود البلاد للمجهول وستفتح الباب أمام جميع الخيارات التي قد يكون من بينها مساءلة بعض أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن اتهامات بتورطهم في سفك الدماء المصرية في محمد محمود ومجلس الوزراء والشيخ ريحان والعباسية، بل إن الأمر سيزداد سوءًا بالعمل على منع شفيق من الوصول لقصر العروبة أو أداء اليمين الدستورية أمام مجلس الشعب وتكرر سيناريو حرمانه شفيق من ممارسة صلاحياته كآخر رئيس وزراء لمبارك، كما حدث إبان الثورة الأولى عندما أدار البلاد من مقر وزارة الطيران المدني، وهو أمر سيصيب الحياة السياسية بالشلل، ويسدد رصاصة الرحمة على الانتخابات الرئاسية ويدخل البلاد في دوامة الفراغ السياسي.

وتبقى هنا نقطة ينبغي الإشارة إليها وتتمثل في أن البلاد مقدمة وفي ظل احتمالات تزوير الانتخابات على موجة من المخاض العسير يصعب التنبؤ بمصيرها، لا سيما إذا تم الدفع بشفيق بعصا غليظة لمنصب الرئاسة وهي خطوة قد تقابل بثورة غضب ثانية في ظل رفض القوى الإسلامية والثورية لهذا الأمر، لكن التطورات في هذا المجال ستظل مرتبطة بدرجة رد الفعل، فربما يتصاعد التوتر وصولا للعصيان المدني والاعتصامات في ميادين مصر، وربما تقبل الأطراف بصفقة تنهي حالة الاحتقان أو يتم البحث عن ثغرة قانونية تعيد البلاد للمربع الأول، وإلى أن يتحقق أحد السيناريوهات فإن البلاد فيما يبدو على أعتاب على حالة من الفوضى والاضطراب لفترة ليست بالقليلة قد تقود البلاد إلى مرحلة بناء دولة ديمقراطية أو ترتد بها إلى حقب الاستبداد والدولة البوليسية الغليظة وشلالات من العنف يصعب تحديد وتيرتها ومداها. <!--EndFragment-->

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 58 مشاهدة
نشرت فى 16 يونيو 2012 بواسطة mhmadshoo

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

272,638