محمد شو

العالم بين يديك

يحيى أبوسالم

تحدثنا في أكثر من مناسبة عن التطور التكنولوجي والتقني، الذي أصاب أصغر الأمور في حياتنا اليومية، والذي جعلنا ورغماً عنا نتحول تلقائياً ودون سابق إنذار من عهد تكنولوجي سابق «تقليدي» إلى عهد تكنولوجي جديد «غير تقليدي»، هذا العهد غير التقليدي تقنياً والتكنولوجي بامتياز، والذي نعيش طفراته الأولى في هذه الأيام، جاءنا بمئات التقنيات وآلاف الاختراعات، التي سهل أغلبها حياتنا اليومية، وجعلنا نستمتع بما تأتينا به الشركات العالمية التكنولوجية من هذه الاختراعات والابتكارات، التي تهدف في المقام الأول والأخير إلى خدمة بني البشر وإسعادهم وتقديم كافة الطرق والوسائل التقنية للترفيه عنهم، وجعل حياتهم أسهل، وتمكينهم من إتمام العديد من الوظائف التي كانت بحاجة إلى أيام لإتمامها في الماضي، إلى ساعات فقط لإتمامها اليوم.

لعل من بين الطفرات التكنولوجية التي سنشهدها في القريب العاجل، هي الطفرة في طريقة عرض شاشات السينما، والتي ما زالت في نظر العديد من الخبراء والمحللين التكنولوجيين، تعتبر طريقة عرض الأفلام بها، تقليدية، ولا تتماشى والتطور التقني الحاصل في عالم الشاشات التلفزيونية. ورغم ما جاءتنا به دور وصالات السينما من تقنيات عرض ثلاثية الأبعاد، إلا أن هذه التقنيات ما زالت تعاني العديد من السلبيات، تتعلق في نوعية الصورة المعروضة وجودتها، وتأثيرها على المشاهدين، الذين بات العديد منهم، يملكون تجهيزات منزلية، تمكنهم من مشاهدة أفلامهم المفضلة بصورة ثلاثية أو حتى ثنائية الأبعاد، بوضوح وجودة أعلى بكثير من تلك التي تقدمها صالات السينما.

وفي النهاية ستكون تجربة مشاهدة فيلم سينمائي في المنزل مؤثرة نوعاً ما وبصورة معينة بشكل أفضل من مشاهدته في دور السينما وصالات عرض الأفلام الموجودة حالياً.

تايم لاب
اليوم بدأنا نعيش طفرة تكنولوجية فيما يتعلق بشاشات العرض السينمائية الكبيرة، تجعل من المشاهد والمتفرج، شريكا رسميا في المادة المعروضة أمامه. حيث طور بعض الباحثين الألمان تقنية جديدة لشاشات تلفزيون ضخمة وكبيرة الحجم، تجعل المشاهد يشعر وكأنه في قلب الحدث والمادة التي يشاهدها. «تايم لاب» أو مختبر الوقت، وهو أحد المختبرات الألمانية التي يتم فيه، عرض التقنيات الجديدة لمثل هذه الشاشات العملاقة، والتي تجعل من مشاهدي المواد المعروضة، شركاء في الأحداث التي تعرض عليها.

حيث قام «تايم لاب» بعرض إحدى مباريات كرة القدم على هذه الشاشة، أمام بعض الزوار، الذين صدمهم وفاجأهم ما رأوه عند بدء المباراة، حيث كانوا في وسط الملعب وإلى جانب اللاعبين، فإذا نظروا إلى اليمين رأوا لاعبين وإذا نظروا إلى الشمال رأوا أيضاً لاعبين، وبين هؤلاء تطاير الكرة أمام المشاهدين وحولهم، وكأنهم جالسين حقيقةً وسط الملعب وعلى أرضه وبين اللاعبين.

وهذا هو الهدف الرئيسي الذي يرى مختبر «تايم لاب» أن الشاشات وجدت وصنعت من أجله، وهو أن يعيش المشاهد خلال فترة مشاهدته لفيلم أو مادة معينة، مع هذه المادة وكأنه جزءًا لا يتجزأ منها، يتفاعل ويتعامل معها وتؤثر به كأنه شريك فيها وليس فقط مشاهد، كما هو حاصل اليوم في دور وصالات عرض الأفلام.

وهذا ما أكده المهندس رالف شيفر من معهد فراونهوفر هاينريش هيرتس الألماني، نقلاً عن الوكالة الألمانية «دي دبليو»، حيث بين أن المشاهدة لمباراة كرة القدم على مثل هذه الشاشات، يخلف ذلك لديه الانطباع بأنه في نفس المكان وأنه يشاهد المباراة حقيقةً وليس عبر شاشة عرض كبيرة.

تقنية شاشات جديدة

يلاحظ العديد منا أن شاشات العرض في دور وصالات السينما في أيامنا هذه، هي شاشات مسطحة «مستطيلة»، بمعنى أن المشاهد يمكنه أن يرى الشاشة بشكل كامل من الزاوية إلى الزاوية. وهو على العكس مما تقدمه التقنية الألمانية الجديدة في تصنيعها لشاشات عرض كبيرة الحجم، تأتي بشكل نصف دائرة وبطول يصل إلى 10 أمتار، والشكل الدائري هذا هو المسؤول عن توليد هذا الانطباع الخادع، والشعور بأنه في قلب الحدث خلال مشاهدته لفيلم أو مباراة كرة قدم.

وتعتمد التقنية الجديدة في هذه الشاشات على معالجة الصورة قبل عرضها على هذه الشاشات المحدبة وقبل انعاكسها عليها، وذلك حتى تظهر الصورة بشكل واضح وجديد وبدون إي انعاكسات ضوئية أو تقطيع. ومن أجل هذه بنيت هذه التقنية الجديدة على أساس تقطيع الصورة إلى أجزاء عمودية يتم عكسها على هذه الشاشة بجانب بعضها البعض، والتي بدونها ستظهر الصورة مشوهة وغير نقية.

ولأجل إتمام هذا بنجاح، تم تطوير برنامج خاص لهذه الشاشات، يقوم بجمع أجزاء الصورة العمودية مع بعضها البعض، على الشاشة، لتبدو وأنها صورة واحدة واضحة وبدون أي تقطيع يذكر.

ولقد تم تصميم برنامج آخر غاية في الذكاء قادر على التحقق من وجود نقاط «بيكسل» يتم عكسها على الصورة أكثر من مرة، ليقوم بإلغائها فوراً، وليقوم في نفس الوقت من التأكد من محاذاة الصور العمودية إلى جانب بعضها البعض بشكل لا يمكن للمشاهد إدراك أن هذه الصورة الكبيرة العملاقة عبارة عن مجموعة مجزأة من الصور العمودية تم دمجها مع بعضها البعض لتأتينا بهذه الشاشة الكبيرة، والتي يصل وضوحها إلى (7000x2000) بيكسل. وهو الوضوح الذي يتفوق بستة مراحل أو أكثر على كثير من شاشات التلفزيون الموجودة حالياً في الأسواق، وحتى شاشات عرض دور وصالات السينما.

تقنية تصوير جديدة

وكما لتقنية الصور ثلاثية الأبعاد كاميرات خاصة ومتخصصة في عملية تصوير مثل هذه المواد، لإظهارها بهذا البعد الجديد، فإن الصورة الفائقة الوضوح في تقنيات الشاشات الجديدة والتي تأتي على شكل نصف دائرة، يتم تصويرها بتقنية خاصة طورها الباحثون في معهد فراونهوفر أيضاً. وفسروا ذلك بأن الكاميرات العادية تقدر فقط أن تلتقط صورا ما هو موجود أمامها، فهي تصور ما يحدث على أرض الملعب من عدة زوايا، ويأتي دور المخرج بعد ذلك ليقوم بعرض اللقطات التي صورتها الكاميرا على شاشة التلفاز، بشكل متتالي ليحصل المتفرج وهو جالسٌ في بيته مثلاً على انطباع كامل عن هذه المباراة.

أما التقنية الجديدة بحسب ما شرحتها الوكالة الألمانية والتي قام بها مختبر «تايم لاب»، لا تتطلب العملية التي تقوم بها الكاميرات التقليدية، فهذه التقنية تقوم بالتقاط صور بانورامية وتعكسها على شاشة العرض، فيكون باستطاعة المتفرج أن يسرح بنظره من أول الملعب إلى آخره، فيشعر وكأنه موجود على منصة المشاهدين في الملعب.

وعن تقنية التصوير المبتكرة هذه يقول الباحث أوليفر شـْرير: «لقد طورنا هذه التقنية بكاميرا متعددة الاتجاهات. هذه الكاميرا هي في الحقيقة عبارة عن ست كاميرات تلتقط حيزاً يمتد على 180 درجة». وفي النهاية تمزج هذه التقنية الصورة، لتجعل من الصور المنفصلة صورة بانورامية واحدة تمتد كنصف دائرة حول المتفرج.

التقنية الجديدة تحت التجربة

تقنية الشاشات الجديدة، ما زالت تحت التجربة، في مختبرات «تايم لاب» الألمانية، وهي ما زالت ضمن نطاق حدود ألمانيا وبالتحديد في مدينة برلين، ولم يتم عرضها على الدول الأخرى وعلى مستوى العالم. إلا أن القائمين على هذه التقنية الجديدة، أكدوا أنها ستشمل العديد من الدول قريباً، ليتم نشرها عالمياً، ليتمكن العديد من عشاق مشاهدة الأفلام من خلال هذه الشاشات العملاقة، للتمتع بتجربة مشاهدة مباراة لكرة القدم أو فيلم ثلاثي الأبعاد، بطريقة لم يعتادوا عليها من قبل، تجعلهم جزءاً لا يتجزأ من هذه المباراة أو ذلك الفيلم، حيث يشعرون وكأنما هم شركاء فيه، ما يجعلهم يتفاعلون مع أبطاله أو لاعبيه وكأنهم موجودون في داخل الملعب أو داخل أحداث الفيلم، لا في منازلهم أو صالات ودور العرض السينمائية التي تحتوي مثل هذه الشاشات ذات التقنيات المتطورة الجديدة.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 73 مشاهدة
نشرت فى 16 يونيو 2012 بواسطة mhmadshoo

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

272,136