محمود كحيلة
ينهانا ربُّنا عما يضرنا، كما يأمرُنا باتباع ما فيه خيرُنا؛ ولذلك جاء في حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((تبسُّمك في وجه أخيك صدقةٌ))، ورغم هذا نتأمَّل وجوه المسلمين، فإذا هي مُكْفَهِرَّة عَابِسة، ونادرًا ما تستقرُّ في دعةٍ وابتسامٍ، وإن حدَث، فلا يكون إلا استثناءً لقاعدةِ التقطيب التي تُخفِي وراءها العديدَ من الدوافعِ والمسبِّبات الحياتية، التي تتعارض مع حالةِ الهناءة التي يسعي الإنسان لإدراكها.
وقد أثبت العلمُ أن الضحكَ مُقوٍّ للجهازِ المناعي، ومعالجٌ للأمراضِ النفسية، ومجددٌ للنشاطِ، ومنبِّه لخلايا العقل.
ورغم فوائده العظيمة، قلَّما وُجِد مَن يؤمِن بأهميته، ويعمل على إنتاجِه وتطويرِه رغم شرعيَّته؛ قال تعالى في سورة هود: ﴿ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ ﴾ [هود: 71]، وقال تعالى في سورة النمل: ﴿ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا ﴾[النمل: 19].
أما نبيُّنا محمد - صلوات الله وسلامه عليه - فقد كان من أَفْكَه الناس، وكان إذا تكلَّم تبسَّم، ورُوِي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((أنا أمزحُ، ولا أقولُ إلا صدقًا))، وقد روي عن أبى ذرٍّ الغفاري - رضي الله عنه - أنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تحقرنَّ من المعروفِ شيئًا، ولو أن تَلقَى أخاك بوجهٍ حسنٍ))، و((تبسُّمك في وجهِ أخيك صدقةٌ)).
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "مزح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصار المُزاحُ سُنة، وكان يمزحُ فلا يقولُ إلا حقًّا"، وكذلك قال علي بن أبى طالبٍ - رضي الله عنه -: "روِّحوا القلوبَ، واطلُبوا لها طرفَ الحكمة؛ فإنها تملُّ كما تملُّ الأبدانُ".
وظلَّ علماء الإسلام وفقهاؤه يحرِّضون على الضحك، ويَدعون الناس إليه؛ ليتحرَّروا به من جِدية الواقع، ويستريحوا من أعباء الحياة، بشرط ألا يكون فيه استهزاءٌ بأمورٍ شرعية، أو سخرية من الناس، وقد جاء في كتاب "إحياء علوم الدين"؛ لأبي حامد الغزَّالي: "وأما المُزاحُ، فمطيبةٌ، وفيه انبساطٌ، وطيبُ قلبٍ، فلم يُنْهَ عنه، فاعلم أن المنهي عنه الإفراطُ أو المداومةُ".
ويقول بعض الباحثين في التاريخ الإسلامي: "إن سوق الضحكِ راجَت رواجًا عظيمًا في صدرِ الإسلام، وصار للظرفاء والمضحِكين شأنٌ كبيرٌ، وأسبق الكتَّاب إلى مجال الضحك هو "الجاحظ" الذي ضمَّن كتابَه "البخلاء" فكاهةً وسخرية لاذعة.
وعلى الرغم من هذه الأهمية الإنسانية للضحك، فإن البعضَ يدعو إلى التجهُّم، متذرعًا بشقٍّ من حديثٍ صحيحٍ عن المصطفى - عليه الصلاة والسلام - قال: ((كثرةُ الضحكِ تُمِيت القلبَ))، وهو قولٌ وإن لم ينهَ عن الضحكِ إلا أنه يُنفِّر المسلمين من كثرتِه، وهو ما يدعو بعض المتشدِّدين إلى التجهُّم والعبوس على عكس ما هو مرجو من المسلم أن يكون بشوشًا؛ حتى يحبَّه الناسُ بكلِّ أجناسِهم؛ ليكون خيرَ سفيرٍ لأُمته، وقد قيل في الحكمة: "أَعطِ الكلامَ من المُزاحِ بقدرِ ما يُعطى الطعام من الملح"، وهو قولٌ يتَّفق تمامًا مع ما جاء في حديث نبيِّنا - عليه صلوات الله وسلامه - حيث قال: ((أقِلَّ الضحكَ؛ فإن كثرةَ الضحكِ تُمِيت القلب)).
لذلك يجبُ على الإنسان أن يضحكَ، بشرط أن يتوسَّط في الضحكِ، ولا يكون في كل أموره هازلاً؛ حتى لا يفقد قيمتَه وهيبتَه أمام الناس، وهكذا نرى أننا نحن - المسلمين - أولى الناسِ بالإسراعِ إلى إنشاء كِيانات ترويحية، من شأنِها ترشيدُ أعدادِ ضحايا الأمراضِ النفسية وتوابعِها العضوية، التي بدأت تغزو مجتمعاتنا بسببِ هجوم القنوات الفضائية وغيرِها من القنوات التكنولوجية، التي تبثُّ أفكارَها في أي وقتٍ، ومن كل مكانٍ، وهي فتنةُ هذا الزمانِ التي لا سبيلَ لخلاصِنا منها، إلا بالتمسك بسُنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - أُسوتنا ودليلنا في كلِّ ما فيه خيرُنا في الدنيا والآخرة.
فقد ضَحِك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنضحك؛ لأن في الضحكِ خيرًا لصحة النفس، وجودةِ العقل، وصفاء الذهن، وغزارة الفكر، فالضحكُ: غذاءٌ للنفس، ودواءٌ للكسلِ والفتور.
والضحكُ فعلٌ ككلِّ الأفعال التي حرَّضنا لفعْلها نبينا الكريم - صلى الله عليه وسلم - لأن فيها كلَّ الخيرِ لنا في الدنيا والآخرة؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - لا ينطق عن الهوى، وإنما يُنطقُه الخالقُ بكلِّ ما فيه الخير للمخلوق، فأَبشِر واستبشِر أيُّها الإنسان.
ساحة النقاش