ستيفان روستي وصباح في فيلم «بلبل أفندي»
رغم مرور الذكرى الـ 48 لرحيل الفنان ستيفان روستي في هدوء شديد، فإن جمهوره ومحبيه يحتفلون به على مدار العام من خلال عرض أفلامه التي تملأ الفضائيات السينمائية، ويرددون إفيهاته وقفشاته الكوميدية ومن أبرزها “نشنت يافالح” و”والنبي صعبان عليَّ” و”مشروب البنت المهذبة” وغيرها، من الإفيهات التي اشتهر بها روستي على مدار تاريخه الفني، والتي كثيرا ما كانت تنبع منه شخصيا بعيدا عن السيناريو والحوار..
تفرد الراحل الذي تجرى الاستعدادات لتقديم قصة حياته في مسلسل يلعب بطولته محمود عزب، بموهبة فذة، حيث غلف أدواره الشريرة بالكوميديا وخفة الظل، وهذا ما جعل النقاد يلقبونه بـ“الشرير الظريف”، كما أضفى نكهة خاصة على شخصياته التي اشتهر بتجسيدها ومنها “النذل والانتهازي والمنافق”
ولم يقتصر نشاطه على التمثيل، ولكنه امتد إلى تأليف وإخراج العديد من الأفلام، إضافة إلى مشاركته في عشرات المسرحيات مع كبار فناني عصره.
أب نمساوي وأم إيطالية
ولد استيفان روستي في 16 نوفمبر 1891 في حي شبرا بالقاهرة، وكان والده بارون نمساوي من أسرة أرستقراطية عريقة وتقابل مع أمه الإيطالية في روما وتزوجها وحضرا معاً لزيارة مصر وأعجب بالإقامة فيها واشترى منزلاً في شبرا، لكنه غادر إلى بلاده بعد شهور قليلة وهناك وقع خلاف حاد بينه وبين عائلته التي اعترضت على زواجه من خارج العائلة حسب تقاليدهم، وإرضاء لأسرته رجع لزوجته السابقة ولم يعد إلى القاهرة مطلقاً، وفي تلك الأثناء ولد ستيفان، وتوفي والده من دون أن يراه، واكتسب جنسيته المصرية بحكم مولده، والتحق بالمدرسة الخديوية وتخرج فيها لكنه لم يكمل تعليمه بسبب الظروف المادية الصعبة، فاضطر للعمل موظفاً بمصلحة البريد التي فصل منها بعد أسبوع واحد فقط.
فيلم فرنسي
وبعدها التحق بفرقة “سليم عطا الله” المسرحية، وشارك في أدوار صغيرة في عدة مسرحيات حتى حصل على دور كبير في مسرحية “شارلمان” عام 1912، وبعد ذلك سافر إلى فرنسا وشارك في فيلم فرنسي هناك، ولكنه عاد سريعاً إلى مصر ليتعرف على عزيز عيد ونجيب الريحاني وحسن فايق ويكون عزيز عيد والريحاني فرقة “الكوميدي العربي” عام 1915، ويصبح ستيفان أحد أبطالها، وتنقل بعدها بين عدة فرق وأثناء ذلك كان دائم السفر لأوروبا، وهناك درس فنون السينما والمسرح.
وفي نهاية عام 1922، تقابل مع يوسف وهبي وعزيز عيد في باريس، وفكروا في إنشاء فرقة مسرحية وعادوا إلى مصر وأسسوا فرقة “رمسيس” ولم يكن مجرد ممثل في الفرقة بل قام بترجمة واقتباس وإعداد أكثر من مسرحية منها “أسير الحب” و”مستشفى المجاذيب”و”العمة شارلي”، و”أستاذ اللطافة” و”الهديد” اللتين تولى إخراجهما عام 1926. وفي العام التالي عاد إلى فرقة صديقه نجيب الريحاني، وشارك في غالبية مسرحياتها كممثل حتى رحيل الريحاني في عام 1949، وحين كون إسماعيل ياسين فرقته المسرحية عام 1954 كان من أوائل الفنانين الذين انضموا إليها.
أول فيلم طويل
ولعبت الصدفة دوراً كبيراً في بدايته وتحديداً عام 1927 في الفيلم الصامت “ليلى”، وهو أول إنتاج روائي طويل للسينما، حيث اختلفت بطلته ومنتجته عزيزة أمير مع مخرجه التركي وداد عرفي، فأسندت إخراج الفيلم إلى ستيفان معتمدة على دراسته للسينما، وفي العام التالي أخرج فيلم “البحر بيضحك”، وأخرج لعزيزة أمير بعد ذلك فيلمي “الورشة”، و”ابن البلد”، وفي عام 1931 أخرج فيلم “صاحب السعادة كشكش بيه” لنجيب الريحاني الذي تعاون معه أيضاً في فيلم “حوادث كشكش بيه”.
وأخرج عام 1935 فيلم “عنـتر أفندي” الذي كتب له الســيناريو، وأخرج ومثل وكتب السيناريو لفيلم “جمال ودلال” لفريد الأطرش وليلى فوزي، أما آخر أفلامه كمخرج فكان “أحلاهم” عام 1945، وشـارك في بطولته مع ميمي شكيب وليلى فوزي، وآثر بعد ذلك التركيز على التمثيل بعد زيادة الطلب عليه.
120 فيلماً
وشارك بالتمثيل في نحو 120 فيلماً قدم فيها أداءً تمثيلياً فريداً ومنها “نشيد الأمل” أمام أم كلثوم، و”المجد” أمام يوسف وهبي الذي تعاون معه في أفلام “ليلة ممطرة” و”الطريق المستقيم” و”شادية الوادي”، و”سلامة” أمام أم كلثوم ويحيى شاهين.
كما شارك مع المخرج كمال سليم في بطولة فيلمي “شهداء الغرام” أمام ليلى مراد وإبراهيم حمودة، و”المظاهر” أمام رجاء عبده ويحيى شاهين، وشارك في أفلام “ أصحاب السعادة” أمام رجاء عبده ومحمد فوزي، و”النفخة الكذابة” أمام حسن فايق وماري منيب، و”قلبي دليلي” أمام ليلى مراد وأنور وجدي، و”ابن عنتر” أمام مديحة يسري وأحمد سالم، و”عنبر” أمام ليلى مراد وأنور وجدي، و”مغامرات عنتر وعبلة” أمام كوكا وسراج منير، و”إجازة في جهنم”، و”غزل البنات” و”عفريتة هانم”.
وفي عام 1950 اشترك في تسعة أفلام أهمها “شاطئ الغرام” و”معلهش يا زهر” و”المليونير” و”آخر كدبة” و”ليلة الدخلة” وفي العام التالي شارك في ثلاثة أفلام هي “ليلة الحنة” و”فيروز هانم “و”خدعني يا أبي”، وشارك في العديد من أفلام إسماعيل ياسين ومنها “حلاق السيدات” و”ملك البترول” و”اسماعيل يس طرزان”، و”ترجمان، و”في السجن”.
وكان أخر أفلامه “حكاية نص الليل” أمام عماد حمدي وزيزي البدراوي عام 1964، وعرض بعد وفاته بشهرين.
«آخر شقاوة»
وفي 11 مايو 1964، كان ستيفان روستي جالساً في مقهى “سفنكس” وسط القاهرة يلعب “الطاولة” مع أصدقائه عقب مشاهدة العرض الأول لفيلمه “آخر شقاوة”، وأحس بآلام مفاجئة في قلبه وعلى الفور نقله أصدقاؤه إلى المستشفى اليوناني وعندما فحصه الأطباء وجدوا انسداداً في شرايين القلب، ونصحوا أصدقاءه بنقله إلى منزله القريب من المقهى، ولم تمض سوى ساعة واحدة حتى توفى عن عمر يناهز 73 عاماً. وعند وفاته لم يكن في بيته سوى سبعة جنيهات، وشيك مصرفي بمبلغ 150 جنيهاً يمثل الدفعة الأخيرة عن فيلمه “حكاية نص الليل”.
جرح كبير بسبب طفليه
تزوج ستيفان روستي مرة واحدة فقط في حياته عام 1936 من الفتاة الإيطالية “ماريانا”، ورزق منها بطفلين توفي الأول بعد ولادته بأسابيع، وتوفي الثاني وعمره ثلاث سنوات، وتركت وفاة طفليه في داخله جرحاً كبيراً، خصوصاً أنه كان يعشق الأطفال، أما زوجته فتعرضت لحالات انهيار متكررة وظلت على هذه الحالة لعدة سنوات ينقلها من مصحة إلى أخرى. وبعد أسبوع واحد من رحيله أصيبت زوجته بالجنون، وتحملت نقابة الممثلين نفقات سفرها إلى عائلتها في نابولي بإيطاليا فلم يعد لها من يرعاها في مصر بعد رحيل الزوج الوفي المخلص.
ساحة النقاش