محمد شو

العالم بين يديك

أمجد عرار 

يوماً بعد يوم يظهر الفلسطينيون قدرة شعبية إبداعية متصاعدة في مواجهة الاستيطان الذي يتمدد مثل السرطان في أرضهم، وباتوا لا يعرفون إن كان جدار الضم والتوسّع والعنصرية الذي يجري بناؤه في الضفة الغربية، هو ذروة هذا التمدد أو إحدى مراحله، في ظل الحديث "الإسرائيلي" المتكرر عن مخطط لإقامة جدار آخر على الحدود الفلسطينية مع الأردن.

كانت البداية النوعية في معركة الفلسطينيين مع الاستيطان والجدار في بلدة بلعين القريبة من الخط الوهمي الفاصل بين الأراضي المحتلة العام 48 وتلك التي احتلت العام 67، حيث إن هذا الموقع أسهم في زيادة أطماع الاحتلال بأراضي البلدة وفصل أجزاء كبيرة منها عن أصحابها من خلال الجدار.

في البدايات واجه أهالي البلدة همجية الاحتلال وحدهم، لكن بالمثابرة والاستمرار نجحوا في جذب فلسطينيين من القرى المجاورة ومناطق أخرى إلى ميدان المعركة التي بدأ ينضم إليها متضامنون أجانب ونشطاء سلام يهود.

لم تمض فترة طويلة حتى انضمت بلدة نعلين القريبة والمنكوبة هي الأخرى بالاستيطان والجدار، وبعد فترة قصيرة انضمت قرية النبي صالح الصغيرة ثم تبعتها بلدة بيت أمّر القريبة من مدينة الخليل في الجنوب، وهي تعاني غياباً إعلامياً لافتاً بسبب بعدها عن مكان تمركز الإعلاميين ووسائل إعلامهم.

شمالاً ظهرت مؤخّراً بلدة كفر قدوم الواقعة غرب نابلس وشرق قلقيلية، وهي بلدة لم يكتف الاحتلال بنهب مساحات شاسعة من أرضها وجارتها قرية جيت لإقامة مستوطنة منحت اسم "كدوميم" المسروق من اسم كفر قدوم مع إجراء نحت عبري عليه، بل عمد إلى إغلاق المدخل الرئيس للبلدة، بحيث أصبح مفروضاً على أهلها أن يلتفوا مسافة طويلة للدخول إليها، والطريق نفسه للخروج منها.

من اللافت للأنظار في المواجهة التي يخوضها أهالي كفر قدوم وأهالي القرى المجاورة وبعض المناطق الأخرى كل يوم جمعة رفضاً للاستيطان وللمطالبة بفتح مدخل البلدة، ظهور إبداع جديد أوجد توازناً ضرورياً بين المعركة الميدانية والمواكبة الإعلامية، في ظل التجاهل الواضح من جانب وسائل الإعلام الدولية، وحتى العربية لما يجري على أرض البلدة.

الشابان كامل برهم وعدي عقل تطوّعا لحمل معدات تصوير متواضعة لا تتعدى الكمبيوتر المحمول وشريحة اتصال وكاميرا فيديو وكمامات واقية من الغازات المدمعة، واقتحام الميدان الخطر وسط زخات الرصاص وقنابل الغاز المسيّل للدموع، لينقلا تظاهرة كل جمعة إلى العالم عبر موقع لهذا الغرض على شبكة "الإنترنت"، ويشعران بالسعادة أن عدد المشاهدين له ارتفع إلى عشرات الآلاف، علماً أن نحو خمسة وثمانين في المئة من أهل البلدة يعيشون خارجها وفي الشتات. 

ورغم المخاطر يدرك الشابان أن دوريهما يكمل دور قاذفي الحجارة، بل إن ما يلقيانه يصل إلى ما هو أبعد من دبابة الاحتلال، إلى العالم كله، ولعل الصورة التي التقطاها في مارس/ آذار الماضي لكلب مرافق لجيش الاحتلال وهو يهاجم متظاهراً فلسطينياً ويمسك به من أجل اعتقاله، والتي انتشرت على مستوى العالم، تقدّم دليلاً آخر على أهمية ومحورية الإعلام في معارك التحرر الوطني وجبهاتها المختلفة.

مهما يكن من أمر، فإن نضالاً يتمتّع بهذه الروح وهذا الإبداع الشعبي من بلعين إلى كفر قدوم، لا يمكن لجذوته أن تنطفئ مهما "تفنن" الاحتلال في النهب والقمع والإجرام. ومهما طال الصراع فإن النصر في النهاية سيكون حليف الحق المسنود بالنضال والمقاومة. <!--EndFragment-->

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 33 مشاهدة
نشرت فى 14 يونيو 2012 بواسطة mhmadshoo

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

272,794