محمد شركي:
هناك مؤامرة كبرى مكشوفة ومطبوخة خارجيا ومسوقة داخل الوطن العربي الذي أزهر ربيعه، وراهن على الإسلام كخيار سياسي لتجاوز فترات الفساد والإفساد لعقود طويلة. والغرب، بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية وبمشاركة دول أوروبا الغربية الكبرى، لا يقبل أبدا بوجود إسلام سياسي مهما كانت درجة اعتداله.
فالإسلام الذي يريده الغرب من أجل ضمان مصالحه الاستراتيجية نوعان: إسلام متهم بالإرهاب يحارب حربا ضارية، وإسلام قابل للتدجين، ولا يشكل أدنى مضايقة للغرب، بل يقوم مقام الخادم المطيع له.
والشعوب العربية عندما انتفضت ضد الأنظمة الفاسدة كان ذلك يعني رفض النوع الثاني من الإسلام المدجن، كما رفضت النوع الأول المتهم بالإرهاب، وهو ما جعل هذه الشعوب تراهن على الأحزاب السياسية المحسوبة على الإسلام المعتدل وغير المتطرف لا إرهابا ولا تدجينا. وبهذا الخيار وجد الغرب نفسه في حالة شرود حيث استنفدت ذريعته التي ارتزق بها ما يزيد عن عقد من السنين صلاحيتها، وهي محاربة الإسلام المتهم بالإرهاب، ذلك أن وصول أحزاب محسوبة على الإسلام المعتدل إلى مراكز القرار معناه الحكم على ذريعة محاربة الإرهاب بالموت النهائي، وهو ما لا يرغب فيه الغرب الذي ترتبط مصالحه الاستراتيجية بهذه الذريعة ارتباطا وثيقا.
ومن أجل تمديد عمر ذريعة محاربة الإرهاب، وهي خطة ماكرة تمنع أن يكون الإسلام المعتدل منافسا للغرب على قيادة العالم، تظاهر الغرب بقبول خيار الشعوب العربية المراهنة على إسلام من نوع ثالث لا هو متهم بالإرهاب، ولا هو مدجن أو متهم بالعمالة للغرب، ولكن هذا الغرب في نفس الوقت لم يدخر جهدا في التآمر على هذا النوع الثالث من الإسلام لمنعه من الظهور، وذلك عن طريق جر أطراف محسوبة على الإسلام أيضا إلى تهمة الإرهاب من جديد.
فما وقع في تونس مؤخرا يؤكد هذا الطرح، فتونس لا زالت تعج بفلول المخابرات الغربية، وهي على صلة بفلول النظام البائد، وهي التي رتبت للمعرض المسيء للمشاعر الدينية الإسلامية، وهو معرض استهدف استفزاز الطائفة السلفية المندفعة لأتفه الأسباب بسبب طريقة تعاطيها للتدين، وهي طريقة تركز على الأشكال أكثر من تركيزها على المضامين.
فمن السهل استفزاز طائفة مندفعة محسوبة على الإسلام من خلال معرض تافه يعكس تفاهة الذين نظموه من أجل توريط هذه الطائفة المندفعة في العنف المدبر بدهاء ومكر. وبالفعل وقعت هذه الطائفة، التي كانت مضطهدة في عهد النظام البائد، وهي تتحين فرصة الانتقام لكرامتها بعد ربيع تونس، في خدعة الاستفزاز، وما كادت تتحرك حتى كانت عصابات الإجرام في الشوارع والمرافق العامة تعيث في الأرض فسادا ما دامت الضحية موجودة، والتهمة عالقة بها سلفا.
وهكذا وجدت المخابرات الغربية ضالتها في سلفية مغفلة، وفي عصابات إجرامية من أجل إجهاض وصول الإسلاميين المعتدلين إلى الحكم في تونس.
وعلى غرار المؤامرة المكشوفة في تونس تخطط المخابرات الغربية لمؤامرات بديلة في كل البلاد العربية التي وصلت فيها الأحزاب الإسلامية المعتدلة إلى سدة الحكم. والمخابرات الغربية الضالعة في الإجرام المنظم لا تعوزها الحيل التي تجعل الحليم حيران. وستتوالى المؤامرات والدسائس ضد التجربة السياسية الإسلامية في البلاد العربية، وسيركب التآمر الغربي الخارجي الطابورات الخامسة الجاهزة في الوطن العربي لتطبيق أجنته الماكرة. وسيتم العبث من جديد بالمغفلين من المحسوبين على الإسلام عن طريق استفزاز مشاعرهم الدينية بأمور تافهة من قبيل معرض تونس، أو مهرجانات الفن العابث، أو التظاهرات المحسوبة على الثقافة المتشنجة ضد الإسلام، من أجل جرهم إلى مربع الإسلام المحسوب على الإرهاب ليسهل التعاطي معه وفق المقاربة الغربية التي تمت شرعنتها في الساحة الدولية.
ومقابل ذلك تتم الآن مجازر ضد الطائفة المسلمة في ميانمار أمام صمت العالم، ويتم تسليح الطائفة المسيحية في جنوب السودان لترويع الطائفة المسلمة في شماله بعد تقطيع أوصاله. وآخر ما راهنت عليه المخابرات الأمريكية التحريش بين أبناء الصومال عن طريق الإغراءات المالية لتعميق هوة الحرب الأهلية فيه تحت ذريعة محاربة الإرهاب. فغاية الغرب أن يظل العالم العربي والإسلامي مقطع الأوصال بالصراعات الطائفية ليخلو له الجو.
فهل ستعي الشعوب العربية والإسلامية خطورة المؤامرة على الإسلام، وتحاول إفشالها عن طريق تفويت فرصة زعزعة الثقة فيما بينها؟ فطالما ظل تسويق ما يسمى "الإسلاموفوبيا" بين المسلمين قبل تسويقه بين غيرهم، فإن فرص إحباط التآمر على الإسلام ستكون ضئيلة جدا. ولحد الآن قد نجحت الدعاية المخابراتية الغربية في بث الشكوك بين شرائح معتبرة من الشعوب العربية في التجربة السياسية الإسلامية التي تمخضت عن الربيع العربي عن طريق تجنيد الطوابير الخامسة التي باتت تتعقب هذه التجربة السياسية في كل الآفاق للتشكيك فيها، وفي أهلية وكفاءة من يخوضونها.. <!--EndFragment-->
نشرت فى 14 يونيو 2012
بواسطة mhmadshoo
عدد زيارات الموقع
272,228
ساحة النقاش